موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
على طاولةٍ طويلة أمام دير مار بهنام في سهل نينوى شمال العراق، يجلس عدد من الشباب يرسمون لوحات صغيرة تجسّد رموزًا من الثقافة العراقية. ويندرج هذا النشاط ضمن مبادرة "شاحنة تراث بلاد الرافدين" التي تجوب البلاد لتقديم دروس وورش عمل حول تاريخ العراق وتراثه.
والتقى موقع فاتيكان نيوز بفريق المبادرة التي تهدف إلى إعادة ربط العراقيين بجذورهم العريقة. ويقول مثنّى الخوري، مدير المشروع: "هدفنا هو مساعدة الناس على فهم مدى تنوّع العراق. فقد عاشت هنا مجموعات متعددة معًا منذ زمن طويل، وما زلنا موجودين إلى اليوم".
جابت الشاحنة معظم مناطق العراق، إلا أنّ أغلب البلدات التي زارتها تقع في شمال البلاد؛ تلك التي سيطر عليها تنظيم داعش عام 2014. واضطر أفراد من الأقليات العراقية المتنوّعة –من مسيحيين وأكراد وإيزيديين وشبك وغيرهم– إلى الهرب من التنظيم الإرهابي، فيما تعرّضت مواقعهم المقدّسة للتدنيس والدمار.
واليوم، وبعد مرور ثمانية أعوام على هزيمة التنظيم، بدأ بعض هؤلاء بالعودة إلى بلداتهم، غير أنّ مهمة ترميم النسيج الاجتماعي ما تزال معقّدة. ويقول الخوري: "حين ندخل قرية تضمّ مجموعات دينية مختلفة، نشجّع الجميع على المشاركة. نحاول أن يتفاعلوا معًا وينخرطوا في الأنشطة نفسها".
وتتضمن الفعاليات أنشطة نظرية وتطبيقية، من دروس حول تاريخ العراق وآثاره، إلى ورش في النحت والرسم. ويؤكد باسكال ماجيسيان، مدير مؤسّسة تراث بلاد الرافدين –المنظمة الفرنسية التي أطلقت المشروع عام 2024– أن الهدف هو "جذب اهتمام الأطفال والبالغين بتراث البلاد، لضمان أن تحافظ الأجيال المقبلة عليه".
يُشار إلى العراق -الذي يشكّل جزءًا كبيرًا من بلاد ما بين النهرين القديم- بوصفه "مهد الحضارة". فقد ازدهرت على أرضه حضارات السومريين والأكديين والبابليين والآشوريين، ومنها ظهرت الكتابة المسمارية، أقدم نظام للكتابة في التاريخ أواخر الألفية الرابعة قبل الميلاد.
وتقدّم "شاحنة التراث" دروسًا تمهيدية في هذه الكتابة القديمة. ويقول الخوري في هذا الشأن: "الناس يحبّون هذا النوع من الدروس. ففي المدارس التقليدية في العراق لا تتاح للطلاب فرصة دراسة الفنون أو الموسيقى أو أي نشاط مشابه".
وإلى جانب تقديم تجارب جديدة للمشاركين، تهدف المبادرة إلى ترسيخ تقديرهم لتنوع وعمق تاريخ العراق. ومع ملاحظة حماس التلاميذ أثناء إنهاء لوحاتهم، يصعب إنكار ما للثقافة من دور لا يقل أهمية عن الاقتصاد أو السياسة في إعادة بناء البلاد وتحقيق المصالحة.
ويختتم الخوري بابتسامة: "هنا في العراق، كانت أول كتابة في العالم. نريد أن تعرف الأجيال الجديدة ذلك… ونريدهم أن يفتخروا".