موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
بعد القداس في ستاد الكومنولث في إدمونتون، يوم الثلاثاء، احتفل البابا فرنسيس بصلاة ليتورجية الكلمة، في بحيرة القديسة حنّة، والتي تعد أحد المواقع الأكثر قدسيّة للشعوب الأصلية في أمريكا الشمالية، والتي لطالما عُرفت بأنها مكان للشفاء.
وبعد مباركة مياه البحيرة والحضور، ترأس البابا فرنسيس ليتورجية الكلمة. بدأ الأب الأقدس كلمته مشيرًا إلى أن قرع طبول الاحتفال "يبدو وكأنها تردد دقات القلوب" للعديد من الحجاج الذين ساروا معًا منذ أجيال للوصول إلى هذه البحيرة، بحثًا عن الشفاء من مياهها.
وأشار كذلك إلى أن التأمل بصمت في هذه المياه حيث يمكن استشعار "نبضات قلب أمنا الأرض"، ويلهمنا للعودة إلى ينابيع الحياة والإيمان. وقال: "في الواقع، إنه يسمح لنا، بالروح، بزيارة الأماكن المقدسة، والتأمّل بيسوع الذي قدّم رسالته بشكل كبير على ضفاف بحيرة: بحيرة طبريا".
ولفت إلى أنّ الله اختار السياق الغني والمتنوّع لهذه المنطقة للقاء العديد من الشعوب، وليُعلن للعالم رسالته "الثوريّة" للأخوّة، مشيرًا إلى أنّ تلك الرسالة تدوي اليوم في صوت طبول عبر القرون وتوحد شعوبًا مختلفة.
وقال: "إنها تذكرنا بأن الأخوّة حقيقية وإن كانت توحّد أولئك الذين تباعدوا عن بعضهم البعض، فإنها رسالة وحدة ترسلها السماء إلى الأرض لا تخشى الاختلافات، والتي تدعونا إلى الشركة، من أجل البدء من جديد معًا، لأننا جميعًا الحجاج في رحلة".
وبالتركيز على قراءات الليتورجية المستمدة من سفر حزقيال (حزقيال 47: 1-2، 8-9، 12)، كرّر قداسته دور الجدات الهام، وتحديدًا في مجتمعات السكان الأصليين، في نقل "ماء الإيمان الحي". وقال: "نادرًا ما يأتي الإيمان من قراءة كتاب بمفرده في الزاوية"، ولكن، "بدلاً من ذلك، فإنّه ينتشر داخل العائلات، ويُنقل بلغة الأمهات، وبلهجات الجدات اللطيفة".
وقدّم البابا الشكر على دور الجدات الثمين، مجدّدًا دعوته للعائلات للاعتزاز بكبار السن والعناية بهم. وقال: "أودّ أن أقول لجميع تلك العائلات التي لديها كبار السن في المنزل: لديكم كنز! احموا مصدر الحياة هذا داخل منازلكم: اعتنوا بهم، باعتبارهم إرثًا ثمينًا يجب أن تحبوه وتعتزوا به".
ثم ركز البابا فرنسيس على قوة المياه الشفائيّة في سياق الجراح التي عانى منها السكان الأصليون في كندا بعد الاستعمار الأوروبي. كما استذكر الحبر الأعظم في الكلمة التي ألقاها أمام الحضور رسالة السيد المسيح على ضفاف بحيرة الجليل.
ورفع قداسته الدعاء للرّب، بشفاعة مريم العذراء وأمها القديسة حنة، للمساعدة في شفاء تلك الجروح العميقة. وقال: "في هذا المكان المبارك، حيث يسود الوئام والسلام، نقدّم لكم خبراتنا في عدم التناغم، وآثار الاستعمار الرهيبة، وألم العديد من العائلات والأجداد والأطفال الذي يصعب محوه".
وجدّد البابا التأكيد على دور الأمهات والجدات في مجتمعات السكان الأصليين أيضًا في المساعدة على التئام تلك الجروح، مشيرًا على وجه التحديد إلى شخصية القديسة حنّة، جدة يسوع، والتي قدّمها المبشرون في كندا، ضمن سياق الانثقاف، إلى الشعوب الأصليّة.
وأشار إلى أن جزءًا من "الإرث المؤلم" للاستعمار الأوروبي "ينبع من حقيقة أن الجدات من الشعوب الأصلية مُنِعن من نقل الإيمان بلغتهن وثقافتهن". وقال: "إنّ هذه الخسارة كانت مأساوية بشكل أكيد، لكن وجودكم هنا هو شهادة على الصمود والبداية الجديدة، للحج نحو الشفاء، بقلب مفتوح على الله الذي يشفي حياة المجتمعات".
ثم أشار قداسته إلى أن "الكنيسة كلّها بحاجة إلى الشفاء"، داعيًا الحجاج إلى المساهمة في بناء "الكنيسة الأم" القادرة على "احتضان جميع أبنائها وبناتها"، "المفتوحة للجميع والتي تتحدث مع الجميع"، و"تلتقي معكل شخص"، مشدّدًا بأنه "إذا أردنا رعاية وشفاء حياة مجتمعاتنا، فعلينا أن نبدأ بالفقراء والأكثر تهميشًا"، بما في ذلك كبار السن الذين هم في خطر الموت لوحدهم، وأيضًا الشباب "الذين يتم استجوابهم أكثر من الاستماع إليهم".
وإشارة إلى أنّ يسوع يدعونا إلى "الخروج، والعطاء، والمحبة"، دعا البابا جميع المؤمنين إلى أن يسألوا أنفسهم عما يمكنهم فعله للمحتاجين، وعلى وجه التحديد للشعوب الأصليّة التي تحمّلت الكثير من المعاناة. وقال: "في بعض الأحيان، لا تتمثّل الطريقة الجيدة لمساعدة الآخرين في منحهم ما يطلبونه على الفور، وإنما في مرافقتهم ودعوتهم إلى المحبّة وتقديم أنفسهم. بهذه الطريقة، من خلال الخير الذي يمكنهم تقديمه للآخرين، سيكتشفون ينابيع المياه الحيّة الخاصة بهم، والكنز الفريد والثمين الذي هم عليه حقًا".
وفي كلماته الأخيرة، أعرب البابا عن أمله في أن تتقدم الكنيسة في المساعدة في عملية الشفاء للشعوب الأصليّة في كندا، مؤكدًا كم هي ثمينة هذه الشعوب بالنسبة له وللكنيسة. وقال: "ليساعدنا الرّب على المضي قدمًا في مسيرة الشفاء، نحو مستقبل أكثر صحة وتجددًا. أعتقد أن هذه هي أيضًا رغبة جداتكم وأجدادكم. ليباركنا أجداد يسوع، القديسان يواكيم وحنّة، في مسيرتنا".