موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٣ يوليو / تموز ٢٠٢٢
البابا فرنسيس يحتفل بقداس الأحد مع الجماعة الكونغوليّة المقيمة في روما

فاتيكان نيوز :

 

ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح الأحد القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس مع الجماعة الكونغوليّة المقيمة في العاصمة الإيطاليّة روما، حيث طلب من المؤمنين الانضمام للصلاة من أجل السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطيّة الجريحة والمستغلة، كما والنابضة بالحياة.

 

وللمناسبة ألقى قداسته عظة قال فيها: إنّ كلمة الله التي سمعناها تملأنا بالفرح. لماذا أيها الإخوة والأخوات؟ لأن، وكما يقول يسوع في الإنجيل، " مَلَكوتَ اللهِ قَدِ اقتَرَب". إنه قريب: لم نبلغه بعد، لأنّه خفيٌّ جزئيًا، ولكنه قريب منا. وقرب الله بيسوع، قرب الله هذا الذي هو يسوع، هو مصدر فرحنا: نحن محبوبون ولسنا أبدًا وحدنا. لكن الفرح الذي يولد من قرب الله، إذ يعطينا السلام، هو لا يتركنا بسلام. بل يولِّد فينا نقطة تحول: يملؤنا بالدهشة ويفاجئنا ويغيِّر الحياة. هذا ما يحدث للتلاميذ في الإنجيل: لكي يعُلنوا قرب الله، ذهبوا بعيدًا في رسالة. لأن الذي يقبل يسوع يشعر أن عليه أن يقتدي به، وأن يفعل مثل ذاك الذي ترك السماء لكي يخدمنا على الأرض، ويخرج من ذاته. لذلك، إذا سألنا أنفسنا ما هي مهمتنا في العالم، وما يجب علينا أن نفعله ككنيسة في التاريخ، يأتي جواب الإنجيل واضحًا: الرسالة.

 

تابع: كمسيحيين، لا يمكننا أن نكتفي بأن نعيش على هامش الحياة، آخذين بعين الاعتبار فرصنا وما يناسبنا، ونحيا كل يوم بيومه. لا، نحن مرسلين ليسوع، جميعنا. ولكن يمكنك أن تقول: "لا أعرف كيف أفعل ذلك، أنا لست قادرًا!". يذهلنا الإنجيل مرّة أخرى، ويظهر لنا الرب الذي يرسل التلاميذ دون أن ينتظر إلى أن يكونوا مستعدين ومدربين جيدًا: لم يكونوا معه منذ فترة طويلة، ولكنه أرسلهم. وحتى الطريقة التي أرسلهم بها مليئة بالمفاجآت أيضًا. وبالتالي نجد ثلاث مفاجآت إرساليّة حفظها يسوع لتلاميذه ولكل فرد منا.

 

أضاف: المفاجأة الأولى: المعدات. لمواجهة رسالة في أماكن غير معروفة، من الضروري أن نأخذ معنا عدة أشياء، وبالطبع تلك الأساسية. أما يسوع فلا يقول ما يجب أخذه، وإنما ما لا يجب أخذه: "لا تَحمِلوا كيسَ دَراهِم، وَلا مِزوَدًا وَلا حِذاءً". لا شيء فعليًّا: لا أمتعة ولا ضمانات ولا مساعدة. غالبًا ما نعتقد أن مبادراتنا الكنسية لا تعمل بشكل صحيح لأننا نفتقر إلى الهيكليات والمال والوسائل، ولكن هذا الأمر ليس صحيحًا. ويأتي النفي من يسوع نفسه. أيها الإخوة والأخوات لا نثقنَّ في الغنى ولا نخافنَّ من فقرنا المادي والبشري. كلما كنا أحرارًا وبسيطين، وصغارًا ومتواضعين، كلما وجّه الروح القدس الرسالة وجعلنا روادًا لعظائمه. إنَّ المعدات الأساسية بالنسبة للمسيح، هي الآخر: الأخ. يقول الإنجيل: "أَرسَلَهُمُ اثنَينِ اثنَين". لا وحدنا، ولا بشكل مُستقِلّ، وإنما دائمًا مع الأخ بجانبنا. أبدًا بدون الأخ، لأنه لا توجد رسالة بدون شركة. لا يوجد إعلان يعمل جيّدًا بدون العناية بالآخرين. لذلك يمكننا أن نسأل أنفسنا: كمسيحي، هل أفكر أكثر في ما ينقصني لكي أعيش بشكل جيد، أو في الاقتراب من الإخوة والاعتناء بهم؟

 

تابع: نصل إلى المفاجأة الثانية للرسالة: الرسالة. من المنطقي أن نفكّر أنه لكي يستعدّوا للإعلان، يجب على التلاميذ أن يتعلموا ما يجب عليهم أن يقولوه، وأن يدرسوا المحتويات بدقة، وأن يُعدُّوا خطابات مقنعة وواضحة. لكنَّ يسوع سلِّمهم عبارتين صغيرتين فقط. الأولى تبدو غير ضروريّة، لأنها تحية: "أَيَّ بَيتٍ دَخَلتُم، فَقولوا أَوَّلًا: أَلسَّلامُ عَلى هَذا البَيت". أي أن الرب يأمرنا بأن نعرِّف عن أنفسنا في أي مكان كسفراء سلام. وهذه هي العلامة المميزة: المسيحي هو حامل سلام، لأن المسيح هو السلام. ومن هذا يعرف العالم أننا تلاميذه. أما، إذا نشرنا النميمة والشك، فإننا نخلق الانقسامات، ونعيق الشركة، ونضع انتمائنا قبل كل شيء، ولا نتصرف باسم يسوع. إنَّ الذين يثيرون الحقد، ويحرضون على الكراهية، ويتعدَّونَ على الآخرين، لا يعملون من أجل يسوع، ولا يحملون سلامه. لنصلِّ اليوم، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، من أجل السلام والمصالحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية الجريحة والمستغَلَّة. نتّحد مع القداديس التي يتمُّ الاحتفال بها في البلاد على هذه النية ونصلي لكي يكون المسيحيون شهود سلام، قادرين على تخطّي أي شعور كراهية وانتقام، وتجربة أن المصالحة غير ممكنة، وأي ارتباط غير سليم بالجماعة والذي يؤدي إلى احتقار الآخرين. أيها الأخ وأيتها الأخت، إنَّ السلام يبدأ منا؛ مني ومنكَ ومن قلب كل واحد منا. إذا عشتَ سلامه، سيصل يسوع وستتغيّر عائلتك ومجتمعك. يتغيرون أولاً إذا لم يكن قلبك في حالة حرب، وإذا لم يكُن مسلّحًا بالاستياء والغضب، وغير منقسم، مزدوج وكاذب. وبالتالي علينا أن نضع السلام والنظام في قلوبنا، وننزع فتيل الجشع، ونطفئ الحقد والاستياء، ونهرب من الفساد، والغش والدهاء، لأنه من هنا يبدأ السلام. نحن نريد دائمًا أن نلتقي بأشخاص وديعين وطيبين ومسالمين، بدءًا من أقاربنا وجيراننا. لكنَّ يسوع يقول: "إحمل أنتَ السلام إلى بيتك، وأبدأ بتكريم زوجتك ومحبتها من كلِّ قلبكَ، وباحترام أبنائك والمسنين والجيران والاعتناء بهم. عِش بسلام، وأشعل السلام، وسيسكن السلام في بيتك وفي كنيستك وفي بلدك".

 

أضاف: بعد تحية السلام، يتحوّل كل ما تبقى من الرسالة الموكلة إلى التلاميذ إلى الكلمات القليلة التي بدأنا بها والتي كررها يسوع مرتين: "لقَدِ اقتَرَبَ مِنكُم مَلَكوتُ الله […] إنَّ مَلَكوتَ اللهِ قَدِ اقتَرَب". وبالتالي علينا أن نعلن قرب الله، هذا هو الأمر الجوهري. إن الرجاء والارتداد يأتيان من هنا: من الإيمان بأن الله قريب منا ويسهر علينا: إنه أب الجميع، الذي يريدنا جميعًا إخوة وأخوات. إذا عشنا تحت هذه النظرة، فلن يكون العالم بعد الآن ساحة معركة، وإنما حديقة سلام؛ لن يكون التاريخ سباقًا لكي نصِّل في المرتبة الأولى وإنما رحلة حج مشتركة. هذا كلّه – لنتذكّر ذلك جيدًا - لا يتطلب خطابات عظيمة، وإنما القليل من الكلمات والكثير من الشهادة. لذلك يمكننا أن نسأل أنفسنا: هل يرى الشخص الذي يقابلني فيَّ شاهدًا لسلام الله وقربه أو شخصًا قلقًا وغاضبًا وغير متسامح وعدواني؟ هل أُظهر يسوع للآخرين أم أخفيه؟ بعد المعدات والرسالة، نصل إلى المفاجأة الثالثة للرسالة والتي تتعلق بأسلوبنا. إنَّ يسوع يطلب من أتباعه أن يذهبوا إلى العالم "كَالحُملانِ بَينَ الذِّئاب". لكنَّ الإدراك العام للعالم يقول العكس: أُفرض نفسك، تفوَّق! أما المسيح فيريدنا حملانًا لا ذئاب. هذا لا يعني أن تكون ساذجًا، بل أن تمقت كل غريزة سيادة وقمع وجشع وتملُّك. إنَّ الذي يعيش كحمل لا يهاجم، وليس شرهًا: يكون في القطيع، مع الآخرين، ويجد الأمان في راعيه، وليس في القوة أو الغطرسة أو في جشع المال والخيور الذي يسبب الكثير من الضرر أيضًا لجمهورية الكونغو الديموقراطيّة. إنَّ تلميذ يسوع يرفض العنف ولا يؤذي أحداً ويحب الجميع. وإن بدا له هذا الأمر خاسرًا، هو ينظر إلى راعيه يسوع، حمل الله الذي غلب العالم هكذا على الصليب. وأنا - لنسأل أنفسنا مرة أخرى – هل أحيا كحمل، مثلَ يسوع، أو كذئب، كما يعلمنا روح العالم، ذلك الروح الذي يحمل إلى الحرب؟ ليساعدنا الرب لنكون مرسلين اليوم، يذهبون بصحبة الأخ والأخت؛ حاملين على شفاههم سلام الله وقربه، وفي قلوبهم وداعة وصلاح يسوع، الحَمَل الذي يحمِل خطايا العالم.