موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٢ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢١
22 تشرين الثاني: القديسة سيسليا، البتول الشهيدة، شفيعة الموسيقيين

إعداد الأب وليم عبدالمسيح سعيد الفرنسيسكاني :

 

ولدت سيسليا في روما، في بداية القرن الثالث الميلادي. كانت تواظب منذ صغرها على قراءة الكتاب المقدس، وتعيش حسب تعاليم الرب ووصاياه. كما نذرت له بتوليتها. وكانت تعيش يومها في الصلاة والصوم. وكان والداها يحبانها محبة خاصة لأجل صفاتها الحميدة النبيلة وتواضعها، لذلك عرضا عليها الزواج من شاب وثني يدعى فاليريانوس، كان كريم الأصل وذو صفات حميدة وغني، وأعدا لأجل ذلك كل الأمور لتتميم زواجها.

 

عندما تيقنت سيسليا أنه قد دنا يوم عرسها ولم يبق إلا ثلاثة ايام، اختلت سيسليا إلى غرفتها لابسة المسوح، صائمة ومصلية قائلة: "يا ربي وإلهي يسوع المسيح، إنك قد علمت أنني قد قدمت لك نفسي وجسدي نذر البتولية لكى أكون لك بكليتي، فالآن يا ربي أسالك أن تحفظ ما قد استودعتك اياه . ولأنه لأمر سهل لديك يا إلهي أن تفعل بفاليريانوس ما قد صنعت بي نعمتك. فاجعله يا ربي أن يصير مسيحيًا، وأمل قلبه نحو محبة البتولية". وبينما هي تسأل ذلك بعمق وبكاء، غفت برهة رأت ملاكًا نورانيًا وعدها أنه سيحفظ بتوليتها، وأن فاليريانوس سوف يقتدي بها. وعند ذلك استفاقت سيسليا فرحة بذلك الوعد السماوي، فزال عنها كل حزن وهم.

 

ولما تم العرس واختلت سيسليا بفاليريانوس زوجها، التفتت إليه وقالت له: "آن لي سرًا عظيمًا لا أكاشف به غيرك، فاعلم أني مسيحية متعبدة منذ طفولتي لله، خالق السماء والأرض، وقد نذرت له بتوليتي، ولهذا أرسل لي ملاكًا من السماء واوصاه بحفظ طهارتي، وهو الآن واقف عن يميني، فإياك أن تغدر بعفتي، فيحل عليك انتقام الله". فقال لها فاليريانوس: "إن جعلتيني أعاين ذلك الملاك فاعلمي يقينًا أني سأكون لعفتك حارسًا أمينًا وأكون مسيحيًا". قالت له إنه ينبغي أن تقبل سر العماد المقدس لكي تعاين. فإن ارتضيت بكلامي هذا فاذهب إلى البابا أوربانوس فهو يعلمك ويعمدك وحينئذ تنظر حقيقة كلامي. وأخذت تحدثه عن يسوع المسيح الذي ترك عرش السماء وأخذ جسدًا مثلنا ليفدينا من قبضة الشيطان، ويعطينا الغلبة عليه وعلى قواته الشريرة. وفي النهاية يأخذنا معه لنعاين مجده ومجد السموات التي لا تفنى ولا تزول إلى الأبد.

 

وذهب فاليريانوس إلى البابا وهناك قبل سر المعمودية المقدسة بعدما قرأ قانون الإيمان. ونال اخيه تيبورسيوس أيضًا العماد على يد البابا أوربانوس. ومن هذا اليوم أخذ الأخوان يجولان في روما مبشرين باسم يسوع المسيح، ومثبتيـن المؤمنين بأقوال إنجيلية وبقدوة عظيم. شعر الحاكم الروماني في ذلك الوقت، واسمه ماكيوس، وعرف أنهما أصبحا مسيحيان فقبض عليهما. فلما لم يستطيع أن يجعلهم أن يجحدا إيمانهم، فقام بضربهما بقسوة عظيمة وأخذهما إلى السجن. وفي الصباح استحضر الجنود فاليريانوس وتيبورسيوس وقطعوا راسيهما.

 

ولما علمت سيسليا بموت زوجها وأن الحاكم قد عزم على اغتصاب أمواله، ففرقت الأموال في الحال على المساكين والفقراء مع كل ما لها من المال والمقتنيات. وهيأت نفسها للموت أيضًا. فأرسل الحاكم وأمسكها. وفيما هي ماضية مع الجنود باحتشام وسرور، توجعت قلوبهم عليها، وقالوا لها لماذا لا تجحدين ديانتك، فبدات تكلمهم عن السيد المسيح وتشرح لهم الكتب المقدسة. وفيما كانت تخاطب الجنود بهذا الكلام، كانت تصغي لها جموع كثيرة. وإذ فرغت من كلامها وقالت لهم: "أما تؤمنون بما أوردته لكم من قبل الرب؟". فهتف الحاضرون كلهم قائلين: "إننا نؤمن بالرب يسوع المسيح، وله معك نتعبد ونسجد. لأننا تحققنا أن الديانة التي تجعل الناس قديسين هي ديانة حقيقية مقدسة". فطلبت منهم سيسليا أن يذهبوا إلى البابا أوربانوس، وفعلاً ذهبوا إليه فعلمهم وعمدهم، وكان عددهم أربعمائة بين رجال ونساء، وأكثرهم نالوا إكليل الاستشهاد.

 

وفي الصباح، وقفت سيسليا أمام الحاكم وكان قد بلغه ما فعلته بالأمس، ولما تحاور معها ورأى إيمانها القوي، أمر بأن توضع في حمام تضرم فيه النار كأتون، وتترك فيه حتى تموت. فلم يمسها ضرر من شدة حرارة النار. فأرسل حينئذ جنديًا ليقطع رأسها. فضربها الجندي بالسيف ثلاث مرات، ولم يستطع أن يقطعها كليّة، لأن الشريعة الرومانية كانت تمنع الضرب بالسيف أكثر من ثلاث مرات. تركها هكذا ومضى. فأخذها المؤمنون وجمعوا دمها وحفظوه بإكرام، ورقدت في الرب يوم 22 تشرين الثاني سنة 230. وأمر البابا أوربانوس بدفن جسدها الطاهر مع اللفائف. فلتكن صلاتها معنا.