موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٤ يوليو / تموز ٢٠٢٢
ينبوع سعادتنا

أشخين ديمرجيان :

 

أمر الله الإنسان باتّباع الوصايا ينبوع سعادتنا في الدنيا والآخرة. لكن الله ترك للإنسان الحرية في التقيّد بالوصايا أو مخالفتها، لأنّه خلقه حرًّا. وجعل "الضمير" رقيبًا على تصرّف الإنسان. فإذا خالف إحدى الوصايا، قام الضمير بتوبيخه، ويقضي عليه بأنه أخطأ في تصرّفه، أي ارتكب خطيئة.

 

والخطيئة هي مخالفة نظام الخَلْق، أي عدم طاعة الله الذي وضع هذا النظام على شكل وصايا هي "الوصايا العشر"، لينسجم تركيب جسم الإنسان وروحه فيشعر بالسعادة. وبالتالي الخطيئة هي انتهاك لقانون الحياة والسعادة، واعتداء صارخ على وجوه النشاط البشري من روحي وعقلي وجسدي... لذلك تؤدّي الخطايا إلى اضطرابات عقلية أو عضوية أو اجتماعية يصعب علاجها على وجه العموم. ولهذا ينبغي على كلّ فرد منّا أن يكون قادراً على التمييز بين الخير والشر، والحلال والحرام... وإلاّ تكون العاقبة وخيمة، ويسبّب عدم الانصياع للوصايا إلى انحلال الأخلاق، وتتفشّى الفوضى في المجتمع، ومن ثمّ تنهار الأسوار الأخلاقيّة والدينيّة التي تحول بين الإنسان وبين الهمجية الحيوانية.

 

تأمر الوصايا العشر بتقوى الله وعبادته. لكن المجتمع الحاضر اختار السخرية من الأديان ومن ربّ السماء واتّخذ الإلحاد خياراً له. ويعني الإلحاد في العصر الحاضر إنكار وجود الخالق. تفرض "الوصايا" المحبة والرأفة والاتضاع، لكن الإنسان عاد إلى شريعة الغاب ولا يعرف إلاّ الظلم والجور والتعسّف والطغيان. مع أنّ "الوصايا" توصي بالمحبة والإخاء، تُفضّل بعض المجتمعات البغضة والاعتداء، فأصبح البشر، في بعض الأماكن، ذئاباً تنهش بعضها. في حين تُشدّد الوصايا على الإخلاص والأمانة والتعامل بصدق واستقامة، تأبى الغالبيّة إلاّ أن تتعامل بخبث ومكر ونصب واحتيال وغش وتزوير وسرقة. واستعاضت غالبيّة المجتمعات عن كرامة الزواج المقدّس بالحبّ المُتحرّر، والمساكنة اللاشرعيّة، وغيره كثير. ومع أنّ الله نهى عن القتل إلاّ في حالة الدفاع عن النفس، إلاّ أنّ معظم المجتمعات تُجيز الإجهاض، والقتل الرحيم للتخلّص ممّن لا أمل في حياتهم. تُحذّر الوصايا العشر من اتّباع الهوى، والخنوع للغرائز، وعالم اليوم يُفضّل تحليل كلّ محرّم، وإباحة كلّ محظور.

 

كلّ ما يأتيه إنسان العصر من أعمال ضدّ شرائع الله وسنن الطبيعة، يُذكّرنا بقول الربّ: "شعبي لم يسمع لي، ولم يُرِدْني. فأسلمتُهُم إلى شهوات قلوبهم، يسيرون على هواهم" (مزمور 80).

 

"وإذا القلوب استرسلتْ في غِيّها *** كانت بليّتُها على الأجسام". هذا ما يقوله أمير الشعراء أحمد شوقي للتدليل على نتائج التحلّل من شرائع الله: أمراض مستعصية على الطب، نفسية وجسدية، نبّه إليها روح القدّوس بقوله: "مَن خطىء أمام صانعه، فليقَع في يديّ الطبيب" (سير 38: 15). وفي نفس الوقت يحذّر روح القدّوس أولئك الذين يتباهون بأنّهم يعملون ما يشاؤون من غير اهتمام بوصايا أو خطايا، ومع ذلك يعيشون هانئين ويتمتّعون بالصحة: "لا تَقُلْ قد خطئتُ، فأيّ سوء أصابني. ولا تكُنْ بلا خوف حتى من قِبَل الخطيئة المغفورة، لتزيد خطيئة على خطيئة. ولا تردّد أنّ رحمته عظيمة فيغفر خطاياي. فإنّ عند الربّ الرحمة والغضب، وسُخطه يحلّ على الخطأة" (سير 5:5). وأكثر من ذلك: "وَجْهُ الربّ على صانعي الشرّ، ليمحو من الأرض ذكرهم" (مزمور33: 25).

 

يقول الدكتور الشهير بريل: "علماء النفس ليسوا إلاّ وعّاظًا من طراز جديد. فهم لا يحضّونكم على التديّن (أي الابتعاد عن الخطايا) خوفًا من عذاب الجحيم في الدار الآخرة. وإنّما يوصونكم بالتديّن، للتخلّص من الجحيم في هذه الحياة الدنيا: جحيم قرحة المعدة، والانهيار العصبي، والأمراض العقلية إلخ... إنّ المرء المتديّن حقًا، لا يعاني قط مرضًا نفسيًّا أو جسديًّا".

 

لا حاجة إلى كلّ هذه الأقوال، لقد سبق روح القدس جميع العلماء والأطباء، وحذّرنا من الابتعاد عن الله وشرائعه: "اتّقِ الربّ فتكون الصحة في عضلك، والريّ في عظامك" (أم 3: 7).