موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في كل شهر، تفتح مجلة ساحة القديس بطرس -وهي المجلة الفاتيكانية التي أُطلقت في عهد البابا فرنسيس وتواصل صدورها في حبرية البابا لاون الرابع عشر- قناة هادئة وغير متوقعة بين حياة الناس العاديين وأسقف روما. ففي صفحاتها، تصل رسائل تتحدث عن التعب، والعمل، والوحدة، وعن الرغبة العميقة في الاستمرار بالإيمان بأن للخير مكانًا في هذا العالم.
في عددها الأخير، يلتقي القرّاء برسالة أنطونيو، وهو طبيب نفسي في الأربعين من عمره من مدينة باجاني، بالقرب من ساليرنو. نشأ مستلهمًا من إرث القديس ألفونسو دي ليغوري والقديس فرنسيس الأسيزي، ويعمل يوميًا مع مراهقين، وأهالٍ، وعائلات يرزحون تحت وطأة صعوبات متعدّدة.
يكتب أنطونيو لا بصفته منظّرًا، بل كشاهد منغمس في جراح عصره.
يصف شبّانًا سحقهم ضغط التوقعات، يخافون الفشل، ويتوقون بشدّة إلى أن يُرى وجودهم ويُعترف بهم. ويلاحظ كيف يتحوّل عيد الميلاد، بالنسبة لكثيرين، إلى نوع من التخدير المؤقت – تشتيت مؤقت للذهن بدلاً من أن يكون مصدر معنى. أما البالغون، فيمضون هم أيضًا مثقلين، يحاولون ترميم العلاقات بإيماءات تخفي غيابًا أكبر مما تعبّر عن حضور حقيقي.
وفي عمق هذا المشهد، يلمس أنطونيو ما يسميه «عطشًا لا ينضب إلى الله»، حتى لدى أولئك الذين يعلنون أنهم لا يؤمنون. وسؤاله إلى البابا لاون بسيط في صياغته، ملحّ في مضمونه: أين يمكن العثور على الرجاء الحقيقي في هذا الميلاد؟
يأتي جواب البابا بعيدًا عن الحنين للماضي أو الوعظ الأخلاقي. يبدأ حديثه بالشباب، مؤكدًا أنهم لا يحتاجون إلى رسائل أكثر صخبًا ولا إلى تسويق أفضل، بل إلى لقاء حيّ. فالمسيح، كما يكتب، يُكتشف من خلال حياة بسيطة، فرِحة، وذات مصداقية - ومن خلال علاقات تتّسم بالصبر، والحوار، والعناية الصادقة.
ومن هناك، ينتقل البابا إلى ظاهرة يعرفها أنطونيو جيدًا: ما يسميه البابا «تسوّق الدوبامين». ففي زمن الأعياد، قد يوهمنا الاستهلاك بالسعادة، فيما يزيد في العمق من الفراغ. ليست المشكلة في الهدايا بحد ذاتها، بل في الهدايا الفارغة من المعنى - المنفصلة عن الحقيقة والجمال والمحبة.
وبدلًا من ذلك، يقترح البابا بديلًا ملموسًا جدًا. فالميلاد، كما يقول، يمكن أن يصبح مناسبة لفتح بيوتنا. لا على نحو رمزي فحسب، بل فعليًا. أن ندعو عائلة تمرّ بضيق. أن نستقبل شخصًا يعيش وحيدًا. أن نوسّع المائدة لتشمل من يعانون ليس فقط فقرًا ماديًا، بل أيضًا وحدة تربوية وعاطفية. هنا، بحسب البابا، يستعيد عيد الميلاد قوّته. فميلاد يسوع يشير إلى التواضع، والقرب، والتضامن. وعندما تشكّل هذه القيم خياراتنا، يتوقف الإيمان عن كونه فكرة مجرّدة، ويغدو واقعًا مرئيًا من جديد.
ويضع البابا لاون هذه الدعوة ضمن رؤية أشمل للمجتمع. فيحذّر من اقتصاد يختزل الناس إلى مجرّد أرقام، ويؤكد أن كرامة الإنسان لا يمكن أن تُترك لمنطق السوق وحده. فالتربية، والضمير، والحوار تبقى مسارات أساسية نحو السلام - ولا سيما في عالم يُكافئ اللامبالاة في كثير من الأحيان.