موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٣١ مارس / آذار ٢٠٢٣
الفاتيكان: ’عقيدة الاكتشاف‘ لم تكن أبدًا جزءًا تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة الرسميّ

أبونا :

 

صدر عن دائرة الثقافة والتربيّة ودائرة خدمة التنمية البشريّة المتكاملة، في الفاتيكان، الخميس، بيانًا، أشار فيه إلى أنّه بفضل الحوار مع الشعوب الأصليّة، "اكتسبت الكنيسة وعيًا أكبر بمعاناتهم، في الماضي والحاضر، بسبب مصادرة أراضيهم... وكذلك سياسات الاستيعاب القسري، التي روجت لها السلطات الحكوميّة في ذلك الوقت، والمقصود منها القضاء على ثقافاتهم الأصليّة".

 

وشدّد البيان المشترك الصادر عن الدائرتين الفاتيكانيتين على أنّ "عقيدة الاكتشاف"، وهي النظريّة التي ساعدت في تبرير مصادرة المستعمرين لأراضي السكان الأصليين من أصحابها الشرعيين، هي "ليست جزءًا من تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة". كما أكدت على أنّ االمراسيم البابويّة التي منحت مثل هذه الحقوق للحكام المستعمرين لم تكن أبدًا جزءًا من السلطة التعليمية للكنيسة الكاثوليكيّة.

 

ويأتي هذا البيان المهم بعد ثمانية أشهر على "زيارة التوبة" التي قام بها البابا فرنسيس إلى كندا.

 

وتؤكد الوثيقة الفاتيكانيّة على رفض الكنيسة الكاثوليكيّة للعقلية الاستعماريّة، وتقول: "على مدار التاريخ، أدان البابوات أعمال العنف والقمع والظلم الاجتماعي والعبوديّة، بما في ذلك تلك المرتكبة ضد الشعوب الأصلية". وتشير أيضًا إلى الأمثلة العديدة للأساقفة والكهنة والراهبات والراهبان والمؤمنين العلمانيين الذين ضحّوا بحياتهم دفاعًا عن كرامة تلك الشعوب". وفي الوقت عينه، تقرّ بأنّ "العديد من المسيحيين قد ارتكبوا أعمال شرّ ضد الشعوب الأصليّة، والتي طلب البابوات مؤخرًا الصفح عنها في العديد من المناسبات".

 

عقيدة الاكتشاف

 

وفيما يتعلق بما يُسمى "عقيدة الاكتشاف"، أوضح البيان الفاتيكاني المشترك بأنّ "المفهوم القانوني لـ’الاكتشاف‘ قد كان موضوعًا جدليًّا  للنقاش من قبل القوى الاستعماريّة منذ القرن السادس عشر وما بعده، وقد وجد تعبيرًا خاصًا في فقه المحاكم في القرن التاسع عشر في العديد من البلدان، والتي منح فيها اكتشاف المستوطنين للأراضي حقًا استئثاريًا في القضاء، إما عن طريق الشراء أو الغزو، على ملكيّة تلك الأراضي أو الاستيلاء عليها من الشعوب الأصليّة".

 

وبحسب بعض العلماء، فإنّ هذه ’العقيدة‘ قد وجدت أساسها، يضيف البيان، في العديد من المراسيم البابويّة، وتحديدًا في مرسوم نيكولاس الخامس (1452)، ومرسوم الإسكندر السادس (1493). بحيث أذنت هذه الوثائق الصادرة عن بابوين اثنين للملوك البرتغاليين والإسبانيين بالاستيلاء على الممتلكات في الأراضي المستعمرة عن طريق إخضاع السكان الأصليين.

وقال: إنّ "البحث التاريخي يشير بوضوح أنّ المراسيم البابويّة هذه، المكتوبة في فترة تاريخيّة محدّدة ومرتبطة بقضايا سياسيّة، لم يتم اعتبارها أبدًا تغييرًا عن الإيمان الكاثوليكي". ومع ذلك، "تقرّ الكنيسة أن المرسومين البابويين لم يعكسا بشكلٍ كاف المساواة في الكرامة والحقوق للشعوب الأصليّة". كما أنّه "تمّ التلاعب بمضامين هذه الوثائق لأغراضٍ سياسيّة من قبل القوى الاستعماريّة المتنافسة من أجل تبرير الأعمال غير الأخلاقيّة ضد الشعوب الأصليّة التي تم تنفيذها، وفي بعض الأحيان، دون معارضة من قبل السلطات الكنسيّة". لذلك، تؤكد الدائرتان الفاتيكانيتان، على "الاعتراف بهذه الأخطاء، والإقرار بالآثار الرهيبة لسياسات الاستيعاب، والألم الذي يعاني منه السكان الأصليون، وطلب الصفح".

 

ويقتبس البيان كلمات البابا فرنسيس: "لا يمكن أبدًا للجماعة المسيحيّة أن تسمح لنفسها بأن تصاب بالفكرة القائلة بأنّ ثقافة ما أعلى من غيرها، أو أنه من المشروع استخدام طرق لإجبار الآخرين". ويمضي البيان ليقول: "بعبارات لا لبس فيها، يؤكد التعليم الرسميّ للكنيسة على الاحترام الواجب لكل إنسان"، وتخلص إلى القول بأنّ "الكنيسة الكاثوليكية تنبذ بالتالي تلك المفاهيم التي لا تعترف بحقوق الإنسان المتأصلة للشعوب الأصليّة، بما في ذلك ما أصبح يُعرف باسم ’عقيدة الاكتشاف‘ السياسيّة".

تصريحات متعددة ومتكررة

 

ويشير البيان الفاتيكاني المشترك إلى التصريحات "المتعدّدة والمتكررة" للكنيسة والبابوات لصالح حقوق الشعوب الأصليّة، بدءًا من وثيقة البابا بولس الثالث (1537)، والتي أعلنت رسميًّا أنّ الشعوب الأصليّة "لا يجوز بأي حال من الأحوال حرمانها من حريتها أو الاستيلاء على ممتلكاتها، حتى لو كانت خارج الإيمان المسيحيّ؛ وأنه يمكنها وينبغي لها، بحريّة وشرعيّة، التمتّع بحريتها وحيازة ممتلكاتها؛ وينبغي ألا تكون مستعبدة بأي شكل من الأشكال؛ إذا حدث العكس، فسيكون ذلك باطل وليس له أي تأثير".

 

وفي الختام، أشار البيان إلى أنه في الآونة الأخيرة، "أدى تضامن الكنيسة مع الشعوب الأصليّة إلى دعم الكرسي الرسولي القوي للمبادئ الواردة في إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصليّة". ويضيف إن "تنفيذ هذه المبادئ من شأنه أن يُحسّن الظروف المعيشيّة ويساعد على حماية حقوق الشعوب الأصليّة، وكذلك تيسّير تنميتها بطريقة تحترم هويتها ولغتها وثقافتها".