موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٦ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٢
الموت "بداية" حياة

أشخين ديمرجيان :

 

في الثاني من شهر نوفمبر كلّ عام، تُحيي الكنيسة الكاثوليكية تذكار الموتى المؤمنين في المَطهَر. وتُرفَع صلوات خاصة عن راحة أنفسهم بما أن لا شيء يفصلنا عن محبّتهم، لا الموت ولا الحياة. كما أنّ الموت هو موت الجسد لا الروح . ويتوجّه المؤمنون الى المدافن في ذلك اليوم. وتُحيي الكنيسة الأرمنيّة تذكار الموتى وتقوم بزيارة المدافن خمس مرّات على مدار السنة. ومن الجدير بالذكر أنّ المؤمن لا يحصر صلواته وزياراته للمدافن في إطار تلك التواريخ ، بل يُصلّي باستمرار على مدار السنة، ويُقدّم الحسنات رحمة بتلك النفوس المتألّمة.

 

كلّنا نعلم أنّ "الموت كأس وكلّ الناس ذائقه" وعلى حين بغتة يفارق الإنسان الحياة. وعزاء البارّ في ساعة موته أنّ اكليل نصره يتكوّن من التواضع والطيبة والعمل الصالح. يترك المؤمن جميع الأمور الدنيوية الزائلة ويدخل الأبديّة، وقد رضي عنه الخالق خاصة بشفاعة سيّدتنا مريم العذراء. فقد أرادت العناية والحكمة الالهيتان أن تتجسد كلمة الله الأزلية (يوحنا 1: 1) لا عن طريق رجُل (يوحنا 1: 13) بل عن طريق مريم العذراء! وهذه رسالة إلى المؤمنين الراسخين في العلم والعقيدة، وأيضا لقوم المشككين -حاشى وكلاّ– بشأن العذراء مريم.

 

لقد حرّرنا السيّد المسيح بقيامته المجيدة من عبوديَّة الخطيئة، وفكّ أغلالها. كما وغيّر مفهوم الموت فبات عبوراً إلى الخلود لا موتاً أبدياً. فنحن عابرو سبيل في هذه الحياة الدنيا. يعتقد  بعض الناس أنَّ للحياة "نهاية" وأنّ في الموت "النهاية" والتلاشي والعدم والهوّة السحيقة التي تبتلع كلُّ الأحلام والرغبات والعواطف. وكأنّنا نعيش في أفق بدايته "الحياة" ونهايته "السراب" الذي يحمل في طيّاته الظلام الأبديّ.

 

ويُدرك الإنسان المؤمن أنّ الموت "بداية" حياة لا "النهاية". لذلك كان القدّيس فرنسيس الأسيزي يدعو الموت "أخي"، لأنّه يقوده إلى الاتّحاد بالسيّد المسيح. ليخترق رجاء "القيامة بعد الموت" تفكيرنا، شريطة أن نعيش حياة صالحة، عندها تنتصر الحياة وينهزم الموت.

 

لذلك كلّه يقول القديس يوحنا فم الذهب في هذا الصدد: "رأيتم أنّ الموت لا يُدعى بعدُ إلا راحة ورقاداً وأنّ هذا الموت الذي كان وقعه رهيباً قبل المسيح، أصبح مُحتقَراً منذ قيامته. لقد بدا لكم ظفر القيامة الباهر إذ بها جَنَينا خيرات لا تُحصى وفقدت حيل الشيطان كلّ مفاعيلها".

 

كما يقول القديس أغسطينوس: "جميعنا يريد الحياة الأبدية والسعادة. لا نعرف بالتحديد ما هي ولكننا ننجذب إليها. إنّه رجاء شامل، مشترك بين جميع البشر في كل الأزمنة والأوقات. إن عبارة "الحياة الأبدية" هي الغوص في محيط محبة الله اللامتناهية ، بلا حدود للمكان أو للزمان".

 

الموت لا بدّ منه، وعلينا الاستعداد له، فهو يلحق بنا أجمعين من جراء الخطيئة التي أصابتنا جميعاً. "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لوقا 13: 5-1). ونظرًا لكون الساعة مجهولة، ينبغي أن نكون ساهرين ومستعدّين لذلك بالندامة وبالتوبة عن خطايانا وبتوجيه حياتنا نحو الله والملكوت النهائي .

 

 أمّا اذا تناولنا الموضوع من ناحية نفسيّة، فإن رجاء المسيحي بشكل فرديّ يعكس رجاءه للآخرين حوله ويؤثّر بهم. والسبب في ذلك أنّ وجود كل واحد منّا مرتبط أفقياً وبالعمق بوجود الآخر. وكل خير أو شرّ يصدر منّا يطال دائماً الآخرين.

 

 

خاتمة

 

وهنا أتساءل أما يزال الإيمان المسيحي في عالم اليوم مصدر رجاء يُنير حياتنا؟ ويقود خطانا المُتعثّرة حينًا والتائهة أحياناُ أخرى؟ وأكثر من ذلك: "هل يطمح البشر في عصر العولمة المادي الى الحياة الأبدية؟ أم أنّ شهوة المادة ولمعانها المزيّف أعمى البصيرة والبصر؟ وبات الوجود الأرضي هدفنا الوحيد الأوحد؟ ناسين أو متناسين كلمات المسيح "ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه!" (متّى 16 : 26).