موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
د. ميشال عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
منذ أيام قليلة، قام وفد مسكوني رفيع بوقفة تضامن مع الفلسطينيين في معاناتهم، عبر التواصل عن بعد، بسبب استحالة زيارتهم منطقة غزة. في هذا السياق، وجدنا انه من الضروري مشاركة الناس علاقة الكنيسة، ومجلس كنائس الشرق الاوسط بالقضية الفلسطينية.
لقد شكل دعم الفئات الضعيفة والمعرضة، الشباب والنساء وسكان الريف والمهاجرون واللاجئون أولوية في برامج واهتمامات المجلس منذ تأسيسه، وبناء عليه نشط المجلس في مجالات خدمة هذه الفئات الضعيفة والمعرضة بشكل مستدام لشتى صروف العذاب.
الوضع المتدهور في المنطقة يطال مجموعات إضافية في المجتمع، بعضها كان في السابق قادراً على التعامل مع احتياجاته، ولم يعد قادرا على ذلك. إضافة الى ذلك، يؤدي النزوح والتضخم وعدم الاستقرار السياسي والأمني إلى دفع عدد متزايد من الناس الى البؤس، مما يزيد العوز لدى العديد من الفئات الاجتماعية في ظل غياب سياسات حكومية شاملة وسليمة. والجدير ذكره ان شريحة هذه المجموعات تتسع وأصبحت المؤشرات الإحصائية تنذر بالخطر، لذلك يعتبر مجلس كنائس الشرق الأوسط أن دعم هذه الفئات يمثل أولوية رئيسية في برامجه.
واللاجئون من الفلسطينيين، بحكم الوضع البائس الذي يعيشونه منذ ثلاثة ارباع القرن، هم من الفئات التي تحتاج الى الدعم.
المجلس والفلسطينيون
على صعيد الخدمة الاجتماعية، نشأت فورا بعد النكبة لجان في قبرص ولبنان وعمان من اجل خدمة اللاجئين الفلسطينيين، وكانت مبادرات من قبل كنائس محلية، تقليدية وانجيلية، وتطورت هذه المبادرات تدريجيا لكي تصبح اشكالاً اكثر بلورة وتنظيما، فكان مخاضا طويلا وجد ذروته عند تأسيس المجلس وجرى دمج كل هذه اللجان في دائرة هي الأكبر والاقدم في المجلس، وسميت جميعها "دائرة خدمة اللاجئين الفلسطينيين". مكتب هذه الدائرة المركزي حاليًا في القدس، ولها فروع في عدة مناطق من المشرق الانطاكي.
على صعيد المناصرة وتحسيس الرأي العام المحلي والغربي، عقد المجلس كل اشكال المؤتمرات والندوات والمحاضرات وقام بالاتصالات مع مرجعيات دينية مسيحية من اجل مناصرة القضية الفلسطينية منذ سنة 1948 وحتى اليوم، وقد شكل الـ NEEBIIمكتب الشرق الأدنى المسكوني للإعلام والشرح، اهم الوسائل لهذه الغاية، ومقره رأس بيروت وقد جرى دمجه سنة 1974 بالمجلس عند تأسيسه.
لقد التصق اسم المجلس بالقضية الفلسطينية تاريخيا بشكل وثيق، لدرجة ان هذا الامر قد جلب الكثير من سوء التفاهم بين المجلس والعديد من المرجعيات السياسية والدينية. كذلك، في منطقة الشريط الحدودي في جنوب لبنان، جرى التعامل مع المجلس خلال الاحتلال على هذا الأساس، وقد اقفل مكتبه في جديدة مرجعيون لفترة طويلة.
في المرحلة الحالية، افتتح المجلس سلسلة محاضرات الكرامة الإنسانية بمحاضرة موضوعها "الفلسطينيون والتحرر من منظور مسيحي، في 29 تموز 2022، تبعتها محاضرة عن "الكرامة الإنسانية واللاجئين الفلسطينيين في 27 تموز 2023، بحضور وزير العمل اللبناني.
أما خلال حرب غزة، ويوم قصف المستشفى الانجليكاني، فقد عقد المجلس ندوة حول ما يجري في فلسطين بتاريخ 18 تشرين الأول 2024. وورد في كلمة الأمين العام في الندوة كانت بعنوان "ذلك الليل الطويل": "خمسة وسبعون عاما وشعبنا في فلسطين يرزح تحت حكم التمييز العنصري والطغيان والاضطهاد والاقتلاع ومصادرة المنازل واحتلال الاحياء وتزوير الأوراق، إضافة الى الاعتقال والاخفاء اقسري والتعذيب والقتل. هل أصبح المجتمع الدولي اصم تجاه انين الأطفال وبكاء الحزانى؟ والغرب المسيحي اين هو من كل ذلك؟ هل نسي ان المسيح قد اوصاهم بهؤلاء؟ هل أصبح بريق النفط والغاز أفضل من بهاء آيات الانجيل؟".
بيانات المجلس
وصدر البيان الأول عن المجلس في 18 تشرين الأول 2023 وسمى ما يجري في فلسطين حرب إبادة وتطهير عرقي، وكان المجلس أول من استعمل هذه التعابير – مما أحدث جدلا شديدا مع بعض الكنائس. وقد ورد فيه انه "لم يعد خافيًا على القاصي والداني ان ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة ليس ردة فعل عسكرية على فعل عسكري، وانما إبادة جماعية وتطهير عرقي يطال محتجزي أكبر سجن في التاريخ البشري وعن سابق تصور وتصميم. ان ما يجري على ارض غزة من ممارسات الأرض المحروقة، وحرق من عليها، قد خرج عن كل منطق وشريعة الهية وبشرية، اذ انه حتى الحروب لها ضوابط تحددها المعاهدات والمواثيق الدولية".
تابع البيان: "إن التعرض للمدنيين العزل، ومنهم المرضى وذوي الحاجات الخاصة، كما للأطفال والنساء والعجزة، وتدمير البنى التحتية والمنظومة الطبية وقتل الطواقم الطبية والصحافيين، وقطع المياه والمؤن والدواء عن مجتمع يتكون من مليونين ونصف المليون من الناس، لا يمكن وصفه الا على انه جريمة ضد الإنسانية... وإذا لم تتحرك الإنسانية برمتها فورا، وبالشكل المناسب، فان هذه الجريمة سوف تبقى وصمة عار على جبين الإنسانية الى ابد الدهور".
أما البيان الثاني للمجلس فقد صدر في 18 تشرين الثاني 2023، على أثر اجتماع اللجنة التنفيذية في بيروت من 17 الى 19 تشرين الثاني 2023. في بداية الاجتماع، وقف المجتمعون دقيقة صمت، وصلّوا لراحة نفوس الضحايا الذين سقطوا جراء الحرب الدامية في فلسطين، ولا سيّما في قطاع غزّة، التي شكلت حربها الموضوع الأبرز الذي توقّف عنده المجتمعون، فندّدوا بجميع أشكال العنف من أيّ جهة أتى، وشجبوا بشدّة الحرب المستعرة هناك التي تدمّر البشر والحجر، وبشكل خاص في قطاع غزّة، مخلّفةً الآلاف من الضحايا والجرحى والمصابين، ولا سيّما في صفوف الأطفال والمسنّين والنساء.
كذلك طالبوا بالوقف الفوري والنهائي لإطلاق النار، وإنهاء الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية بحقّ الشعب الفلسطيني، وإطلاق سراح جميع الأسرى، والمباشرة في إرسال الإغاثة والمساعدات الضرورية والملحّة إلى الشعب المنكوب الذي يعاني الجوع والتشرّد. إضافة الى ذلك، ناشد المجتمعون الكنائس في العالم والمجتمع الدولي وجميع أصحاب الإرادة الحسنة بذل كلّ الجهود بغية إسكات الأسلحة وإحلال السلام العادل والدائم والشامل من خلال إنهاء الاحتلال والحصار الذي أدّى إلى انفجار ما نراه اليوم من حرب وحشية لا تحترم المواثيق الدولية التي تحمي المستشفيات والمدارس ودور العبادة والسكّان المدنيين. وقد ادان البيان هذه الأفعال غير الإنسانية والتي تتعارض مع إيماننا المسيحي، وتناول موضوع الإبادات الجماعية وتهديد الكرامة الإنسانية والتراث الثقافي وإفلات مرتكبيها من أيّ محاسبة أو عقاب، واستمرارها حتى أيامنا هذه.
كذلك فوضت اللجنة التنفيذية الأمين العام توجيه كتاب مفتوح إلى رؤساء الكنائس والمجالس المسكونية والمنظَّمات الدولية حول موقف كنائس الشرق الأوسط من أحداث فلسطين والشرق الأوسط.
وبمناسبة عيد الميلاد للعام 2023، فقد وجه الأمين العام رسالة عنوانها "من أطفال بيت لحم الى أطفال غزة...الجريمة واحدة والضحية واحدة"، وقد جرى التركيز فيها على عبارة "زمن إبادة الأطفال"، وختمها قائلا: "مجيدةٌ هي شهادتُكم يا أطفالَ غزةَ، مجيدٌ هو رُقادُكم في كنف الرحمن، مجيدةٌ هي قيامتُكم، لأننا أبناءُ القيامة، واعلموا ان أطفالنا وأطفالُ العالم، يعيشون معكم معاناتُكم ويتألمون لألأمكم، وكونوا واثقين ان من أزهق ارواحَكم سوف تلاحقه لعنةُ الإنسانيةِ حتى يوم القيامة. رُغم دَوي القنابل، رُغم القتل، رُغم الترويع، نقول لكم ميلادُ السيدِ مجيدٌ، ويبقى مجيداً الى ابدِ الدهر، وقد مجّد بميلاده كلَ طفلٍ يلد في هذا العالم، خصوصا حيث ولد هو، في الأراضي المقدسة".