موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
من جديد، يجد العالم نفسه أمام دعوات جديدة لتكثيف الصلاة من أجل السلام في العالم، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، التي ما إن تخرج من دوّامة دامية، إلا لتدخل في دوامات جديدة وأنفاق أكثر حُلكة وظلاما.
بينما في هذه الأيام لا نحتاج الى الحُلكة، بل إلى الحكمة والتعقّل. وهنا أشير إلى دعوتين راقيتين ومتكاملتين: الأولى من جلالة الملك عبدالله الثاني، وهو اليوم عميد القادة العرب وأظن عميد قادة العالم، ليس فقط لامتداد حكمه النيّر والحكيم، وإنّما للحكمة التي لديه ولخيار السلام والتعقّل الذي من شأنه تخليص الكوكب من العديد من المآسي.
كم زاد فخرنا بقيادتنا، حين وقف جلالة الملك يوم أمس، يتحدث مع البرلمان الاوروبي، عن الانحدار الاخلاقي الذي يهدّد الكون، وعن أهمية القيم التي يستمدها الأردن من قداسته، معبرا عن فخره، ونحن معه، بأن يكون أردننا المقدس بلدا لمعمودية السيد المسيح، وبأن يكون جلالته وصيا على المقدّسات المسيحية والاسلامية في القدس الشريف. فالخطاب كان تذكيرا لضمائر العالم، وبالأخص الدول الكبرى التي قد تستطيع المساعدة بوضع حلول للمعضلات الكبرى، وأهمها على الاطلاق القضية الفلسطينية.
ومن دواعي الفخر وجود سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني وليًّا للعهد، وفيًّا إلى جوار الملك، يُسانده في تحقيق الفكر العقلاني. يكفي أن نصغي إلى سموّه قبل أيام في منتدى مؤسّسة ولي العهد تواصل 3، حيث بيّن التوجهات الإنسانيّة الوطنية لاستخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة المواطنين، وبالأخص المرضى والمسنين. هذا هو الأردن، خيار العقل والسلام والتخطيط لخدمة الإنسان.
في كل لقاء لي مع صحافة أجنبيّة، أقول بأنّ الشباب الأردني من أبناء جيلي يفتخرون بأنّهم طوال حياتهم لم يشاهدوا دماء تراق في الشوارع، ولم يقفوا عند حدود أية دولة طلبًا للجوء. هذا حدث مع الأسف لدى دول الجوار، والله نسأل السلم لديهم وديمومة الاستقرار والأمن والأمان لدينا، لكن هذا يعود إلى حكمة ربّان السفينة الأردنيّة التي يقودها بحكمة وتروٍّ وتعقّل ورسم خطط للمستقبل المشرق بإذن الله. وخيار الأردن الواضح والصريح هو أنّنا لسنا طرفا بالنزاع الدائر، ضد طرف آخر ، وأنّ "الأردن لن يسمح لأي جهة باستخدام أجوائه أو أراضيه في سياق النزاعات أو الأعمال العدائية".
وبشكل متكامل مع دعوة ستراسبورغ الملكية للتعقل والمسؤولية، انتقل إلى سفينة بطرس في الفاتيكان، حيث وجّه البابا لاون الرابع عشر دعوته إلى أمرين هامين يتغافل عنها الكثير من صنّاع القرار، فيختارون التهوّر واللامبالاة، عوضًا عن قيمتي "المسؤوليّة والتعقّل" اللتين يدعو إليها البابا الذي من أولى كلماته قبل أربعين يومًا سلط الضوء على السلام وبناء الجسور والحوار والدعاء الصادق بصلاة القلب العامر بالإيمان، من أجل السلام والعدالة واحترام كرامة الإنسان. قال البابا: "لا يجب أن يهدّد أحد الأطراف أبدا وجود الآخر، ومن واجب جميع الدول دعم قضية السلام من خلال سلوك دروب المصالحة وتشجيع الحلول التي تضمن الأمن والكرامة للجميع".
أمام مطالب التعقّل والتحلّي بروح المسؤوليّة، لا نملّ ولا نتعب من الصلاة من أجل السلام، فلنسند جلالة الملك الداعي الأكبر للسلام، بصلواتنا ودعواتنا لكي تجد كلماته الآذان الصاغية والارادات الملبيّة لنداء العقل والسلام.