موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تتذكر هيلينا أندراوس، البالغة من العمر 21 عامًا، شيئًا واحدًا فقط من غيبوبتها التي استمرت 10 أيام: الاستيقاظ.
في التاسعة عشرة من عمرها، كادت هيلينا أن تُقتل في الانفجار المدمّر الذي هز مرفأ العاصمة اللبنانيّة، قبل أكثر من عامين بقليل. فبسببه، فقدت الوعي عندما كانت في منزلها، وترك الانفجار عينها سوداء بحجم كرة البيسبول، وزجاج محطم مزروع في جمجمتها، وركبة مكسورة، وجروح في مختلف أنحاء جسدها.
وعلى الرغم من استيقاظها من الغيبوبة، إلا أن كفاحها للاستمرار في الحياة قد بدأ للتو. فقد كان عليها دفع آلاف الدولارات لإجراء العملية الجراحيّة في رأسها. لكنّ هذا المبلغ من المال بعيد المنال بالنسبة لمعظم اللبنانيين، بما في ذلك أندراوس، فالأزمة الاقتصاديّة الحاليّة والمستمرّة أصابت "بلد الأرز" بالشلل.
هيلينا أندراوس ومارينا الخوند، وعلى اليسار تظهر حالة أندراوس جراء إنفجار المرفأ
حصلت أندراوس على المال الذي احتاجته لإجراء العملية الجراحيّة في أقل من أسبوعين بفضل عمل شاق لشابة لبنانيّة أخرى تبلغ من العمر 19 عامًا، هي مارينا الخوند من بيروت. لم تكن خوند، البالغة من العمر اليوم 21 عامًا، قادرة بشكل شخصي على التبرّع وتقديم أيّة مساعدة ماديّة لأندراوس. كل ما كان لديها هو "قلب يرغب" في ذلك.
لكنّ "القلب الراغب" هذا حقق أمورًا ضخمة، فقد أصبحت أندراوس واحدة من آلاف اللبنانيين المرضى أو المصابين الذين استفادوا من جهد الشابة الخوند بعد الانفجار. تحوّلت مهمة الشابة مارينا المتمثلة في مساعدة المرضى والفقراء خلال الأزمة الاقتصاديّة المستمرّة إلى جمعية غير حكوميّة خدمت منذ ذلك الحين 18000 شخصًا في البلاد. وتقول: إنّ عملها قد بدأ للتو.
توضّح الخوند بأنّ الجمعية غير الحكوميّة، والتي تتخذ من العاصمة بيروت مقرًا لها، وأطلقت عليها اسم "ميد دونايشن"، تهدف إلى تقديم المساعدة الطبيّة المجانيّة والمتساوية والعادلة لجميع المرضى اللبنانيين المستضعفين الذين يعيشون في البلاد.
وتُشير إلى أنّ الأدوية الشائعة التي لا تستلزم وصفة طبيّة يصعب الحصول عليها في لبنان، حتّى لو كان المرء يستطيع تحمّل تكلفتها، بسبب مشاكل التوريد. لذا، فإنّ الخدمة الرئيسية لجمعية "Medonations" هي تأمين الأدويّة للمرضى اللبنانيين الذين لا يستطيعون تحمّل تكاليفها أو الحصول عليها.
لكن خدماتها تتسم بالمرونة اعتمادًا على ما هو الأكثر إلحاحًا في الوقت الحالي. فخلال جائحة كوفيد-19، قدّمت الجمعية أجهزة اكسجين للمرضى. وفي أيلول الماضي، وزّعت مارينا الخوند حقائب مدرسيّة، مزوّدة بألواح شمسيّة تعمل على توفير الطاقة للهواتف المحمولة، في الوقت الذي تعاني فيه بلادها من معضلات جمّة في إمدادات الكهرباء والطاقة.
كما جمعت أيضًا المال اللازم لإجراء العمليات الجراحيّة، كما في حالة أندراوس. هذا وتجمع الخوند التمويل اللازم من خلال إطلاق دعوات المساعدة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتقول إنّ استجابة الناس من جميع أنحاء العالم كانت كبيرة جدًا.
بدأت رسالة الخوند لمساعدة شعبها في 4 آب 2020، يوم انفجار المرفأ. تقول: "بعد الانفجار، خرجت على الفور إلى الشارع. لم يكن لديّ أيّة موارد. نزلت لتنظيف الشوارع، وسألت الناس كيف يمكننا مساعدتهم، كما ومحاولة إنقاذ بعض المواطنين الذين أصيبوا بجروح خطيرة".
سمعت الخوند عن حالة هيلينا أندراوس الصحيّة بعد الإنفجار بوقت قليل. بعدما استيقطت أندراوس من غيبوبتها، كانت بحاجة إلى مبلغ سبعة آلاف دولار لدفع تكاليف الجراحة في جمجمتها. كما كانت بحاجة إلى مبلغ دولار للعلاج الطبيعي بعد الجراحة. تقول الخوند للوكالة الكاثوليكية للأنباء: "كان لديّ الإيمان بأنّنا سنكون قادرين على جمع الأموال اللازمة".
تمّ جمع التمويل في أسبوع ونصف من خلال "بوست" على الانستغرام. اليوم، أصبحت أندراوس، والتي تعافت تمامًا من الجراحة، واحدة من المتطوعين الذين يساعدون الخوند في المهمة. لقد أصبحتا في الحقيقة صديقتان مقربتان. تقول أندراوس: "مارينا شابة غير عاديّة. لا أعرف كيف بدأت في عمر التاسعة عشرة في مهمّة الجمعيّة، وكيف أنّها لا تزال على مقاعد الدراسة الجامعيّة".
بالإضافة إلى صداقتها مع أندراوس، تحافظ مارينا الخوند على علاقات قويّة مع العائلات التي تساعدها شهريًّا. تقول: "لقد دعتنا العديد من العائلات إلى منازلها لشرب القهوة وتناول الغداء والعشاء، وبعضها جاء لزيارتنا في مكاتبنا أيضًا. نحن نتطوّع بعملنا، وهذه ليست وظيفة بالنسبة لنا".
(ترجمة: عن الوكالة الكاثوليكيّة للأنباء)