موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ١٢ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٣
الطفلة بين التطلعات والواقع المرير
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

د. ميشال عبس :

 

لقد حددت منظمة الأمم المتحدة يوم الحادي عشر من تشرين الأول/أكتوبر على انه اليوم العالمي للطفلة.

 

بين عام 1995، حين عقد المؤتمر العالمي المعني بشؤون المرأة في العاصمة الصينية، واعتمدت البلدان بالإجماع اعلان ومنهاج عمل بيجين، البرنامج الأكثير بلورة للنهوض بحقوق المرأة والفتاة - وقد اعتبر هذا الإعلان بمثابة باكورة الاتفاقات المعنية بحقوق الفتيات - وبين عام 2011، حين اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها إعلان يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر اليوم الدولي للطفلة، خطت الإنسانية خطوات جبارة الى الامام في مجال صيانة حقوق الفتيات على ضوء التحديات التي تواجهها في زمننا الحديث.

 

وحسب صفحة الأمم المتحدة المعنية بهذه المناسبة، فان اليوم الدولي للطفلة يهدف إلى تمكين الفتيات التصدي للتحديات التي تواجهها ورفع قدرتهن على صيانة الحقوق العائدة لهن بموجب القوانين والمواثيق الدولية.

 

في عالم التمييز الجنسي واستغلال الضعيف، تبقى الفتيات الصغيرات، غير الواعيات للظلم الذي يقع عليهن وغير القادرات على الدفاع عن كيانهن وحقوقهن، العنصر الأضعف في مجتمع صراع البقاء الذي لا يختلف عن الغابة البدائية الا بالأساليب.

 

في مجتمع عمالة الأطفال، التي عجزت أعتى الدول وأكثرها تنظيما عن محاربتها، تبقى الفتاة الصغيرة الحلقة الأضعف التي تستجلب كل سخط وظلم مجتمع يبحث عن كبش محرقة.

 

رأيتهن في شوارع مدينتي، ومدن أخرى في بلادي، تستعطين او تبعن العلكة او أوراق اليانصيب وهن تغطين جسدهن المنهك بخرقة بالية مكان الثوب. رايتهن تتسكعن امام السيارات تحاولن تنظيف زجاجها رغم قامتهن الصغيرة.

 

رأيتهن في ساحات بلادي تصرخن في وجه ظالم او غاصب او محتل وتتعرضن للاعتقال وللتنكيل وللاغتيال أحيانا.

 

رأيتهن مكسورات الخاطر، حزينات، لا تفهمن لماذا لا تستطعن العيش مثل كل فتيات العالم، والذهاب الى المدرسة واللعب والفرح.

 

قرأت عنهن، تسلمن الى اسر ثرية كخادمات مدى الحياة او مقابل دين. قرأت عنهم تغتصبن وتتعرضن للتعنيف والضرب وتزهق ارواحهن أحيانا.

 

قرأت عنهن تسلمن الى اكلة لحوم الأطفال لتشغيلهن بالتجارة الجنسية مثل الدعارة والأفلام الإباحية وغيرها من موبقات زمن السقوط.

 

هذه البشرية العظيمة، المتغطرسة في تكنولوجيتها، غير قادرة على إحصاء اعدادهن ومكافحة ما تتعرضن له، اسوة بالفتيان الصغار الذين يلاقون تقريبا نفس المصير. ارقام هذه الظواهر لا أحد يعرفها لان الجنس البشري مشغول بأمور اهم.

 

هذه الفتيات، ذات النظرات الحزينة حتى البؤس، ذات النفس المسحوقة، هل هن أمهات الغد؟

 

أخشى ان تكون كل المؤتمرات والبيانات والدراسات والخطابات ليست الا مخدرات ومباضع، تلعب دور المسكّن للألم بينما المجرمون بحق الإنسانية يتمادون.

 

يجب ان نعترف ان معاملة الفتيات عامة قد تغيرت في العالم العربي تغيرا جذريا خلال العقود الأربعة الماضية، بمعنى ان متابعة الفتاة علمها أصبح امرا محسوما وتوريثها ما يمنع عنها اذية زوج ذكوري متعسف أصبحت ثقافة، ولكن هناك شرائح كبيرة من مجتمعاتنا ما زالت غير قادرة على تأمين ذلك، فتسقط في أتون العوز والقبول بما لا يقبل به لا شرع الهي ولا شرع انساني.

 

ان تحدي تعليم الطفلة وصيانة كرامتها وحقوقها وتحضيرها لكي تكون اما صالحة تتربى على يديها أجيال مستقبل الإنسانية، هو تحدٍ أساس، وإذا لم تأخذ به الإنسانية فلا يتأملن أحد بمجتمع صالح.

 

عندما تصادف في الشارف فتاة تلبس ثياب رثة وممزقة تتهافت على الناس للحصول على شروى نقير، حاول ان تسأل نفسك أي نوع من الأمهات سوف تكون، واي نوع من الناس سوف يترعرع على يديها... لا بل اسأل نفسك أي مجتمع مجرم اوصلها الى ما هي عليه.

 

لقد اوصانا السيد المتجسد ان لا نحتقر "احد هؤلاء الصغار" وقال "من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحى، ويغرق في لجة البحر (مت 18:5؛ لو 17:2) وقال إنه ليست مشيئة أبيكم الذي في السموات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار (مت 18:14).

 

الأطفال، والطفلة هي أضعفهم واكثرهم تعرضاً على الاطلاق، هم وصية الخالق، لذلك، إذا كنا ممتنين لعطاياه فالأجدر بنا ان نبر بوصاياه.