موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
روبرت بريفوست والبابا بندكتس السادس عشر
"قبل أن نكون مؤمنين، نحن مدعوّون إلى أن نكون بشرًا".
هذا أحد المقاطع المركزيّة من التعليم المسيحي الذي قدّمه البابا لاون الرابع عشر، خلال المقابلة العامّة الأسبوعيّة في الفاتيكان، والتي تمّت يوم الأربعاء 28 أيار 2025. وفي تأمله حول مثل السامري الصالح، أوضح البابا أنّ "الحياة تتكوّن من لقاءات، وفي هذه اللقاءات نَظهر كما نحن. نجد أنفسنا أمام الآخر، أمام ضعفه وهشاشته، ويمكننا أن نختار: إمّا أن نهتمّ به أو أن نتجاهله".
هذا تمامًا ما حدث في مثل يسوع: فقد تجاهل الكاهن واللاوي -اللذان كان لهما امتياز دخول الهيكل المقدّس في أورشليم- الرجل الجريح الذي تعرّض للاعتداء على يد اللصوص، والمُلقى على جانب الطريق. بينما هو ذاك السامري، الذي يعتبره اليهود نجسًا، هو من أظهر الشفقة، واعتنى بالرجل الذي كانت التقاليد الدينيّة تعتبره بمثابة "عدو".
وفي تعاليمه، أشار البابا لاون الرابع عشر إلى "أنّ ممارسة العبادة لا تجعلنا رحماء بصورة آلية. فالشّفقة، قبل أن تكون سلوكًا دينيًّا، هي موقف إنسانيّ!". إنّ إيماننا وممارستنا وخدمتنا لله لا يضمن لنا الرحمة، ولا يسمح لنا أيضًا أن "نُجرح" بالواقع، أو باللقاءات أو بالظروف الصعبة التي نواجهها.
قبل أن نكون مؤمنين، نحن مدعوّون إلى أن نكون بشرًا.
هذه هي الإنسانيّة تحديدًا، هذه هي الرحمة، هي التي تُصبح فرصة للشهادة بالإنجيل.
كانت هذه الفكرة قد أُشير إليها بوضوح نبوي عام 1959 من قبل الأب جوزيف راتزنيغر، أستاذ اللاهوت الأساسي في جامعة بون آنذاك. ففي أطروحته "الوثنيون الجدد والكنيسة، وأثناء تأمله في الظروف المتغيّرة للمجتمعات العلمانيّة، كتب ما يلي عن الشهادة الإرساليّة: "يجب على المسيحي أن يكون شحصًا فرحًا وسط الآخرين، وجارًا حيث لا يستطيع أن يكون أخًا مسيحيًّا".
بمعنى آخر، شخصًا يصبح "جارًا" مثل السامري الصالح.
وأضاف البابا المستقبلي بندكتس السادس عشر: "أعتقد أيضًا أنّه في علاقاته مع جاره غير المؤمن، يجب أن يكون قبل كل شيء إنسانًا بالتحديد، وليس شخصًا يزعج بمحاولات الاهتداء المستمرة والوعظ... لا ينبغي أن يكون واعظًا، بل يجب أن يكون إنسانًا بكل صراحة وبساطة". لقد فهم الأب راتزنيغر بوضوح كيف تولد الكنيسة وتتجدّد: بفضل شهادة رجال ونساء يجذبهم المسيح، القادرين على الشهادة طوال حياتهم، من خلال الشفقة، وفي كونهم رفاقًا في مسيرة كل من يلتقون بهم.
ومن ناحيّة ثانيّة، كان البابا المستقبلي بندكتس السادس عشر يُدرك تمام الإدراك الوهم المتمثّل في محاولة وقف انحدار المسيحيّة الغربيّة من خلال الانغلاق على الذات، وجعل الإيمان هويّة لجماعة ما، أو أيديولوجيّة لدعم مشاريع سياسيّة معينة.
وهذا، في نهاية المطاف، هو مفتاح الرسالة - قوة إعلان البشارة وسط التبدلات التي يشهدها عصرنا: الناس مدعوون في المقام الأوّل إلى أن يكونوا إنسانيين ومنفتحين ومتعاطفين. الرجال والنساء المسيحيون الذين لا يشعرون بأنّهم متفوقون على الآخرين، مدركين أنّ "البعدين"، والذين نعتبرهم "غير طاهرين"، هم في كثير من الأحيان من يشهدون للرحمة، تمامًا مثل السامري الصالح في الإنجيل.