موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
نقلاً عن "الرأي" الأردنية
دلني صديقي الإيطالي المهتم بالشؤون العربية والإسلامية , وما يكتب عن العرب والمسلمين في إيطاليا إلى كتاب سمو الأمير الحسن بن طلال الصادر عام 2001 باللغة الإيطالية تحت عنوان (essere muslumano) أي أن تكون مسلماً. الكتاب عبارة عن حديث وحوار أجراه مع سموه الصحفي الإيطالي - الفرنسي المعروف Alain Elkann حيث يتضمن أجوبة الأمير الحسن بن طلال عن أسئلة الصحفي والتي تتمحور حول المعنى الشخصي والعام عندما يكون المرء مسلماً.
بدأ الحديث في تعريف الإنسان المسلم , ثم تحدث عن تعاليم الإسلام بلغة يفهمها الإنسان الغربي , وتحدث كذلك , عن تعاليم وأخلاق الإسلام وعن النبي محمد (ص) وعلاقته بموسى وعيسى عليهم السلام , وعن عدد المسلمين في العالم , وعن لفظ الجلالة «الله» وهو الاسم العربي للإله يستعملها على حد سواء عرب الديانات السماوية الثلاث , اليهود , والمسيحيون العرب , والمسلمون للتعبير عن الذات «الإلهية». ثم تحدث عن الحجاب وربط ذلك بالوقار والحشمة. وعن سؤال يقول: هناك عرب مسلمون وعرب مسيحيون.. ما هي نظرتهم إلى بعضهم البعض ؟ أجاب سموه: يتقاسم العرب.. مسلمون ومسيحيون اللغة , والتاريخ , والموروث الثقافي والحضاري , ويتميزون في ما بينهم في انتمائهم الديني فقط , وحمى الإسلام , ومنذ بداياته , غير المسلمين من أهل الذمة , ومنهم المسيحيون طبعاً , فعاش المسلمون والمسيحيون جنباً إلى جنب بحياة مشتركة في انسجام قل ما شابته نِزاعاتٍ لا تذكر تنتهي عن طريق التفاهم والحوار , ولو لم تكون الأمور على هذا المستوى لما تمكنت المسيحية أن تبقى قائمة في الأوساط العربية تمارس عباداتها وطقوسها بحرية تامة إلى يومنا هذا.
ثم أجاب سمو الأمير عن أسئلة تتعلق بالصيام ومغزاه , والتعليمات والمبادئ التي يجب أن يلتزم بها المسلم , وعن تعدد الزوجات , والطلاق. وعن هجرة المسلمين إلى أوروبا قال الأمير الحسن: «بدأنا نلاحظ أن الجيلين الثاني والثالث من أبناء هؤلاء المهاجرين أصبحوا يشكلون جسراً تواصلياً بين مختلف الثقافات في المجتمعات التي استقبلت آباءهم وَوُلدوا بين أحضانها , وهذا لا يعني أنهم مرتاحون كثيراً لظروفهم الحياتية والمعيشية فهم , عموماً , يعانون من التمييز العنصري والديني القائم حتى الآن في المجتمعات الأوروبية «. وعن الحريات والديمقراطية أضاف سموه: « قبل اكتشاف العالم الجديد بقرون عديدة , شكلت المجتمعات والحضارة الإسلامية المكان الآمن الذي عاش في رحابه الكثير ممن تعرضوا للاضطهاد الفكري والديني في بلادهم « ؛ وواصل سموه: « اعتقد أن المستقبل واعد وان كنا لا ننتظر قيام ديمقراطية على نحو ديمقراطية ويستمنستر في بريطانيا لأن الديمقراطية في المملكة المتحدة ضاربة في الأعماق ونحن نعيش في منطقتنا سيرورة تحول ديمقراطي واجتماعي مستمر وتدريجي «.
عن أحداث 11 أيلول 2001 أستشهد سموه بأقوال العديد من علماء وفقهاء الدين الإسلامي منهم عبد المجيد الخوئي الذي وصف هذه الهجمات بأنها « عمل وحشي وإجرامي بعيد كل البعد عن جميع القواعد الأخلاقية في العالم , وعن كل مبادئ الإنسانية «. ومنهم , كذلك, العلامة زكي بدوي الذي قال: « أن أحداث 11 أيلول 2011 تعتبر انتهاكاً للشريعة الإسلامية وأخلاقها , وخاصة أن الشريعة الإسلامية تُحرم قتل الأبرياء وإراقة الدماء «.
في فصل آخر من الكتاب طالب الأمير الحسن بمنظومة قيم عالمية وأخلاقية جديدة للتفاهم الإنساني , وطالب بتعريف جديد للإرهاب مقبول عالمياً ومتفق عليه لان « الحرب ضد الإرهاب « ما زالت هي ايضاً تفتقر إلى تعريف عقلاني مما يقود إلى مزيدٍ من البطش والعنف والقوة عندما تستخدم هذه ( الحروب ضد الإرهاب ) مُسوغات واليات الإرهاب نفسها «.
ثم تطرق سموه إلى واقع الإسلام والمسلمين المعاصر وعلاقة الإعلام برسم الصورة النمطية الخاطئة والمغايرة , والتي أصبحت إحد ثوابت العقلية الغربية المعاصرة للإسلام والمسلمين والتي أدت , في النهاية , إلى الخوف من الإسلام. وبهذا الصدد يقول الأمير الحسن: « لا يختلف ربط الإسلام بالإرهاب عن ربطه بالكنيسة الكاثوليكية لمل يجري في ايرلندا من اعمالٍ إرهابية «. وعن دور الإعلام بهذا الصدد يقول سموه: « الإعلام الغربي , بشكل عام ينحصر في اهتماماته بتضخيم ونقل ممارسات مجموعة قليلة من المتطرفين الإسلاميين , ومن أعمال العنف والتفجيرات الانتحارية الوحشية المنافية لتعاليم الإسلام الحقيقية ويتجاهل هذا الإعلام النماذج المُشرّفة للغالبية العظمى من المسلمين الملتزمين بتعاليم الإسلام الذي يجسد أخلاقيات التعايش السلمي , والاعتدال , والوسطية , والتسامح «. ويأسف الأمير الحسن انعدام اهتمام الإعلام الغربي بالإسلام الصحيح , والحوار بين الأديان , والتي تهدف إلى التعايش السلمي بين الأمم والشعوب , والتي لا تحظى بتغطية إعلامية كافية , ومن ثّمَ لا يصل خبرها , لا إلى الخاصة , ولا إلى العامة , ولذا تبقى نتائج تلك الجهود قاصرة , ولا تصل إلى الأهداف المتوخاة منها. ويدعو سموه إلى « تصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام , والتي رسم صورتها وملامحها بإتقان المتطرفون الإسلاميون , ورسّخَها في عقول وأذهان الشعوب الغربية وغيرهم , وسائل وأجهزة الإعلام الغربي عموماً «.
من الخصائص التي تميز هذا الكتاب , في اعتقادي , هو الأسلوب المنهجي والعقلاني الذي تحدث به سمو الأمير إلى الإنسان العادي كما يتحدث إلى المفكرين والدارسين والمهتمين في الدراسات الدينية بشكل عام , والإسلامية بشكل خاص , وكذلك , إلى القادة والسياسيين غير المسلمين وصناع القرار والرأي العام. من المؤسف أن أقول أن هذا الكتاب لم يؤخذ حقه في النشر والتوزيع , ومعروف لعدد قليل جداً من النخبة , ومن المنصفين والباحثين عن المعرفة الحقيقية , وغير المشوهة , والتي تسمي الأشياء دون مزايدة وإنقاص.
يتابع صاحب هذه السطور كل ما يكتب عن العرب والمسلمين في ايطاليا والفاتيكان منذ ربع قرن تقريبا ؛ فلم أجد , ودون مجاملة أو تحيز , كتابا يقدم خدمة ومعلومات بهذه الدقة وهذه الموضوعية إلى القارئ الايطالي المتخم بكتابات منحازة , ومتحاملة , وغير منصفة , ومعادية في كثيرٍ من الأحوال وضد كل ما هو عربي ومسلم ؛ من أمثال كتابات سيئة السمعة أوريانا فلاتشي , والمصري _ الايطالي المُتصهين كريستيانو علام , وطيب السمعة , إياه , أمين معلوف..
يكرر صاحب السمو الأمير الحسن بن طلال في أحاديثه وأقواله المتعددة أنّ: « كلام الأمير لا يعني بالضرورة أن يكون أمير الكلام « , وفي هذا الكتاب وجدت «أن تكون مسلماً» هو كتاب «أمير» في الدعوة إلى الإسلام الوسطي المستنير , والذي يشكل مع رسالة عمان , في اعتقادي , صورة الإسلام المشرق والحضاري. أتمنى أن يُقرن الكتاب ( بعد ترجمته إلى اللغات الحية ) مع الرسالة عن الحديث عن الإسلام الصحيح. شكرا جزيلاً سمو الأمير , وشكراً إلى صديقي الإيطالي الذي دلني إلى هذا الكتاب القيم.