موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٤

البابا فرنسيس لمسيحيي الشرق: أنتم براعم الأمل

لقاء البابا فرنسيس مع الأساقفة اللاتين في البلدان العربيّة

لقاء البابا فرنسيس مع الأساقفة اللاتين في البلدان العربيّة

الأب رفعت بدر :

 

تحمل رسالة البابا فرنسيس إلى المسيحيين في الشرق رسائل عدة، فقد اختار نشرها يوم السابع من أكتوبر، اليوم المفصلي الذي أثّر على كلّ مكوّنات الشعب العربي بطريقة أو بأخرى، ومنهم المسيحيون الذين اختاروا البقاء في قطاع غزة، في داخل الكنائس، وبالأخص كنيسة العائلة المقدسّة وكنيسة القديس برفيريوس، وذاقوا الوجع والاستشهاد والجوع وكلّ أنواع الألم الجسدي والنفسي يوميًّا.

 

إنّهم المثال الساطع في هذا الشرق للحضور المسيحي، رغم قلة العدد، لكنه حضور يجعل العالم ينظر إلى الأمور ليس من باب صراع ديني بين اليهود والمسلمين في العالم، بل هو في أساسه صراع سياسي يشترك فيه كل مكوّن للشعب الفلسطيني مع شقيقه لكي ينال استقلاله الكامل. ويذكر البابا بأنّه على تواصل يوميّ مع الكهنة والراهبات في غزة، الأمر الذي يمّدهم يوميًّا بالصبر ومزيد من الأمل للخروج من دوامة الحرب.

 

إنّ مسيحييّ الشرق هم"براعم الامل»، بحسب تصريح البابا، وهم منتمون للأرض المقدّسة التي فيها كنوز كبيرة، وهي آثار أقدام السيّد المسيح والأم البتول والرسل القديسين والشهداء. ورسالة البابا هي تأكيد على هذه الجذور التاريخيّة وتثبيت لها، وجعل مسيحيي هذه المنطقة يفتخرون بأنّ لهم جذورًا عميقة الغوص في تربة هذه المنطقة، وهم يسهمون بصنع السلام بالطريقة التي يستطيعون، فهم جزء لا يتجزأ من حياة وشعوب مجتمعاتهم، ومنهم من سقط شهيدًا في الحروب الماضية، كما والحاليّة، ولا أحد يستطيع المزاودة على الوطنيّة الصادقة التي تعتمر في قلوب مسيحيي هذه الأوطان والمجتمعات العربيّة.

 

هنالك تناقص واضح بالنسب المئويّة، بالرغم من زيادة منطقية بالأعداد، لكنّ ذلك لا يجعل المسيحيين يتراجعون عن خدمة مجتمعاتهم بما أوتوا من قدرات عقليّة وماديّة وروحيّة ووطنيّة. وهم كذلك يعملون من خلال مؤسّساتهم الروحيّة والتربويّة والإنسانيّة على تنمية المجتمعات وتحفيز وتعزيز مقدراته البشريّة بالكفاءات البشرية العلميّة الإيجابيّة. ولديهم أيضًا المؤسّسات الخدماتيّة، أو الخيريّة، مثل جمعية كاريتاس الأردنيّة التي سيّرت قبل أيام شاحنة أدوية إلى لبنان الشقيق في محنته الحاليّة. كما سيّرت إلى اليوم تسعين شاحنة إلى قطاع غزة المنكوب، عبر الهيئة الخيريّة الهاشميّة، وقد تمّ مؤخرًا تسجيل رسمي لفرع هيئة الإغاثة الكاثوليكيّة في الأردن CRS، ومقرها الرئيسي في أميركا، وهو يعمل بالتعاون مع كلّ المؤسّسات الوطنيّة الرسميّة والخاصة.

 

أمّا طريقة العمل من أجل السلام فهي أيضًا عبر الإعلام بأطيافه التقليديّة أو الإلكترونيّة الحديثة، وكذلك عبر الدعوات المتكرّرة للصلاة والصوم لأنّ السلام لن يتحقّق بدون تدخّل إلهيّ، لذلك تبيّن الكنيسة ويتبنى ذلك مسيحيو الشرق، ما كان البابا يوحنا الثالث والعشرون، يقول قبل أكثر من نصف قرن: «السلام يُبنى على العدالة والحقيقة والمحبّة والحرية». وبدون هذه القيم الاساسية، سيبقى السلام أعرج، أو حتى غير موجود على الاطلاق.

 

نشكر قداسة البابا فرنسيس، على الاهتمام المتواصل بمسيحيي الشرق، وقد شكره باسمنا جميعا البطريرك الكاردينال بييرباتيتسا، موجها رسالة مودة موقعة في القدس، الى روما، لكي تبيّن أنّ صلات الايمان، بين المدينتين عميقة ومتجذّرة، ولا دخل لها بالمواقف السياسية التي قد تتبناها دول الغرب، بطريقة متناسبة مع المصالح الخاصة بكل دولة.