موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
البابا بندكتس السادس عشر يصافح الأب بشير بدر، خلال الزيارة البابوية إلى الأردن، أيار 2019
بعد أيام قليلة على انتهاء حج البابا الفخري بندكتس السادس عشر على هذه الأرض، لا يزال كثيرون (كثيرون جدًا) يتحدّثون ويكتبون عن شخصية بندكتس السادس عشر وحبريته المميّزتين. ومهما اختلفت الآراء والمواقف الشخصية منه، فإن موقفًا موضوعيًا نزيهًا منه، يجعلنا نقرّ بأنه بوفاة بندكتس، قد صعد أحد أعظم الباباوات في التاريخ إلى السماء. ويدعم هذا الإعتقاد سيرة حياة أمينة للدعوة التي إنتدب إليها والحس الإيماني الكبير لدى الشعب الذي لا يزال يتقاطر بالآلاف لوداعه وهو مسجّى في كنيسة القديس بطرس.
تعلمنا الحكمة الكتابية "إن الإنسان يُعرَف عند موته" (سير 28: 11). وفي الواقع، تشير السيرة الذاتية إلى عظمة شخصية جوزيف راتزينغر - بندكتس السادس عشر في مختلف مراحلها وفصولها إلى أنه كان من بين أبطال حياة الكنيسة بلا منازع في القرنين العشرين والحادي والعشرين. ولد في بافاريا عام 1927 ورُسم كاهنًا في عام 1951، بين عامي 1957 و1977 قام جوزيف راتزينغر بتدريس اللاهوت الأساسي والعقائدي في بعض الجامعات الألمانية المرموقة (ميونيخ وفريسينج، بون، مونستر، توبنغن، ريغنسبورغ). بين 1962 و1965 شارك في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني كمستشار وخبير. في عام 1972 أسس المجلة الكاثوليكية الدولية “Communio”. في عام 1977 عينه البابا بولس السادس رئيس أساقفة ميونيخ وفريسينج، ثم أقامه كاردينالًا. في عام 1981، عينه البابا يوحنا بولس الثاني عميدًا لمجمع العقيدة والإيمان، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 2005، عندما تم انتخابه حبرًا أعظم، واختار اسم بندكتس السادس عشر. في 11 شباط/فبراير 2013 أعلن تخلّيه عن خدمته البابوية كأسقف روما، متخذًا لقب البابا الفخري وتقاعد في دير "أم الكنيسة" داخل الفاتيكان، حتى يوم انتقاله في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2022.
في هذه المقالة، سأتوقف عند بعض المحاور المهمة في شخصية وخدمة البابا الراحل:
إذا كنا مجمعين على أن عظمة أو مكانة رجل الكنيسة – الراعي تقاس بمقدار التفاني غير المشروط والأمانة في الخدمة التي تم أنتدابه إليها أو تم تسليمها إليه، فإن البابا الراحل قد أعطى أكمل وأجمل شهادة على الأمانة والإيمان المطلقين بما عُهد إليه من مسؤوليات وواجبات كنسية بكل الجدية والتفاني والمحبة والتواضع. وإن كلماته الأولى، التي تحدث بها من شرفة كاتدرائية القديس بطرس بعد لحظات وجيزة من انتخابه، في 19 نيسان 2005، تجعلنا ندرك سر هذا الرجل وعمق محبته للرب ولكنسيته التي خدمها عمره الطويل.
ففي ذلك اليوم، قدّم البابا الجديد بندكتس تصوّرًا لخدمته البطرسية في الألفية الثالثة بقوله أنه "عامل بسيط ومتواضع في كرم الرب". ومع معرفتنا بأن هذا العامل الجديد – البسيط هو العالِم العملاق اللاهوتي الرفيع، وخبير المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، وأسقف ميونخ السابق، وعميد مجمع العقيدة والإيمان، فإن راتسنغر - خليفة القديس بطرس الجديد، كان لديه اليقين المتواضع من عدم دعوته إلى أي شيء آخر غير العيش الأمين للخدمة التي عهدت إليه كرأس منظور للكنيسة الجامعة.
بعد تعيينه أسقفًا، تبنّى تعبيرًا من رسالة القديس يوحنا شعارًا لخدمته الأسقفية: "Cooperatores veritatis" أي "معاونون للحق" (3 يو 1: 8). لذلك، تحلى دائمًا بشجاعة كبيرة، حتى على حساب عدم الشعبية. وفي قلب إنتاجه اللاهوتي الضخم (16 مجلدًا) وتعليمه الفكري النافذ - ما يجعله أحد أكثر اللاهوتيين علمًا بين الذين شغلوا كرسي بطرس - نجد البحث الذي لا يقهر عن الحقيقة، والذي يكشف عنه بالكامل اللقاء بالمسيح، الحقيقة الحية (يو 14: 6)، التي بحث عنها ووجدها. يقول في إحدى عظاته:
"لا يمكن لأحد أن يمتلك الحقيقة. إن الحقيقة هي التي تمتلكنا، إنها شيء حي! نحن لا نمتلكها بل ندركها. فقط إذا سمحنا لأنفسنا أن نسترشد بالحقيقة ونتحرك بها، فإننا نبقى فيها. فقط إذا كنا معها وفيها، حجاجًا للحقيقة، فهي عندئذٍ، فينا ولنا". (العظة، 2-9-2012).
قاوم فرض "ديكتاتورية النسبيّة" والعديد من الإيديولجيات المعاصرة التي تشكّل تحدّيًا مركزيًا للإيمان في الوقت الحاضر، والتي تتعارض مع تأكيد حقيقة دائمة وصالحة للجميع، ودعانا إلى عيش "الصداقة مع المسيح، الذي يفتح لنا كل ما هو جيد ويعطينا معيار التمييز بين الصواب والخطأ، وبين الخداع والحقيقة" (عظة قداس بداية خدمته البطرسيّة). وكذلك قدّم المفهوم الجوهري للمسيحيّة التي تقوم على حدث لقاء المسيح الذي يفتح الباب للوصول إلى الحقيقة ويدشّن حياة جديدة. وتردد افتتاحية الرسالة البابوية: الله محبة Deus caritas estهذه القناعة البندكتية: "إن أساس أنْ يَكُونَ المرءُ مسيحيًا لا يأتي نتيجةَ خيار أخلاقي أَو فكرة سامية، بل كنتيجة للقاء بحدثِ، بشخص، بمن يُعطي الحياة أفقاً جديداً واتّجاهاً حاسماً"!
إنّ التوق إلى الحقيقة هو عصب التحقيق اللاهوتي الكامل لجوزيف راتزينغر - بندكتس السادس عشر، الذي يتمحور حول نقطة جوهرية تتلخص في البحث عن أسباب الإيمان بإله يسوع المسيح، وفقًا لتوجيهات الرسول بطرس "وكونوا دائِمًا مُستَعِدِّينَ لأَن تَرُدُّوا على مَن يَطلُبُ مِنكم دَليلَ ما أَنتم عليه من الرّجاء" (1 بط 3: 15). فقد كتب عام 2004 في مقدمة إعادة إصدار كتابه "إله الإيمان وإله الفلاسفة" عام 2004 قائلاً: "إن الخيط الرئيسي في تفكيري، موجود في التأمل في المشكلة المتعلقة بالعلاقة بين الإيمان وإله الفلاسفة". وبهذا المعنى، فإن الخطاب الشهير الذي ألقاه في جامعة ريغنسبورغ لا يُنسى، حيث تتبع بندكتس السادس عشر طريق الحوار بين العالمين العلماني والديني، وهو أمر ملح للغاية في مجتمع اليوم التعددي، الذي تسكنه موضوعات ذات وجهات نظر مختلفة ومتضاربة في بعض الأحيان.
وفي مواجهة انتشار الإيمان بعيدًا عن العقل يؤدي ذلك إلى العنف كما يحدث في بعض الأصوليات الدينية، قال البابا إن "عدم التصرف بالعقل يتعارض مع طبيعة الله". في الوقت نفسه، في مواجهة انتشار العقل بعيدًا الإيمان، والذي يَحول دون الانفتاح على ما هو متسام وما ورائي، وتأثير ذلك على الحياة الاجتماعيّة، كما يحدث في العلمانية التي تتغلغل في قطاعات اجتماعية واسعة وأجهزة سياسية غربية، فقد دعانا البابا إلى تجاوز "التحديد الذاتي الحديث للعقل" إلى أبعد من الحدود المنهجية للعقلانية التقنية-العلمية، دون رفض المقتنيات الحديثة، ولكن بالعمل على "توسيع مفهومنا للعقل واستخدامه" دون تقييد أو تحديد بمبدأ "ما يمكن التحقق منه في التجربة" فقط، وذلك لنعيد للعقل اتساعه".
الإيمان بالكلمة المتجسِّد (يو 1: 14)، الذي فيه كان كل شيء وبه قوام كل شي وفيه وإليه يجتمع كل شيء (أف 1، قول 1)، قاد البابا اللاهوتي إلى استكشاف الحقيقة والشهادة لها. وإنعكس ذلك في التفكير الواضح او المتأصل في موضوع الخلق والتطور، الهادف إلى تعزيز الحوار مع عالم العلم؛ وكذلك في شغفه بالموسيقى والفن والأدب، ما أغنى العديد من كتاباته، كل ذلك إيمانًا منه بأن "طريق الجمال - via pulchritudinis" يشكل الطريق الرئيسي لرفع الروح الإنسانية إلى الله، مصدر الجمال؛ إضافة إلى حوار صريح ومحترم مع المؤسسات السياسية، على أساس افتراض أن المجال السياسي لم يتشكل ثيوقراطيًا ولكنه مؤسَّس أخلاقيًا.
ولأنه يرى بأن السياسة هي المجال الذي يتم فيه تنظيم العلاقات الاجتماعية بحيث تُعاش بعدالة، نادى بأن للسلطة الدينية الحق، بل من واجبها بالفعل الحوار مع السلطة السياسية على أساس الأخلاق من أجل حماية كرامة الإنسان والسعي لتحقيق الخير أو الصالح العام. في هذا الإطار توضع الدعوات المتعددة التي أطلقها بهدف تعزيز حماية الحقوق الأساسية للفرد (الحياة، والحرية السياسيّة والحرية الدينيّة) وحقوق المؤسسات وحماية العلاقات الاجتماعية الأساسية (الزواج والأسرة).
من الضروري الإشارة إلى القوة التي دافع بها عن تعليم الكنيسة في "حماية الحياة في جميع مراحلها، من اللحظة الأولى للحمل إلى الموت الطبيعي" (عدم الإجهاض ورفض القتل الرحيم). وجهوده لتعزيز "البنية الطبيعية للأسرة"، دون تردد، "كاتحاد بين الرجل والمرأة على أساس الزواج" (لا لاتحادات المثليين).
لم يستشهد أحد بعبارة راتزينغر التي أيّد فيها "حق الوالدين في تعليم أطفالهم"، ضد أي شكل من أشكال التلقين العقائدي للدولة، وشبه الحكومي، ونظرية الجندر وما شابه ذلك. أخيرًا ، استمرار النضال الشرس لسلفه يوحنا بولس الراحل في الدفاع عن الأسرة "من محاولات جعلها معادلة قانونيًا لأشكال مختلفة جذريًا من الاتحاد والتي، في الواقع، تضر بها وتساهم في زعزعة استقرارها" (لا للإتحادات المدنية). كان واضحًا في أنه على الكنيسة أن تحاول إرشاد الحداثة، لا أن تتحملها. "الأشكال المختلفة لفسخ الزواج اليوم، مثل الزيجات الحرة والزواج التجريبي، وحتى الزواج الزائف بين أشخاص من نفس الجنس، هي تعبيرات عن الحرية الفوضوية، والتي تُنقل خطأً على أنها تحرّر حقيقي للإنسان".
لذلك أطلق عليه بعضهم لقب "مهندس ايمان". لقد كان "مهندسًا إيمانيًا" جادًا وذكيًا عمل على طول مجرى الماء الحي الذي لا ينضب - يقوي الضفاف ويملأ الخزانات، وينظم التدفق الخارج ويضبط المصدات. ولكنه لم يقم مطلقًا بإقامة حواجز أو تحويل مسار ذلك التيار الكنسي القادر وحده على إخماد عطش البشرية المنهكة، الذي كانت بداياته عند بحيرة طبرية، التي دعا يسوع على شواطئها بطرس الأول، وكان هو خليفته الـ264.
وذات يوم سئل الكاردينال كريستوف شونبورن، رئيس أساقفة فيينا، عن عالم اللاهوت الذي سيذكره التاريخ من بين أعظم أساقفة القرن العشرين. فأجاب: «راتزينغر» (لم يكن البابا بعد). وعندما سئل لماذا؟ فأجاب: «إنه أبسط، لا يحتاج إلى مفسرين». عندما كنت أستمع إليه وهو يتحدث وأقرأ نصوصه، كنت أفكر بعظماء معلمي الكنيسة. فمن لاون أخذ نقاء الحقيقة، ومن غريغوريوس الحكمة الرعوية ومن أغسطينوس قوة الفكر.
كان بندكتس السادس عشر، بلا شك، رجل الكلمة تفكيراً وكتابةً وإعلاناً. وإن كان منتقدوه قد خلقوا من حوله أسطورة بأنه رجل يصعب فهمه ويشكل عقبة أمام كنيسة كاثوليكية "تقدمية" أو مسيحية "أكثر ليبرالية" منفتحة على العالم وعلى الحداثة، إلا أنه كان عكس ذلك تمامًا. فكتاباته كانت، بالتأكيد، عميقة جدًا، ولكنها متاحة في الواقع لكل قارئ. ولقد كنت شخصياً، أسعد بسماعه ثم أعود بعد ذلك لقراءة عظاته أو خطاباته ومقابلاته لاكتشف المزيد، ففيها دوما ما هو جديد أو متجدد. وكنت أشعر بأنه كان يتحاشى أن يقول أو يعظ شيئاً مألوفا أو مكرّراً. وستظل رسائله البابوية الثلاث حول المحبة والرجاء والإيمان البوابة الكبرى التي تُدخل القارئ إلى كل أعماله. ولقد قال هو في محادثاته الأخيرة، بأن عمله لا ينتمي إلى الماضي، ولكنه سيساعد على نمو الجديد وتجلياته في كنيسة تنتظر أشكالًا جديدة تعبر عن اقتران الأمانة للتقليد مع القرب من الإنسان المعاصر.
منذ انتخابه حتى تنازله عن خدمته البابوية، عاش خدمته البطرسية كخدمة للكنيسة لا كسلطة شخصية. فأعلن من كرسي بطرس من لديه وحده "كلام الحياة" واستمر في إسماع صوته كلاهوتي، ولكن مع التمييز الدقيق والضروري، كما أوضح هو نفسه في مجلد يسوع الناصري، المنشور في عام 2007. وأولئك الذين تعاونوا وعملوا معه أدركوا بشكل قاطع وبطريقة مؤثرة، أنهم تعاونوا في عمل المسيح وعملوا لملكوت الله.
ولأنه كان العامِل – والعالِم اللامع العارف بالعالَم والواعي للزمن الذي دُعي فيه لقيادة شعب الله ورعايته، فقد فطِن جيداً للعصرالذي تعيش فيه الكنيسة في هذه الألفية الثالثة ولمختلف التيارات الفكرية والثقافية والفلسفية والأيديولوجية. بالنسبة له ، كانت الكنيسة سرًا يعيش وينمو في الزمن، ولا يمكن فهمها بعيداً عن التحليل المتعاطف والنقدي للحياة البشرية. لذلك كان ذاك العامل والعالِم الذي لا يكل من أجل تعميق وتوضيح وإثراء وتحديث وديعة الإيمان المتجذّر في كلمة الله التي يتدفق منها نهر النعمة والحق اللذين أتيا عن يد يسوع المسيح.
وكما كان الحال مع المرأة السامرية عند بئر سيخار، جعلنا البابا بندكتس بتعليمه نستقي "من نبع الماء الذي يتفجّر حياة أبدية" (يو 4 ، 14). لم يسقنا ماءً ملوثاً معبأً لملاءمة الأذواق غير الحقيقية للحداثة، بل قدم لنا الماء النقي الذي يجدّد باستمرار جسد المسيح - الكنيسة ويغسل قذارة الزمن المعاصر. وقد فعل ذلك بتواضع ومحبة للجميع، مبتسمًا مع القديسين الذين يسبحون الله وباكياً مع الخطاة الذين يعودون ويمارسون الرحمة قبل التبشير بها.
كان بندكتس يتمتع بحساسية إنسانية كبيرة. وإلى جانب خجله الطبيعي، فقد قدم نفسه دائمًا على أنه رجل وديع يتوق إلى فهم منطلقات تفكير الآخر. ولكنه كرجل صلاة وصمت ودرس، ظل في حوار مع الله باحثا عن إمكانية بلوغ السر وإظهاره في تجسد الكلمة - الله. لم يستخدم الكنيسة لتأكيد أفكاره أو نشرها، بل لخدمة الكنيسة والإنسان. " هذا الإنسان بالذات هو طريق الكنيسة الذي تكاد ترتكز عليه كلّ الطرق التي يجب أن تسلكها الكنيسة، لأنّ السيّد المسيح افتدى الإنسان، كلّ إنسان، دون استثناء، ولأنّ السيّد المسيح قد انضّم نوعاً ما إلى كلّ إنسان، دونما استثناء، ولو لم يعرف الإنسان ذلك". ( البابا يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة فادي الإنسان (14
في كل محطات حياته، ساهم البابا بندكتس بطريقة قاطعة وذات مغزى في تعزيز إيمان حي وذكي ودوّن نفسه في التقليد الحي للكنيسة. علّم بطريقة مثيرة للإعجاب حول السيد المسيح والسيدة العذراء والرسل والتلاميذ الأوائل وعن آباء ومعلمي الكنيسة، الذين شعر بأنهم رفقاء الطريق ومعلمون في الإيمان. ها هو يفرح بهم ومعهم الآن، بالتأكيد، في سماء مزدحمة بالملائكة والقديسين، في حضرة الله المحبة (1 يو 4، 16).
طيلة حياته، أكد جوزيف راتزينغر- بندكس السادس عشر باستمرار على أولوية الله. عرّف نفسه بأنه "عامل بسيط ومتواضع في كرم الرب"، فخدم كنيسة المسيح بأمانة وجدية وذكاء. ولكنه فعل ذلك بروح الصلاة والصمت والألم أيضًا، وبخاصة في السنوات الأخيرة التي أمضاها في الإختلاء في دير "أم الكنيسة" في الفاتيكان. وعندما تراجعت قواه الجسدية تدريجيًا، استمر في "حمل الصليب" على كتفيه الضعيفتين بشكل متزايد، حتى انطبع في جسده، ووحّده بالمسيح المعذب والمائت من أجل خير كل واحد منا ومن أجل الكنيسة التي أحبها حتى بذل الذات. إننا ممتنون للرب لأنه أعطانا البابا بندكتس. والآن نعهده إلى الكاهن الأعظم وراعي الرعاة ليسمع منه: "أحسنتَ أيها الخادمُ الصالحُ الأمين، أدخل نعيمَ سيّدك" (متى 25، 23).