موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢١ يوليو / تموز ٢٠٢٥

مسيحيو غزة، عليكم أشرف السلام

مسيحيو غزة، عليكم أشرف السلام

مسيحيو غزة، عليكم أشرف السلام

الأب رفعت بدر :

 

منذ السابع من اكتوبر إياه الذي أدخل ليس فقط غزة وفلسطين، بل العالم، في دوامة من العنف والتنكيل، وجد المسيحيون، وهم قليلو العدد في غزة، أنفسهم معًا في الواقع والمصير والمستقبل، فأرادوا أن يحتموا في كنيستهم التي حمتهم على مدار القرون الماضية.

 

توزّع المسيحيون بين الكنيستين: كنيسة العائلة المقدّسة التابعة للبطريركيّة اللاتينيّة في القدس، وكنيسة القديس بورفيريوس التابعة لبطريركيّة القدس للروم الأرثوذكس، واحتموا فيهما وكانوا يداومون على الصلاة يوميًّا. وعندما تمّ قصف كنيسة القديس بورفيريوس واستشهاد العديد من المؤمنين فيها، توجهت العديد من العائلات إلى كنيسة العائلة المقدّسة، وهي الكنيسة التي ابتدأت كرعيّة عام 1890، وبنيت على يد الكاهن الأردني حنا النمري في عام 1969.

 

وبالإضافة إلى عمل الكهنة اليوميّ، كان هنالك راهبات الأم تريزا اللواتي يأوين العديد من المسنين والمرضى وذوي الحاجات الخاصة. وبعد أن تمّ قصف منزلهن أيضًا، انتقلت الراهبات إلى الكنيسة. أما راهبات الورديّة اللواتي كن يشرفن على واحدة من أهم المدارس في القطاع، فقد تمّ تدمير المدرسة واختارت الرهبنة أن تخرج مؤقتًا من غزة. فيما بقيت راهبات الكلمة المتجسد في داخل الكنيسة.

 

وأمس بلغ على مسمع ومرأى العالم تعرّض كنيسة العائلة المقدّسة لهجوم سافر، أدى لاستشهاد ثلاثة أشخاص بالإضافة إلى الجرحى، ومن بينهم راعي الكنيسة الأب جبرائيل رومانيلي. وكان الكاهن الأرجنتيني الأصل قد وصل إلى الشرق، وتحديدًا إلى الأردن عام 1997، ومكث فيها عدّة سنوات، ثم انتقل إلى فلسطين. وقد كان البابا فرنسيس يهاتفه يوميًّا مع الأب يوسف أسعد الذي كان لوحده في بداية العدوان الإسرائيلي، إلى أن التحق به الأب جبرائيل الذي كان صعبًا عليه المجيء إلى غزة كونه كان في روما لحظة بدء العدوان، وكان من الصعب الدخول إلى القطاع المحاصر. ومن ثم ذهب ليسندهم أيضًا الأب كارلوس الرئيس الاقليمي للرهبنة.

 

منظر الكهنة الأفاضل وهم يتنقلون بين الجرحى لكي يطمئنوا عليهم هو منظر الرعاة الصالحين الأتقياء الذين بقوا صامدين مع شعبهم، وكانوا نعم الأخ والرفيق والصديق طوال أيام العدوان الذي مرّ عليه قرابه العامين.

 

إن استهداف الكنيسة، وفيها المصلون الأتقياء، ومنهم المسنون والأطفال، لهو عمل غير مقبول أبدًا. وقد تمّ شجبه من مختلف الأوساط الدينيّة والسياسيّة. وكان البابا لاون الرابع عشر قد عبّر عن أسفه وحزنه، ودعا إلى وقف إطلاق النار الفوري والدخول بمفاوضات من أجل العدالة والسلام. و زار البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا غزة مرتين في العام الماضي، وتوجه اليها مجددا يوم أمس، برفقة بطريرك الروم الارثوذكس تيوفيلس الثالث، واشعلا شموع الترحم على الشهداء وزارا المصابين على اسرّة الشفاء. معربين عن تضامنهما المطلق مع الشعب، ليس فقط المسيحي، وإنما أيضًا المسلم.

 

وكان الأردن من أوائل الذين ندّدوا بهذا العدوان على الكنيسة كونه يدخل ضمن العدوان على كلّ مكوّنات الشعب الفلسطيني، وعلى جميع قطاع غزة المنكوب.

 

نقول في النهاية، لا حول ولا قوّة إلا بالله، ونحن نأمل أن تنتهي هذه الوحشية التي تتعامل بها قوى الاحتلال مع الشعب الفلسطيني بمكوناته جميعًا، وبأماكنه المقدّسة جميعًا. وقبل أيام، كان العالم يشاهد هجوم المستوطنين المتطرّفين على بلدة الطيبة، قرب رام الله، وهي البلدة التي فيها العديد من الكنائس، وتمّ اشعال الحريق في كنيسة الخضر الأثرية التاريخيّة بالإضافة إلى المقبرة المسيحيّة. وقد زار رؤساء الكنائس الطيبة، وأبلغوا تحيّات جميع المؤمنين لأهالي هذه البلدة العريقة. وتمّ قراءة رسالة أرسلها جلالة الملك عبدالله الثاني للتضامن مع أهالي البلدة، ومع كلّ قطاعات الشعب الفلسطيني.

 

ومن الطيبة إلى غزة، مسافة تقريبًا 100كم، ويعيش الناس في كل مدن وقرى فلسطين التاريخية المعاناة ذاتها، وبضغط اقتصادي أكثر، وذلك لأنّ كل شيء مرتبط بعضه ببعض، فالحياة السياسية الصعبة تؤثر على اقتصاد الشعب المنهك من كل النواحي.

 

دعاؤنا إلى الله أن يرسل عملة صالحين، وجادين في السعي إلى السلام، ليس فقط في النظريات وفي الكلمات، وإنما أيضًا على أرض الواقع. فهل تكون الدماء التي أريقت في الكنيسة، لتتعانق مع دماء الشعب كله، صلاة حارة يستجيب لها الرّب في أوانه لكي ينعم على بلده بالطمأنينة والعدالة والسلام؟

 

يا رب السلام، أمطر علينا السلام!