موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في العشرين من أكتوبر الماضي 2024، كان الاحتفال الأخير للبابا فرنسيس لإعلان قديسين جدد، وكان من بينهم سبعة قديسين أطلق عليهم اسم "شهداء دمشق"، وهم ثمانية رهبان فرنسيسكان وثلاثة مارونيين من غير المكرّسين الذين قُتلوا "بدافع من الكراهية للإيمان" ليلة 9 و10 تموز من عام 1860، في دير الآباء الفرنسيسكان في حي باب توما بدمشق.
وقد اختطلت دماؤهم بتراب دمشق المقدّسة الذي سار عليه القديس بولس الرسول. ولا ننسى أنّه في أنطاكية، في سوريا، قد أطلق على أتباع يسوع المسيح، كما جاء في سفر أعمال الرسل، ولاوّل مرة، لقب "مسيحيين".
إنّ شهداء دمشق الـ11 قد طوبهم البابا فرنسيس وقال بأنّهم "كانوا خدّامًا أمناء، رجالاً ونساء خدموا في الاستشهاد والفرح.. هم كهنة ومكرّسون مندفعون في الرسالة.. عاشوا الإيمان والرسالة التي قدّموها لم تغذّ فيهم رغبات دنيويّة وتوقًا للسلطة، بل على العكس، جعلوا أنفسهم خدامًا لإخوتهم وخلّاقين في عمل الخير، وثابتين في المصاعب، وأسخياء حتى النهاية".
ومن الجدير بالذكر أنّه حينما دشّنا في الاردن المقدس كنيسة معموديّة السيّد المسيح في موقع المغطس، مطلع هذا العام 2025، قد وضع في الهيكل الرئيسي ذخائر لقديسين، ومن بينهم ذخائر قديسي وشهداء دمشق.
هذا كان بالأمس في منتصف القرن التاسع عشر، ولكننا صدمنا ليلة أمس بالأخبار القادمة من دمشق بأنّ هنالك كوكبة من الشهداء الجدد، بينما تحاول سوريا أن تكتب صفحة جديدة بالرغم من كل التطمينات التي حصل عليها المسيحيون، وكان هنالك بين الفينة والأخرى يظهر حدث هنا وحدث هناك، وكان يُقال لهم كما كان الكهنة يوم أمس على الشاشات يقولون: "قيل لنا أنّ هذه أحداث فرديّة".
نسأل الله اليوم أن تكون هذه الأحداث فرديّة، وذئاب منفردة، وليس هنالك أي تنظيم لمزيد من المآسي، لا في داخل الكنائس ولا في خارجها، فكلنا مجمعون على أنّنا نريد مستقبلاً مزهرًا لسوريا، وأن تكون فعلاً كما نعرفها مؤثرة وفعالة ونشطة وإيجابيّة في الوطن العربي، وفي هذه المنطقة التي ما إن تخرج من أزمة سياسيّة داميّة حتى تدخل في دوامة جديدة من العنف، لا سمح الله!
منظر الكنيسة يوم أمس كان مبكيًا ومحزنًا ومخزيًا لأنّ المسيحيين في سوريا، ومن تبقى منهم في هذا البلد العربي الشقيق، كانوا على الدوام مشاركين وفاعلين في خدمة وطنهم وفي نهضة بلدهم الثقافيّة والروحيّة والاجتماعيّة. وقد هاجر نصف المسيحيين تقريبًا في السنوات العشر الماضية، مثلما هاجر العديد من أبناء وطنهم المسلمون. ولكنّ ما حصل ليلة أمس قد أدخل الخوف إلى نفوس العديدين، وقد أخبرني العديد من الأصدقاء بأنّهم لم يناموا ليلة أمس تأثّرًا وحزنًا على من رحل بهذه الطريقة الوحشية، وخوفًا على أبنائهم، وأبناء بلدهم، وأبناء كنيستهم، وأبناء مجتمعهم، في أن تتضاعف هذه الأعمال الإرهابيّة.
نشجب طبعًا هذا العمل الإرهاب الذي يوصف بالوحشيّة وبالتماثل مع كل الأعمال الإرهابيّة التي حصلت في كنائس الشرق، ونتمنى الخير لسوريا، ونشدّ على أيدي جميع الأشخاص ذوي الإرادة الحسنة، وكلّ من له تأثير في سوريا، بأن يقوم كلمة شجب واستنكار لما حدث. فشرقنا لا يحتاج إلى تنظيمات إرهابيّة، بل هو بحاجة إلى عقول نيّرة تخدم أوطانها وتنظر إلى إنسانها باحترام وكرامة، والعمل معًا (نضع خطين تحت كلمة معًا) من أجل أن تنهض سوريا، وأن تبقى علامة على الأخوّة والعيش المشترك، ورمزًا على الحضارة التي تحترم التعدديّة بالرغم من أزماتها.
رحم الله الشهداء وهم كوكبة جديدة من شهداء وقديسي دمشق، وشفى الجرحى، وعزّى الخائفين على مستقبل سوريا. واختم بما كتبته وزيرة الشؤون الاجتماعية السوريّة هند قبوات التي شاهدناها على القبوات يوم أمس تركض هلعة بين أرجاء الكنيسة، تعزي الكهنة وتبكي حزنًا وألمًا وحسرة على ما حدث. إنّها المسيحية الوحيدة في حكومة سوريا، حيث كتبت على منصتها تقول، ما نقوله معها في هذا المصاب:
"الرحمة لشهداء كنيسة مار إلياس في الدويلعة. رغم الألم والمرارة والغصّة التي أشاركها مع أهلي في الدويلعة، ومع كل السوريين والسوريات الحزانى، يبقى يقيني ثابتًا: أنّ العدل أقوى من الظلم، وأنّ البناء سينتصر على الهدم، والإيمان الصادق سينتصر على التكفير، وأنّ النور، مهما طال الظلام، لا بدّ أن يشرق".