موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يدفع الصحافيون ثمنًا باهظًا لتغطية الحرب في قطاع غزة والتي سقط خلالها عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوفهم. لكن الناجين منهم يواجهون خطر الموت في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل للقطاع فضلاً عن الصعوبات في الاتصالات والقلق على أسرهم، ونقص المستلزمات الأساسية للبقاء من غذاء وماء.
وقالت الصحافية الغزية هند الخضري لوكالة فرانس برس "عملنا هو توثيق الحرب لنطلع العالم على ما يحدث". لكنهم يعرفون أن لذلك تكلفة باهظة. فيوم الجمعة، سقط مصور الجزيرة سامر أبو دقة قتيلًا أثناء تغطيته القصف في جنوب قطاع غزة.
وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إن عدد الصحافيين الذين قتلوا في حرب غزة خلال هذه الفترة القصيرة يفوق عدد القتلى في أي نزاع شهده العالم منذ 30 عامًا على الأقل.
وتفيد لجنة حماية الصحافيين، أن ما لا يقل عن 64 من العاملين في وسائل الإعلام، بمن فيهم صحافيون ومصورون ومصورو فيديو وفنيون وسائقون، ومعظمهم في غزة، قُتلوا منذ هجوم حماس في إسرائيل في 7 تشرين الأول.
وقال المصور الصحافي الفلسطيني معتز عزايزة، إن كل يوم هو "مسألة حياة أو موت بالنسبة لنا".
فقد قُتل البعض منهم في القصف وهم في منازلهم مع عائلاتهم. وقُتل آخرون أثناء أداء عملهم.
وقُتل ثلاثة صحافيين في القصف في لبنان حيث يحصل تبادل يومي للقصف بين إسرائيل وحزب الله، كما قُتل أربعة صحافيين إسرائيليين خلال هجوم حماس على كيبوتس يعيشون فيه.
قالت الخضري "تركت قطعة من قلبي" بعدما أرغمت مثل نحو 1,9 مليون من سكان غزة على الفرار إلى جنوب القطاع. توجهت في البداية إلى مستشفى الشفاء التي لجأ إليها آلاف آخرون، ومن ثم إلى رفح عند الحدود الجنوبية المغلقة مع مصر. لكنها لم تتوقف قط عن توثيق "أهوال" الحرب.
وقال جوناثان داغر، مدير منظمة مراسلون بلا حدود في الشرق الأوسط، إن ما يحدث في غزة هو "خنق للصحافة".
وحتى قبل اندلاع الحرب، واجه الصحافيون فترات عصيبة في غزة في ظل حكم حركة حماس التي سيطرت على القطاع في عام 2007.
وقال عادل الزعنون مراسل وكالة فرانس برس منذ نحو 30 عاما، "في ظل حماس، تغير العمل الصحافي بشكل كبير عما كان عليه الوضع في ظل السلطة الفلسطينية". وأضاف "لا تعترض حماس عادة على تغطية العمليات العسكرية الإسرائيلية، لكنها منعت تمامًا أي تغطية لأنشطتها العسكرية، بما في ذلك المواقع العسكرية والأسلحة والأنفاق".
منذ بدء القتال، قام رامي أبو جاموس، الصحافي والمنسق لدى الكثير من وسائل الإعلام الفرنسية، بتوثيق الحياة في غزة في ما يسميه بأنه أمر "واجب". وبين فيديوهات الجثث ومناشدات الجرحى، ينشر لقطات يلعب فيها مع ابنته ليخطف منها ابتسامة.
مع أكثر من 17 مليون متابع، يلتقط المصور الصحافي عزايزة أيضًا في صوره محنة النازحين، فضلاً عن شعوره هو نفسه "باليأس". فهو من خلال دوره كشاهد ومشارك، قام بسحب جثث من تحت الأنقاض أو نقل أطفال الجرحى إلى المستشفى.
وجميع الصحافيين الذين أجرت معهم وكالة فرانس برس مقابلات، بمن فيهم اثنان يعملان لديها، دفنوا أحد أحبتهم أو قريبًا لهم أو صديقًا منذ بداية الحرب.
في بعض الأحيان تقع المأساة في أثناء أدائهم عملهم. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح علم أثناء بث مباشر أمام الكاميرا بمقتل زوجته وطفليه في غارة إسرائيلية.
وقال لوكالة فرانس برس "خوفي الأكبر لم يكن أن أؤدي وظيفتي أبدًا، بل أن أفقد أسرتي ... أسرتي التي استشهدت لم أرها حتى يوم الاستشهاد، منذ اندلعت الحرب على قطاع غزة. ودعتهم قبل أن أذهب إلى الحرب، ثم ودعتهم عندما واريتهم الثرى".
وأضاف الدحدوح الذي أصيب الجمعة أيضًا في ذراعه خلال الغارة التي قتلت المصور أبو دقة، أن الصحافي الفلسطيني "وجد نفسه في أتون المعركة مرغمًا لا راغبًا، وبات يدفع ثمنًا باهظًا، ومثل أي مواطن فلسطيني عادي بات يخشى على نفسه، على حياته، على عمله وعلى أسرته وأحبابه وأقاربه" وهو عاش مثلهم "حياة النزوح والتشرد والتهجير القسري".
منذ بداية الحرب، شجبت منظمة "مراسلون بلا حدود" "عجز إسرائيل عن حماية الصحافيين العاملين على الأرض، الذين ليس لديهم ملاذ آمن". وبينما يعاني الجميع في غزة من نقص الوقود والغذاء والماء، فإن الصحافيين في حاجة ماسة إلى الكهرباء لشحن الهواتف والكاميرات وأجهزة الكمبيوتر. وهم يعانون من انقطاع الكهرباء المستمر والانقطاع المتكرر للاتصالات.
وقال داغر من منظمة مراسلون بلا حدود إن "من خلال قطع الإنترنت، تمنع السلطات الإسرائيلية الصحافيين من العمل. إنه انتهاك للحق في الحصول على المعلومات". واضطر الصحافيون إلى اللجوء إلى أساليب مبتكرة لمواصلة العمل، مثل الصعود إلى أسطح المنازل لالتقاط إشارة لإرسال موادهم مع تكرر الانقطاع.
وحثت منظمة مراسلون بلا حدود السلطات على "فتح أبواب" معبر رفح الحدودي مع مصر، حتى "يتمكن الصحافيون أخيرًا من الدخول والخروج على جانبي الحدود". وبعد 73 يومًا من الحرب، يبدو مراسل وكالة فرانس برس عادل الزعنون منهكًا. ويقول إن أمنيته الوحيدة هي "إيصال عائلتي إلى بر الأمان".