موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
صورة تعبيرية قبيل عيد الفصح الأحد في مدينة حلب السورية (أرشيفية)
ركز الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" الأميركية، على التحديات التي يواجهها المجتمع المسيحي في الشرق الأوسط، محذرًا من تفريغ المنطقة من المسيحيين وتداعيات هذا الأمر "الكارثية". وأضاء ملك الأردن، بكلامه عن مسيحيي الشرق، على "الاضطهاد والتضييق" الذي يمارس على هذا المجتمع في بعض الدول.
وشدد الملك عبدالله الثاني على أن الوجود المسيحي بالمنطقة بخطر، موضحًا أنه في الأردن وفي القدس أقدم مجتمع عربي مسيحي في العالم، "وهم هنا منذ ألفي عام، وعلى مدى الأعوام الماضية، بتنا نلاحظ أنهم يتعرضون لضغوطات، وبالتالي فإن أعدادهم في تناقص، وهذا باعتقادي ناقوس خطر لنا جميعا".
وعانت دول في الشرق الأوسط من التطرّف وداعش والحروب، ومن أنظمة قمعية، ومن لم يتعرض إلى ذلك طاولته الأزمات السياسية والاقتصادية، ما زاد من هجرتهم وأدى إلى تناقص عددهم، بحسب كهنة تحدث معهم موقع الحرة.
ورد في تقرير سابق لفرانس برس أنه بالرغم من غياب إحصاءات دقيقة عن عدد المسيحيين في العراق بسبب عدم إجراء تعداد سكاني منذ سنوات، فإن هناك حاليًا ما بين 300 إلى 400 ألف مسيحي في مقابل مليون ونصف المليون قبل العام 2003.
وضمن الإطار، يقول الأب أمير ججي الدومينكي، وهو عضو مستشار في المجلس الباباوي لحوار الأديان، والنائب الأسقفي العام للاتين في العراق، في حديث لموقع "الحرة" إن "المسيحيين في العراق يمارسون طقوسهم وشعائرهم بشكل طبيعي، ولكن في كل الدول الإسلامية لا يحق لهم ممارسة التبشير، وهو أحد ركائز الديانة المسيحية، ولا نقوم به إلا من خلال حياتنا وإيماننا وتعاملنا وتعاليمنا، ومساهمتنا في بناء الأوطان". وتابع: "حاليًا لا يوجد أي نشاط تبشيري في العراق وفي كل الكنائس الشرقية، ونحن مقتنعون بنوع البشارة التي نمارسها".
وأشار ججي إلى أن "المسيحيين العراقيين استخدموا في الصراع بين السنة والشيعة، عام 2006 عندما بدأت حرب طائفية عنيفة وصعبة، واستخدمت الأقليات ككبش فداء لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى"، مضيفا أن "أكثر ما تأذت منه المسيحية هو غياب الدولة، واستلام الميليشيات والعصابات".
ولفت ججي إلى أن "خطف المسيحيين بات أمرا سهلا، لأن المسيحي ليس هناك من يدافع عنه، فليس لديه عشيرة، ولا هناك دولة قوية أو نظام يحميه في دولة المحاصصة". وقال: "عانينا الكثير منذ الـ2005 إلى 2017، سواء خلال الحرب الطائفية أو مع داعش".
ويضيف: "لكن خلال السنتين الأخيرتين، كانت زيارة البابا فرنسيس عاملا إيجابيا للوجود المسيحي في العراق، وبدأت السلطة تعطي أهمية لوجودنا. رغم أننا شركاء في هذه الأرض، فعمر المسيحيين فيها هو من القرن الأول ميلادي"، حسب قول ججي الذي تابع أن "فئة كبيرة في العراق تجهل وجود المسيحيين في البلد، الذين كانوا قبل العام 2003 أكثر من مليون ونصف المليون مسيحي، في حين لا يتجاوز عددهم اليوم الـ250 ألف مسيحي، وهذا يعني أننا فقدنا أكثر من 80 في المئة من مسيحيينا".
واعتبر أن "المشكلة الحقيقية في العراق، هي أن السلطة تعبّر بالقشور عن تضامنها معنا من خلال المشاركة في المناسبات الدينية. لكن الفكرة السائدة لديها أننا في ذمة الدولة المسلمة، أي أننا أهل ذمة، وهذا مبدأ مقيت بالنسبة لي، وقلته لكبار رجال الدين المسلمين، فلسنا محتاجين أن نكون بذمة أحد، بل نود أن نكون مواطنين في دولة المواطنة، وأن يكون القانون هو المحامي عنا".
وشدد على أن "التغيير القانوني واجب في العراق، بخاصة بالنسبة لقوانين الأحوال الشخصية التي تجعل من المسيحي مواطن درجة ثانية، فلو أصبح أحد والدي الطفل مسلما يصبح الأولاد الذين هم أقل من 18 سنة مسلمون. هذا فضلا عن أنه عندما يصبح الشخص في سن الـ18 عاما، إذا لم يسجل أنه مسيحيا ضمن مهلة قصيرة، يصبح مسلما بشكل تلقائي في الدوائر الحكومية، لذلك فإن هذا القانون مجحف تجاهنا، في بلد الأفضلية فيه للمسلمين".
وحذر ججي من أنه عندما ننظر إلى الإحصاءات خلال السنوات الأخيرة، يتبين لنا كمّ المسيحيين الذين هاجروا، ونستنج أن الحضور المسيحي في العراق نحو الزوال"، معتبرا أن "المسيحية لا يمكن أن تزول من العراق لأن هناك من يقتنع أنها أرضه، ويجب أن يكون له دورا حقيقيا فيها".
وعن قانون الأحوال الشخصية في العراق، يوضح الخبير القانوني العراقي سعد سلوم، في حديث لموقع "الحرة" أن "موقف القضاء العراقي في موضوع أسلمة القاصرين انقسم إلى اتجاه يمنح القاصر اختيار دينه عند بلوغه سن الرشد، وهو اتجاه كان شائعا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، أما الاتجاه الثاني لا يمنح هذا الحق للقاصر، إذ يقضي هذا الاتجاه بعدم جواز رجوع القاصر الذي أسلم، تبعا لإسلام أحد أبويه عن الإسلام عند بلوغه سن الرشد، لأن ذلك يعد ردة يمنعها الإسلام".
وتابع أنه "قد ساد الاتجاه الثاني في تسعينيات القرن الماضي عندما انطلقت ما يسمى (الحملة الايمانية) وأسلمة الدولة، وبالتالي عكست تحولا في اتجاه القضاء يتناسب مع تغير التوجه الأيديولوجي للدولة في فترة البعث". وأوضح أن "قانون البطاقة الوطنية الموحدة تبنى ما ينص على أسلمة القاصرين لدى تحول أحد الأبوين إلى الإسلام، في نصه الذي صوت عليه مجلس النواب (27 أكتوبر 2015). وبذلك يعد الاتجاه استمرارا لما دأب عليه القضاء في ظل نظام البعث منذ التسعينات". وأكد أن "تعديل القانون ومنح القاصر حرية اختيار دينه عند بلوغه سن الرشد على أن يمنح مهلة سنة كاملة لاستعمال هذا الحق هو ضروري جدا".
أمّا في مصر، فيقول الأب في كنسية القديس كيريلوس، والمسؤول عن جريدة حملة السلام الكاثوليكية، رفيق جريش إن "الاحتقان الديني تراجع في مصر خلال السنوات الماضية، وتحاول السلطات إذابة العديد من الصعوبات التي كانت تعترض المسيحيين في السابق"، وإنه "لا يوجد حركة اضطهاد منظمة من قبل الدولة أو الحكومة".
وأشار إلى أن "هذه حركات الاضطهاد موجودة بسبب الإخوان المسلمين والسلفيين الذين يسممون الحياة بين المسلمين والمسيحيين، فمؤخرا طلبوا من المسلمين عدم معايدة المسيحيين خلال عيد الميلاد". وقال: "الكتلة المسلمة الكبرى لم تنجرف خلف ذلك، بل أن العديد من المسلمين من الشعب عايدوا المسيحيين، وهناك رفض شعبي لتصرفات المتشددين".
وأوضح أن "التبشير ينحصر ببعض الكنائس المصرية، لكننا نعلم جيدا أنه لا يوجد تبشير في البلاد وهو غير محبذ، وتغيير الدين شائك، وذلك نتيجة تراكمات لسنوات من الاضطهاد والصعوبات".
وتابع جريش أنه "لا يوجد تمييز طائفي في مصر، لذلك لا نشعر أننا مواطنون درجة ثانية، ونحصل على حقوقنا، ولكن يجب أن نظل نحارب من أجل حقوقنا بشكل إيجابي في المجتمع". وأشار إلى أن "المسيحيين في مصر يكوّنون نحو 17 في المئة من عدد السكان، وعددهم أكثر من 17 مليون، وتاليا أكثر من عدد سكان لبنان، فأكبر تجمع مسيحي في الشرق الأوسط هم مسيحيو مصر".
وعن الوجود المسيحي في سوريا، قال الأب والأستاذ الجامعيّ المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في روما، بيار مصري، في حديث لموقع "الحرة" إنه "بما يتعلق بحرية ممارسة الشعائر الدينية، أي الصلوات والاحتفالات والأعياد وغيرها في سوريا، لا يتعرض المسيحيون عموما لأي مضايقة. لا بل أن كثيرا ما يشترك بها الآخرين وتنقل وقائعها على قنوات التلفزيون الرسمية. كما أن الكنائس والأديار وملحقاتها تتمتع بالإعفاءات الضريبية وتزوّد بالكهرباء والماء من دون مقابل أسوة بدور العبادة الإسلامية".
إلا أنّه في ما يتعلق بحرية اعتناق الدين المسيحي من قبل المسلمين، فأشار مصري إلى أنها "غير متاحة على الاطلاق. إذ لا تسمح القوانين الحالية بتغيير الدين في سجلات الأحوال المدنية من مسلم إلى أي دين آخر. كما لا تسمح قوانين الأحوال الشخصية بزواج المسلمة من غير المسلم، ولا تسمح بتسجيل الزواج المدني المعقودة في الخارج".
وشرح أن "في هذا الأمر لا تختلف سوريا عن سائر البلدان العربية والإسلامية، وهو مرتبط بمفهوم الردة في الإسلام الذي لم تجرِ إعادة النظر فيه بطريقة جدية إلى اليوم".
أما على صعيد التمييز في الدولة، تابع أنه "من النادر وقوع تمييز على أساس ديني في المعاملات الرسمية. فباستثناء منصب رئاسة الجمهورية الذي يحصره الدستور بالمسلمين، نجد مسيحيين في مختلف مواقع المسؤولية بما يتناسب مع أعدادهم بحسب المناطق. لكن تدني الشعور بالمواطنة، وتخلخل المساواة تحت سقف القانون، وفقدان الحيلة أمام طغيان الفساد (..) كلها أمور يشترك فيها المسيحيون مع سائر المواطنين. وكثيرا ما يدفعهم اليأس الناجم عن استمرارها وتفاقمها إلى اتخاذ قرار الهجرة".
وعن الوجود المسيحي في سوريا، أوضح أمه "لا يستطيع أحد الإتيان بأرقام دقيقة بسبب عدم توافر الأدوات الإحصائية المناسبة. لكنّ التقديرات عمّا تبقّى من المسيحيّين، المبنيّة على لوائح مساعدات المنظمّات الإنسانيّة، وأعداد الطلاب المسيحيين في المدارس والجامعات، وسواها من المعايير، تتراوح بحسب المناطق بين 15 و25 في المئة من عددهم ما قبل الحرب".
وحذّر من أنه "إذا أخذنا بالاعتبار النسبة المرتفعة للمُسنّين بين هؤلاء الباقين، والتصاعد المستمرّ في هجرة الشباب والعائلات الفتيّة، فإنّ السنوات القليلة المقبلة ستشهد، ما لم تحصل معجزة ما، تدهورا متزايدا في أعداد المسيحيين وتحوّلهم إلى نسبة مهملة في تركيبة سوريا الديموغرافية".
وبما يتعلق بالوجود المسيحي في الأردن، أشار الأب رفعت بدر، وهو مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن، في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "وضع المسيحيين في الأردن فريد في المنطقة، فالمسيحي لم يتعرض طيلة الحكم الهاشمي على مدار أكثر من 100 عام إلى أية ضغوط بسبب ديانته".
وقال إن "معاناة مسيحيي الأردن هي ليست لأنهم مسيحيون، بل لأنهم مواطنون في هذا الشرق الذي لم يكن في يوم من الأيام مرتاحًا، والإنسان فيه متألم، وتاليًا فإن ألم المسيحي في الأردن ليس بسبب إيمانه وديانته، بل لأنه يعيش في هذه المنطقة من العالم، وما يحصل على المسلم يحصل عليه".
وتابع أن "الهجرة من الأردن كانت دائما اختيارية، ولم تكن تهجيرًا، وهناك عدد من المسيحيين هاجروا للبحث عن رزق كريم وظروف أفضل من الشرق المتوتر عسكريًا وسياسيًا. وشدد على أن المسيحي في الأردن حاضر بالمؤسسات في الدولة. ويشكّل المسيحيون في الأردن 3 في المئة من السكان، و30 في المئة من اقتصاد البلد ومن مؤسساته وبنوكه وشركاته".
وفي الشأن اللبناني أشار الأب غابي الهاشم، العضو في اللجنة اللاهوتية في الفاتيكان، إلى أنه "لا يتعرض المسيحيون في لبنان للمضايقات لأنهم مسيحيون. بل يعانون من الفوضى الدستورية ومن فساد الحكام ومن سوء الأوضاع الاقتصادية"، مشيرا إلى أن "بعض السوء في النظام ناتج عن التبعية الخارجية وعن التفاضل الطائفي والديني الذي يجعل كل طائفة تستمد القوة من جهة خارجية ضد الشركاء في الوطن. فالمواطنة تأتي بعد الطائفة والانتماء الأول هو للحزب الطائفي".
وقال إن "المسيحيين في لبنان عنصر من عناصر تكوين وتأسيس الوطن. وهم لا يشعرون بأنهم من درجة ثانية، ولكنّهم يعانون من قلة التوازن في الحكم الناشئ من اختلال القوى ومن الأحزاب المسلحة التي تفرض قانونها". وتابع: "لا ريب في أن عدد المسيحيين في تناقص بسبب قلة الإنجاب والهجرة. إلا أن ذلك لا يقتصر على المسيحيين، بل نتج ذلك عن الأحوال السياسية والاقتصادية والمالية السيئة، وبسبب نتائج الحرب الأهلية لا سيما للذين هُجروا من قراهم ومدنهم بعد الانسحاب الإسرائيلي سنة 1983".