موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأحد، ٢٦ مارس / آذار ٢٠٢٣
هدايا تُعبّر عن الحب والحزن على قبور جنود في أوكرانيا
امرأة وطفل في مقبرة ليتشاكيف العسكرية في لفيف في غرب أوكرانيا في آذار 2023

امرأة وطفل في مقبرة ليتشاكيف العسكرية في لفيف في غرب أوكرانيا في آذار 2023

أ ف ب :

 

لا يخيّم الصمت المهيب على مقبرة لفيف العسكرية في أوكرانيا على غرار مقابر المدنيين، بل هي نابضة بالحياة ومزيّنة بدمى كالدببة المصنوعة من الفرو، وفيها سجائر وأكواب من القهوة... في تعبير عن الحب والحزن في آن.

 

يجلس فاليري بوشكو بجانب قبر ابنه فيكتور حاملاً سيجارة مشتعلة في كل يد، واحدة له والأخرى لابنه المتوفي الذي عُلّقت صورته على صليب مغروس في الأرض.

 

وقال الرجل الذي كست وجهه التجاعيد وغطى الشعر الأبيض رأسه "أدخن مع ابني. غالباً ما كنا في السابق نأخذ استراحة لندخّن سوياً. إنها عادة سيئة لكنها تريحني. أتحدث معه وأفكر".

 

وأضاف "يفعل عدد كبير من الناس ذلك. تأتي نساء أيضاً للتدخين مع أزواجهن أو أبنائهن" المدفونين في هذه المقبرة المخصصة لجنود قتلوا في الحرب مع روسيا.

 

تقع مقبرة ليتشاكيف العسكرية التاريخية في حي جنوب شرق لفيف، المدينة الكبيرة في غرب أوكرانيا على بعد حوالي 1000 كيلومتر من خط المواجهة. وتضم المقبرة آلاف المدافن التي تعود إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية.

 

 

"خسائر لا تُعوّض"

 

بعد بدء الغزو الروسي في شباط 2022 بوقت قصير، باشرت سلطات المدينة دفن الجنود الذين قتلوا على الجبهة، هناك. ويضم الموقع الملقب "ساحة آذار" حوالى 350 مقبرة حديثة ويشهد جنازات جديدة يومياً تقريبًا.

 

وأكد أوليغ بيدبسيتسكي المسؤول عن الملف في البلدية لوكالة فرانس برس أن الأرض استُخدمت في البداية العام الماضي لدفن العسكريين، لكن "سرعان ما امتلأت". وأضاف أنّ في البداية "اعتقد البعض أنّ الأمر سينتهي في غضون شهر أو شهرين أو ستة أشهر. لكن الحرب للأسف توسّعت".

 

وحالياً، تمتدّ الأعلام الوطنية الزرقاء والصفراء والأعلام القومية الحمراء والسوداء فوق قبور وضعت عليها باقات أزهار وشموع. ويوجد أيضًا أشياء أكثر غرابة: رسومات أطفال، وزجاجة بيرة، وكأس من الويسكي، ومجسّم طائرة، وكرة للعب الغولف.

 

وقال أوليغ (55 عامًا)، أثناء زيارته قبر صديق يحمل الاسم نفسه، قتل عن عمر 45 عاماً "هؤلاء الأشخاص ضحوا بحياتهم من أجلنا، لم يعيشوا حياتهم حتى النهاية، ولذلك يسعى أقاربهم إلى منحهم ما لم يتمكنوا من الحصول عليه في حياتهم". وأضاف بصوت متقطع "للأسف، لا يمكننا تغيير شيء. لن يحل آلاف الروس مكان أوليغ. إنها خسائر لا يمكن تعويضها".

 

ولم تكشف أوكرانيا عن عدد جنودها الذين قتلوا خلال الغزو، لكن يُقدّر الغربيون أنّ عدد الجنود القتلى والجرحى يتجاوز الـ 100 ألف.

 

 

"ما كانوا يحبّون"

 

ورأت أولغا الجالسة أمام قبر صهرها أنّ الهدايا الصغيرة "كل ما تبقى للأحباء، والرابط الوحيد" بالمفقودين. وأضافت والدموع في عينيها "إنه المكان الوحيد الذي يجمعهم بأبطالهم، والطريقة الوحيدة للشعور بوجودهم".

 

وأتى الجندي السابق في قوات المشاة فياتشيسلاف سابيلنيكوف لإضاءة شمعة أمام صورة صديق في عيد ميلاده. ويعاني هذا الجندي من إعاقة بعد تعرّضه لإصابة خطيرة، ولديه رفاق كثر يرقدون في هذا الموقع. وقال "نُظهر أننا نتذكر هؤلاء الأشخاص وإنجازاتهم"، بينما كانت تقام مراسم جنازة أخرى بالقرب منه.

 

ووقفت آنا ميخييفا (44 عاماً)، العاملة في المجال الاجتماعي، أمام قبر ابنها ميخايلو. كان يخدم في لواء المظليين رقم 80 وقُتل العام الماضي عن عمر 25 عامًا. وقالت إنها غالبًا ما تجلب له أغراض "يحبها": مشروبات غازية، حلويات، سجائر... وأضافت المرأة السمراء الممتلئة "إذا جئت في الصباح، أشتري القهوة لي وله".

 

ورأت أنّ هذه المقبرة "مختلفة" عن مواقع الدفن المدنية حيث تعود معظم القبور لكبار في السن "يجب عدم إزعاجهم". وقالت "أنا هنا بين أهلي. لا يوجد سوى شباب، كلهم بالنسبة لي أبنائي أو إخوتي. أتعرّف عليهم من خلال صورهم أو أسمائهم. عندما أصل أحييهم دائمًا: + مرحبًا يا شباب+. وأشكرهم دائمًا، دائماً".