موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١١ مايو / أيار ٢٠١٤
مسيحيو الشرق الأوسط "والخيار الأردني"

بقلم: جاني فالينتي :

 

يعتبر الملك عبدالله الثاني ابن الحسين زيارة البابا فرنسيس فرصة لإعادة إطلاق خطته: وهي أنه من مصلحة الإسلام الدفاع عن المسيحيين العرب من المخاطر الخفية التي تهدد وجودهم في الشرق الأوسط.

 

بقي أسبوعان فقط على وصول البابا فرنسيس، في حين تغص شوارع عمان بالوحي الحماسي عمّا ستتمخض عنه رحلة فرنسيس الرابعة إلى الأرض المقدسة. فزيارته إلى المملكة الأردنية الهاشميّة لن تكون بالتأكيد مجرد لفتة أدبيّة ترمي لتحقيق أهداف بروتوكولية. فمن ناحية الملك عبد الله الثاني، ستكون زيارة خليفة بطرس الأرجنتيني حدثًا ذا أهميّة رئيسيّة من شأنها أن تسمح له بإعادة التأكيد على الدور الإيجابي والإستراتيجي الذي يعتزم الأردن لعبه في منطقة الشرق الأوسط، حيث الصراعات الطائفية التي تتسبب إراقة الدماء، وذلك من أجل خير الجميع، أولاً وقبل كل شيء للمسيحيين الذين يعيشون هناك.

 

ففي 7 نيسان الماضي، سافر ملك الأردن من عمّان إلى روما، وأمضى أربعين دقيقة مع البابا فرنسيس، وقد تجاذبا أطراف الحديث، وتناولا الشاي معًا في غرفة الجلوس في الطابق الأرضي من مكان إقامة البابا في سانت مارثا. ولم تكن هذه الزيارة متوقعة، ذلك أنّ فرنسيس كان قد استقبل الملك عبدالله والملكة رانيا قبل بضعة أشهر فقط في نهاية آب 2013. وهذا يدلّ على أنه كان لدى عبد الله الثاني أمر مهم يود بحثه مع فرنسيس قبيل رحلة حجه إلى الأرض المقدّسة.

 

لقد ترك البابا انطباعًا قويًّا لدى الملك الشاب منذ اللقاء الأول بينهما. وفي رحلة العودة من روما، أقرّ أنه لم يلتق قط أي شخص مثله في كل الاجتماعات التي أجراها طوال حياته. وعند عودته إلى بلاده، طلب ألا يكون البروتوكول عائقًا في طريق البابا، وأنه من الواجب تحقيق جميع طلباته.

 

وفي معرض حديثه لـ"فاتيكان إنسايدر"، صرّح رئيس الأساقفة مارون لحّام، النائب البطريركي للاتين في الأردن، بأن الملك قال لمعاونيه: الشيء المهم لدينا هو أن البابا سيقيم قداسًا لمسيحيينا". وكما أشار الكاهن الأردني رفعت بدر على موقع "تيرا سانتا دوت نت"، فإن إقامة البابا القصيرة في الأردن -بضع ساعات فقط- لن تتتضمن اجتماعًا تقليديًا ورسميًّا مع علماء مسلمين. ومع ذلك هنالك العديد من المسؤولين المسلمين والمتطوعين يشاركون مباشرة في الأعمال التحضيرية لزيارة البابا. وأوضح الأب بدر: "لقد قررنا التركيز على خدمة الآخرين، ويمكننا أن نقدم خدمة معًا كمسيحيين ومسلمين. فالرسالة التي نريد أن نقدمها هو أن الحب يستطيع تجاوز كل العقبات. ولعلّ هذه هي الوسيلة الأكثر كفاءة للتواصل والتعاون، أكثر من الاجتماعات في مسجد، أو كنيسة أو في قاعة لفندق خمس نجوم".

 

ولقد سرّ البابا خلال الاجتماع في روما، بحضور الملك عبدالله والملكة رانيا، وفي الحقيقة شجّع ذلك الملك عبدالله منذ البداية على مواصلة جهوده ليكون أمام الجميع ملكًا مسلمًا وصديقًا للمسيحيين.

 

باتت الملكيّة الهاشميّة تسير على دروب تعزيز الصداقة، يرافقها تطورات غير متوقعة. فالأمير غازي بن محمد، مستشار الملك الذي لعب دائمًا دورًا مركزيًا في الحوار مع المسيحيين، شارك الملك عبد الله في الاجتماع الثاني مع فرنسيس. ويحمل الأمير غازي شهادة في الفلسفة الإسلامية من جامعة الأزهر وكان أحد العقول وراء المبادرات التي أطلقها علماء وقادة مسلمون لإعادة إطلاق حوار التفاهم المتبادل بين المسيحيين والمسلمين عقب سوء الفهم الذي نجم عن خطاب البابا السابق في ألمانيا في أيلول 2006. شملت هذه المبادرات الرسالة إلى بندكتس السادس عشر في تشرين الأول 2006 والرسالة المفتوحة إلى رؤساء الكنائس المسيحية في تشرين الأول 2007. لقد كان الأمير غازي هو الشخص الذي حضر مؤخرًا أهم مبادرة وأكثرها تميّزًا من نوعها. ففي أيلول الماضي في عمّان، دعا ملك الأردن إلى عقد قمة للقيادات الكنسية المسيحية في الشرق الأوسط من أجل لفت الانتباه إلى العديد من المشاكل -منها عمليات الخطف، والاعتداءات، والتدنيس والتمييز- التي تؤثر على حياة المعمّدين في جميع الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بأكملها. وقد حضر حوالي سبعين شخصاً من البطاركة، والوفود البطريركية، والأساقفة، والكهنة من جميع الكنائس المسيحية في المنطقة اجتماعاً استمر يومين لمناقشة التطورات الأخيرة بشأن الأوضاع في مصر، وسوريا، ولبنان، والعراق، وفلسطين، والأردن.

 

لقد دعت إلى المؤتمر الملكية الهاشمية التي تنتسب إلى بيت النبي محمد. فالهاشميون يؤكدون على أنهم حماة المقدسات الإسلامية. كان الغرض من هذا الاجتماع هو التوصل إلى حلول ملموسة للأمور الطارئة التي تهدد المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط. والهدف من ذلك هو، بإذن الله، ضمان أمن المسيحية في الشرق الأوسط وازدهارها كونها جزءاً أساسياً ومتعذراً إزالته من فسيفساء الشرق الأوسط الغنية.

 

في كلمته أمام المشاركين في الاجتماع، أوضح الملك عبد الله أن حماية المسيحيين في الصراعات الدينية التي تستعر في منطقة الشرق الأوسط "ليست مسألة ترفية وإنما واجب". "لقد لعب المسيحيون العرب دوراً رئيسياً في بناء المجتمعات العربية والدفاع عن قضايا أمتنا العادلة". واقترح الملك الهاشمي قيام تحالف متين بين المسيحيين والمسلمين للتعامل مع الجماعات الطائفية التي تؤجج الصراع في المنطقة وهزيمتها. كما أعرب عن التزامه ببذل "كل جهد" ممكن في حماية الهوية المسيحية العربية.

 

قال الملك عبد الله: "إن المسيحيين العرب هم في وضع أفضل من غيرهم في فهم الإسلام وقيمه الحقيقية". وبالتالي فهم في وضع يمكنهم من الدفاع عن الإسلام من الإجحاف المنتشر على نطاق واسع من أولئك الذين "يجهلون مكنون هذا الإيمان الذي يدعو إلى التسامح، والاعتدال، وينبذ التطرف والانعزالية". فإحدى مجالات التعاون التي ذكرها الملك عبدالله هو الدفاع عن المدينة المقدسة كمكان يستطيع فيه الناس من مختلف الأديان أن يعيشوا بسلام جنباً إلى جنب. "علينا جميعا واجب الدفاع عن هوية القدس العربية وحماية الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية فيها".

 

لم يتأثر الأردن من تداعيات ثورات الربيع العربي، هذا بدون أن تخضع المملكة، وجماعة الإخوان المسلمين، والجماعات السلفية لأية حملات قمعية وكلها تتمتع بحرية ترويج الأفكار. ويرى الملك عبدالله أن المسيحيين ضروريون في الحفاظ على العيش المشترك السلمي بين الديانات المختلفة، ومنع العنف الطائفي ليس فقط في الأردن -الذي يواجه الآن حالة هجرة طارئة عليه تجبره التعامل مع مليون لاجئ سوري- ولكن على امتداد الشرق الأوسط.

 

ففي الإجتماع الذي تم في أيلول، كانت هناك دعوات لاتخاذ تدابير ومقترحات ملموسة لضمان حياة سلمية للمعمدين في الأرض التي ولد فيها المسيح. وعندما يزور البابا الأرض المقدسة، فقد يحاول الملك عبد الله وضع مقترحاته موضع التنفيذ. فكملك مسلم وحامي المقدسات الإسلامية، فإنه قد يقترح خطة عالمية لحماية المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط. وبالتالي فإنه يتجاوز التنازلات الهزيلة التي تنطبق على المسيحيين واليهود وفقا لمبدأ "الخضوع المحمي" لأن النقطة المرجعية المشتركة هي إبراهيم، أبي جميع المؤمنين. وتقول إحدى اللافتات في شوارع عمان: "الكرسي الرسولي والمملكة الأردنية الهاشمية: معاً لبناء حضارة السلام والمصالحة".

 

 

صحيفة لاستامبا الايطالية وموقع فاتيكان انسايدر، 7 أيار 2014.

ترجمة عن الإنجليزية: منير بيوك – المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام – الأردن