موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة إلى بطاركة الشرق الكاثوليك، منح فيها بركته الرسوليّة إلى الذين سيشاركون في قداس "يوم السلام للشرق" وتكريسه للعائلة المقدسة، وإلى كل الّذين سيتابعونه عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وذلك يوم الأحد المقبل الموافق 27 حزيران 2021.
وفيما يلي النص الكامل للرسالة:
أصحاب الغبطة بطاركة الشرق، إخوتي الأعزاء في المسيح؛ قبلتُ بسرور الدعوة التي وجهتموها إليّ لأن أنضم إليكم في هذا اليوم الخاص، الذي فيه يحتفل كلّ واحد منكم بالقداس الإلهيّ مع مؤمنيه للابتهال إلى الله ولطلب نعمة السلام في الشرق الأوسط وتكريسه للعائلة المقدسة.
منذ بداية حبريتي، حاولت أن أكون قريبًا منكم في آلامكم ومعاناتكم، أولاً لمّا ذهبت حاجًا إلى الأرض المقدسة، ثم إلى مصر، والإمارات العربيّة المتحدة، وأخيرًا قبل بضعة أشهر إلى العراق. ثمّ لمّا دعوت الكنيسة كلها إلى الصلاة والتضامن الفعليّ من أجل سوريا ولبنان، اللتين امتحنتهما الحرب وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. وأتذكر جيدًا لقاء 7 تموز 2017 في باري. وأشكركم لأنكم بلقائكم اليوم تُعدّون القلوب لدعوة الأوّل من تموز المقبل في الفاتيكان، مع جميع رؤساء كنائس بلد الأرز.
العائلة المقدسة، يسوع ويوسف ومريم، التي اخترتموها لتكريس الشرق الأوسط لها، تمثّل جيدًا هويتكم ورسالتكم. لقد حفظت أولاً السرّ وهو أنّ ابن الله صار جسدًا، وتكوّنت حول يسوع ومن أجله. مريم العذراء أعطتنا يسوع، بقولها "نَعم" لبشارة الملاك لها في الناصرة، ويوسف قبله، وقد كان في أثناء النوم أيضًا يصغي إلى صوت الله، ولما استيقظ من نومه، كان مستعدًا أن يتمّم مشيئة الله. يسوع هو سرّ التواضع والتجرّد، كما ظهر في ولادته في بيت لحم، حيث اعترف به الصغار والبعيدون، لكن هدّده أصحاب السلطان في الأرض، وكان تعلقهم بالسلطة أقوى من أن يروا ويندهشوا أمام تتميم وعد الله. فقام يوسف ومريم، وتوجها إلى مصر، ليحافظا على الكلمة المتجسّد، وجمعا بين تواضع الولادة في بيت لحم وفقر الناس الذين يُجبرون على الهجرة. وبهذه الطريقة، ظلّا مخلصين لدعوتهما، واستبقا على غير علم منهما، مصير الإقصاء والاضطهاد الذين كان نصيب يسوع لمّا بلغ. إلا أنّ هذا المصير نفسه سيكشف عن جواب الآب في صباح يوم القيامة.
التكريس للعائلة المقدّسة يدعو أيضًا كل واحد منكم، أفرادًا وجماعات، إلى أن تعيدوا اكتشاف دعوتكم أن تكونوا مسيحيين في الشرق الأوسط: ليس فقط بأن تطالبوا بالاعتراف العادل لحقوقكم كمواطنين أصليين في تلك الأراضي الحبيبة، بل أيضًا بأن تعيشوا رسالتكم، رسالة حرّاس وشهود للأصول الرسوليّة الأولى. خلال رحلتي إلى العراق، استخدمت في مناسبتين صورة البساط، التي تعرف أن تنسجها الأيدي الماهرة لرجال ونساء الشرق الأوسط، فتصنع أشكالاً هندسيّة دقيقة وصورًا ثمينة، وهي ثمرة تشابك العديد من الخيوط التي تصبح تحفة فنيّة لأنها معًا جنبًا إلى جنب. إن نجح العنف والحسد والانقسام في نزع خيط واحد من تلك الخيوط، يصبح الكلّ جريحًا ومشوّهًا. في تلك اللحظة، لا يمكن للمشاريع والاتفاقيات البشريّة أن تفعل شيئًا يُذكر إن لم نثق بقدرة الله الشافيّة. لا تحاولوا أن ترووا عطشكم من ينابيع الكراهيّة السّامة، بل دعوا أخاديد حقول قلوبكم ترتوي من ندى الروح، كما فعل القديسون العظماء في تقاليدكم المختلفة، القبطيّة والمارونيّة والملكيّة والسريانيّة والأرمنيّة والكلدانيّة واللاتينيّة.
كم من الحضارات والسلطات نشأت وازدهرت ثم سقطت، مع أعمالهم الرائعة وفتوحاتهم على الأرض: كل شيء مضى. أمّا كلمة الله، بدءًا من أبينا إبراهيم، فقد استمرّت وبقيت مصباحًا أنار وما زال ينير خطواتنا.
قال الرب يسوع القائم من بين الأموات لتلاميذه الذين كانوا ما زالوا خائفين في العليّة بعد الفصح: سلامي أترك لكم، سلامي أعطيكم. وأنا أيضًا أشكركم على شهادتكم ومثابرتكم في الإيمان، وأدعوكم أن تعيشوا نبوءة الأخوّة الإنسانيّة التي كانت محور لقاءاتي في أبوظبي والنجف، وكذلك في رسالتي البابويّة العامّة "كلنا أخوة" Fratelli Tutti.
كونوا حقًا ملحًا لأرضكم، وأعطوا طعمًا ومعنىً للحياة الاجتماعيّة. واسعوا في المساهمة في بناء الخير العام، وفقًا لمبادىء تعليم الكنيسة الاجتماعيّ، وهو في أمسّ الحاجة إلى أن يُعرف، كما تمّ الإشارة إلى ذلك في الإرشاد الرسوليّ بعد سينودس "الكنيسة في الشرق الأوسط"، وكما أردتم أن تذكروا ذلك بإحياء الذكرى الثلاثين بعد المائة للرسالة البابويّة العامة "في الشؤون الجديدة" Rerum Novarum.
أرسل من كلّ قلبي بركتي الرسوليّة إلى كلّ الذين شاركوا في هذا الاحتفال، وإلى كلّ الذين سيتابعونه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأطلب منكم أن تصلوا من أجلي.