موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح الخميس في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في دورة لرؤساء الإكليريكيات والمنشئين في أمريكا اللاتينية وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وسلّمهم نص الكلمة التي كان قد أعدها للمناسبة وجاء فيه إنَّ التنشئة الكهنوتية بأسرها، ولا سيما تنشئة الرعاة المستقبليين، هي في محور البشارة، لأنهم في العقود القادمة، من خلال الإجابة على دعوة أصيلة ومحددة، سيحركون ويقودون شعب الله المقدس لكي يكونوا في المسيح سرّ أو علامة وأداة الاتحاد الحميم مع الله ووحدة الجنس البشري بأسره". كم هي ضرورية التنشئة النوعية لل٫ين سيكونون حضور الرب الأسراري في وسط قطيعه، ويغذونه ويعتنون به بالكلمة والأسرار!
تابع الأب الأقدس يقول بهذا المعنى، أود أن أؤكد أن نص القاعدة الأساسية للتنشئة الكهنوتية، "عطية الدعوة الكهنوتية"، يحافظ على الإسهام الكبير الذي قدمه الإرشاد الرسولي Pastores dabo vobis، والذي تصادف هذا العام الذكرى الثلاثين لنشره من قبل القديس يوحنا بولس الثاني، بعد الجمعية العامة العادية الثامنة للأساقفة، التي تناولت موضوع "تنشئة الكهنة في الظروف الراهنة". يقدم هذا الإرشاد بشكل واضح رؤية أنتروبولوجية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار، بطريقة متزامنة ومتوازنة، الأبعاد الأربعة الموجودة في شخص الإكليريكي: الإنساني والفكري والروحي والرعوي. أود أيضًا أن أؤكد أن إحدى المساهمات العظيمة لنص القاعدة الأساسية للتنشئة الكهنوتية هي أنها تصف عملية التنشئة للكهنة، بدءًا من سنوات الإكليريكية، بدءًا من الخصائص الأربع المعروفة للتنشئة، والتي يتم تقديمها على أنها فريدة ومتكاملة وجماعيّة وإرساليّة.
أضاف البابا فرنسيس يقول يسعدني أنك تتأمّلون في هذه الأيام حول جوانب مختلفة من التنشئة الأولية، متوقفين عند البعد الإنساني وطريقة تكامله مع الأبعاد الأخرى، أي الروحي والفكري والرعوي. في الواقع، في وفي الجماعة المسيحية، يدعو الرب بعض تلاميذه ليكونوا كهنة، أي أنه يختار بعض الغنم من قطيعه ويدعوهم ليكونوا رعاة لإخوتهم وأخواتهم. ويجب ألا ننسى أننا نحن الكهنة قد أُخذنا من بين البشر، من أجل خير البشر في الأمور المتعلقة بالله. نحن "تلاميذ" للمؤمنين المسيحيين الآخرين، ولهذا السبب بالذات، نشترك في الاحتياجات الإنسانية والروحية عينها، وفي الوقت عينه نحن موضوع نقاط الضعف والقيود والأخطاء عينها.
تابع الأب الأقدس يقول في الإكليريكيين، كما في كل واحد منا، يتفاعل ويتعايش جانبان يجب أن يكملا بعضهما البعض: مواهب النعمة وخصائص الطبيعة الجريحة؛ والخدمة التي يجب أن تقوموا بها هي توحيد هذين الواقعين في مسيرة إيمان ونضوج متكامل. ولكم من الأهميّة بمكان أن تتنبّهوا، لأن مهمتكم ليست تنشئة "رجال خارقين" يدعون أنهم يعرفون كلَّ شيء ويتحكمون في كل شيء ويكونون مكتفين ذاتيًا؛ وإنما هي أن تنشئوا أشخاصًا يتبعون بتواضع المسيرة التي اختارها ابن الله، والتي هي درب التجسد. إن البعد الإنساني في التنشئة الكهنوتية ليس مجرد مدرسة فضيلة، أو مدرسة نمو لشخصية الفرد أو نموه الشخصي، بل يتطلب أيضًا نضجًا متكاملًا للإنسان تقويه نعمة الله، ويأخذ بعين الاعتبار الأوضاع البيولوجية، والنفسية والاجتماعية لكلِ فرد، وهو قادر على تحويلها والارتقاء بها، لاسيما عندما يسعى الشخص الجماعات إلى التعاون معه بطريقة شفافة وصادقة. في النهاية، تبقى دوافع الدعوة الحقيقة، أي إتباع الرب وإحلال ملكوت الله، هي أساس مسيرة هي في الوقت عينه إنسانية وروحية.
أضاف الحبر الأعظم يقول بهذا المعنى، فإن إحدى أهم المهام في عملية تنشئة الكاهن هي القراءة التدريجية الإيمانية لتاريخه. هذه الرؤية الإلهية لمسيرته هي الموضوع الرئيسي للتمييز الشخصي والكنسي لدعوة الشخص. في الواقع، يجب على كل إكليريكي أولاً، وكل كاهن بعدها، أن يحدّثها باستمرار، لا سيما في أهم ظروف مسيرته الكهنوتية. والحديث مع الذين يرافقونه في هذه العملية، سيسمح له بالتغلب على أي تجربة لخداع الذات وسيسمح بتقييم وجهات نظر أوسع وأكثر موضوعية. ولذلك علينا أن نعي تأثير التنشئة الذي تتركه حياة وخدمة المنشِّئين على الإكليريكيين، لأنَّ المنشئين يربون من خلال حياتهم أكثر من كلماتهم. إن أحد مؤشرات النضج الإنساني والروحي هو تنمية وتوطيد القدرة على الاصغاء وفن الحوار، اللذين يرتبطان بشكل طبيعي بحياة الصلاة، حيث يدخل الكاهن في حوار يوميٍّ مع الرب، حتى في لحظات الجفاف والارتباك. أما بالنسبة للخدمة التي يقدمها الكاهن لإخوته وأخواته، ولا سيما لعمل المُنشِّئ، فإن الاستعداد للاصغاء والتعاطف مع الآخرين، أكثر من كونه أداة للبشارة، هو المجال الذي يُزهر فيه ويُثمر. باختصار، إن حياة المُنشِّئ، ونموه البشري والروحي المستمر كتلميذ - مرسل للمسيح وككاهن، تعضده وتعززه نعمة الله، هي بلا شك العامل الأساسي الذي يملكه لكي يضفي فعالية على خدمته للإكليريكيين، وإلى الكهنة الآخرين في تشبُّههم بالمسيح، الخادم والراعي الصالح. في الواقع، تشهد حياته على ما تحاول كلماته وتصرفاته أن تنقله في الحوار والتفاعل مع محاوريه في التنشئة.
تابع الأب الأقدس يقول أعزائي الكهنة، إنني أدرك أن الخدمة التي تقدمونها للكنيسة ليست بسيطة وغالبًا ما تتحدى بشريّتنا، لأنَّ المُنشِّئ لديه قلب بشري بنسبة مائة بالمائة وغالبًا ما يشعر أيضًا بالإحباط والتعب والغضب والعجز؛ ومن هنا تأتي أهمية الالتجاء إلى يسوع يوميًّا، والركوع أمامه والتعلّم منه في حضوره هو الوديع والمتواضع القلب، لكي يتعلم قلبنا شيئًا فشيئًا أن ينبض على إيقاع قلب المعلّم. تسمح لنا صفحات الإنجيل، لاسيما تلك التي ترسم لنا حياة يسوع مع تلاميذه، برأن نرى كيف عرف يسوع كيف يكون حاضرًا أو غائبًا، لقد كان يعرف اللحظة التي كان يجب عليه فيها أن يُصلح وتلك التي كان عليه فيها أن يمدح؛ واللحظة التي كان عليه فيها أن يرافق والمناسبة لكي يرسل الرسل ويتركهم لكي يواجهوا التحدي الإرسالي. في وسط هذه التدخلات، والتي يمكننا أن نسميها "تدخلات المسيح التربوية"، أصبح بطرس وأندراوس ويعقوب ويوحنا وبقية المدعوين تلاميذًا حقيقيين وشكلوا قلوبهم تدريجيًا على قلب الرب.
أضاف الحبر الأعظم يقول لقد سلّطت الضوء على دور رئيس الإكليريكية في التنشئة فيما يتعلق بإخوته في مجموعة التنشئة وفي المسؤولية المشتركة للجميع في تنشئتهم الكهنوتيّة. يجب على رئيس الإكليريكية أن يبدي اهتمامًا مستمرًا بجميع المُنشِّئين، وأن يحافظ على حوار منفتح وصادق فيما يتعلق بحياته وخدمته، بدون أن يهمل دوره بأن يردد صدى تلك الجوانب الشخصية التي يعتمد عليها غالبًا التغلب على المشاكل التي قد تنشأ في داخل مجموعة التنشئة. لذلك ضعوا نصب أعينكم على الدوام أنَّ المُنشِّئين هم الإخوة الأقرب لرئيس الإكليريكية، واليهم يجب أن تتوجّه بشكل مميز ممارسة المحبة الراعوية. من ناحية أخرى، تملك التنشئة الكهنوتية أداة مميزة لها وهي المرافقة التكوينية والروحية لجميع مُنشِّئي الإكليريكية ولكل فرد منهما بالنسبة لجميع الإكليريكيين ولكلِّ فرد منهم، وذلك لضمان حصولهم على مساعدة واسعة ومتنوعة من قبل جماعة المُنشِّئين، بدون تمييز أو خصوصية، فيعضدهم هكذا كهنة من مختلف الأعمار والحساسيات المختلفة، وفقًا للمهارات الخاصة لكل منهم، فيتمكّن هكذا كلُّ راعي مستقبلي من أن يميز ويوطد ليس فقط دعوة حقيقية إلى الكهنوت، وإنما أيضًا الأسلوب الشخصي والفريد الذي رسمه له الرب لكي يعيشه ويمارسه. كما يساهم في المرافقة التكوينية أشخاص آخرون يساعدون الإكليريكيين في نموهم البشري والروحي نذكر من بينهم المسؤولين عن الخبرات الرعوية التي تتم في سياق التنشئة الأولية، ولا سيما كهنة الرعايا، بالإضافة إلى الخبراء المدعوون إلى التعاون عند الضرورة.
وخلص البابا فرنسيس كلمته بالقول أعزائي المُنشِّئين، أعبر لكم مرة أخرى عن امتنان الكنيسة لكم لأنكم تكرِّسون حياتكم وخدمتك لرعاة المستقبل، الذين سيكونون إخوتك في الكهنوت والذين، إذ يتّحدون معكم وتحت إشراف الأسقف، سيرمون شباك الإنجيل كصيادي بشر حقيقيين. لتشجّعكم العذراء مريم الكليّة القداسة، أمّ الكهنة، ولتحفظكم في رسالتكم.