موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٧ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٤
مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكيّة يوجّه رسالة إلى المؤمنين بمناسبة سنة اليوبيل

أبونا :

 

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ الْأَعِزَّاءُ فِي الْكَنِيسَةِ الَّتِي تَعِيشُ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وكأنها "مسافرة ونزيلة" (١ بُطْ ٢: ١١؛ عِبْ ١١: ١٣).

 

 لِيَكُنْ سَلَامُ الرَّبِّ مَعَكُمْ!

 

أَعْلَنَ الْبَابَا فَرَنْسِيسُ، وفقا لتَقْلِيد عريق، أن سَنَةُ ٢٠٢٥ هي سَنَةً مُقَدَّسَةً، سَنَةُ غُفْرَانٍ وَرَحْمَةٍ خَاصَّةٍ مِنَ اللَّهِ. وَفِي ٢٤ كَانُونَ الْأَوَّلِ افْتَتَحَ قداسته الْبَابَ الْمُقَدَّسَ فِي كنيسة الْقِدِّيسِ بُطْرُسَ فِي رُومَا، مُعْلِنًا بَدَايَةَ الْيُوبِيلِ.

 

وَنَحْنُ، رعاة الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، سَنَفْتَتِحُ الْيُوبِيلَ أَيْضًا فِي ٢٩ كَانُونَ الْأَوَّلِ، بِاحْتِفَالٍ رَسْمِيٍّ فِي بَازِيليكِا الْبَشَارَةِ فِي النَّاصِرَةِ، الْمَكَانِ الَّذِي فَتَحَتْ فِيهِ مَرْيَمُ الْعَذْرَاءُ قَلْبَهَا لِبَشَارَةِ الْمَلَاكِ وَاستقبلت في رَحِمِهَا ِابْن اللَّهِ لِيُصْبِحَ بَشَرًا بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ. بِهَذَه الرتبة، تُفْتَحُ أَبْوَابُ رَحْمَةِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِهِ فِي كُلٍّ مِنْ رُومَا وَالْقُدْسِ لِكُلِّ مَنْ يَسْعَى لِنَيْلِ غُفْرَانِ اللَّهِ.

 

 

الرَّجَاءَ لَا يُخَيِّبُ (رُوم ٥: ٥)

 

الْمَوْضُوعُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْبَابَا فَرَنْسِيسُ هُوَ: "حُجَّاجُ الرَّجَاءِ". بِالنِّسْبَةِ لَنَا، نحن كَاثُولِيكِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، الرَّجَاءَ حَاجَةٌ مَاسَّةٌ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ. وَقَدْ ذَكَّرَنَا الْأَبُ الْأَقْدَسُ فِي رِسَالَتِهِ الْخَاصَّةِ بِإِعْلَانِ سَنَةِ الْيُوبِيلِ أَنَّ "الرَّجَاءَ لَا يُخَيِّبُ".

 

الْفِعْلُ الْمُسْتَخْدَمُ مِنْ قِبَلِ الْقِدِّيسِ بُولُسَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الرَّجَاءَ الْمَسِيحِيَّ يَرْتَكِزُ عَلَى أَسَاسٍ مُتِينٍ: عَلَى اللَّهِ الَّذِي رَحَّبَ بِنَا وَبَرَّرَنَا، مُقَدِّمًا ابْنَهُ مِنْ أَجْلِنَا، وَأَفَاضَ حُبَّهُ فِي قُلُوبِنَا، كعَطِيَّةٍ مَجَّانِيَّةٍ غَيْرِ مُسْتَحَقَّةٍ، بِفَضْلِ عَطِيَّةِ الرُّوحِ الْقُدُس.

 

لِذَلِكَ، لَيْسَ رَجَاؤُنَا الْمَسِيحِيُّ مُجَرَّدَ أُمْنِيَةٍ غَامِضَةٍ لِمُسْتَقْبَلٍ أَفْضَلَ يَنْبُعُ مِنْ رُؤْيَةٍ مُتَفَائِلَةٍ لِلْحَيَاةِ، بَلْ هُوَ ثَمَرَةُ آلَامِ الْمَسِيحِ وَمَوْتِهِ وَقِيَامَتِهِ، وَعَطِيَّةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ الَّتِي قَدَّمَهَا لَنَا الْقَائِمُ مِنْ بَيْنِ الْأَمْوَاتِ. الرَّجَاءُ الَّذِي لَا يُخَيِّبُ يَنْبُعُ مِنَ الْقَبْرِ الْفَارِغِ، أَيْ مِنْ قِيَامَةِ يَسُوع.

 

 

آمَنَ راجِيًا على غَيرِ رَجاءٍ (روم 4: 18)

 

تَجِدُ جَماعَتُنا المَسيحِيَّةُ في الأَرضِ المُقَدَّسَةِ نَفسَها في وَضْعٍ يُشْبِهُ في كَثِيرٍ مِنَ النَّواحِي الوَضْعَ الَّذي كانَ عَلَيهِ إِبراهيمُ، الَّذي عاشَ تَجرِبَةَ فريدة مفادها أنه "آمَنَ راجِيًا على غَيرِ رَجاءٍ" (رو 4: 18)، أَوْ يشبه ما ذَكَرَهُ القِدِّيسُ بولُسُ عِندَما قالَ: " نَفتَخِرُ بِشَدائِدِنا نَفْسِها لِعِلمِنا أَنَّ الشِّدَّةَ تَلِدُ الثَّباتَ، والثَّباتَ يَلِدُ فَضيلَةَ الاختِبارِ وفَضيلَةَ الاختِبارِ تَلِدُ الرَّجاءَ" (روم 5: 3-4).

 

عَلى مَدى العُقودِ الأَخيرَةِ، وخاصَّةً في السَّنواتِ الماضِيَةِ، مَرَرْنا بِفَترَةٍ طَوِيلَةٍ مِنَ المِحن والضِّيقاتِ: مِن بينها عَدَمِ القُدرَةِ عَلى إِيجادِ حَلٍّ سِياسِيٍّ لِلقَضِيَّةِ الفِلَسطِينِيَّةِ، والجائِحَةِ الأخيرة والحُروبِ الَّتي أَضافَتْ إِلى الأَزَماتِ الاقتِصادِيَّةِ تَحَدِّياتٍ في العيش والتَّعايُشِ. كَما نَشهَدُ زِيادَةً في وتيرة العُنفِ المُستَمِرِّ والمُتزايِدِ في المُجتَمَعِ العَرَبِيِّ الإِسرائِيلِيِّ والفِلَسطِينِيِّ، مِمَّا يَدفَعُ العَدِيدَ مِن مُؤمِنِينا إِلى الإِحباطِ وحتَّى إِلى مُغادَرَةِ أَرضِ آبائِهِم.

 

إِنْ نَظَرْنا إِلى هذِهِ الفَترَةِ مِنَ المِحن والضِّيقاتِ مِن مَنظورٍ بَشَرِيٍّ بَحتٍ، فَإِنَّ هذا يُقودُنا حَتْمًا إِلى اليَأْسِ، وإِلى رُؤيَةٍ مُتشائِمَةٍ لِلحاضِرِ والمُستَقبَلِ، بَلْ إِلى فُقدانِ الإِيمانِ نَفسِهِ وبِالتّالِي التَّخلِّي عَن الكَنِيسَةِ. وفي هذا السِّياقِ تَحديدًا تَدعُوْنا كَلِمَةُ اللهِ وسَنَةُ اليوبِيلِ إِلى إِحياءِ الرَّجاء.

 

في الحقيقة، تُقَدِّمُ لَنا التَّقالِيدُ الكِتابِيَّةُ سَنَةَ اليوبِيلِ كَسَنَةٍ خاصَّةٍ يُطلَقُ فيها سَراحُ الأَسرَى، وتُلغَى الدُّيونُ، ويَختَبِرُ النّاسُ المُصالَحَةَ مَعَ اللهِ ومَعَ القَريبِ، ويَعيشونَ بِسَلامٍ مَعَ الجَميعِ، وتُعزَّزُ العَدالَةُ، وتُعادُ المُمتَلَكاتُ إِلى أَصحابِها، بَلْ وتَستَريحُ الأَرضُ أَيضًا، ويَتِمُّ تَجديدُ الرّوحانِيَّةِ الفَردِيَّةِ والجَماعِيَّةِ (لا 25؛ اش 61: 1-2). أَشارَ يَسوعُ في بَدَايَةِ رِسالَتِهِ العَلَنِيَّةِ، وفي النّاصِرَةِ تَحديدًا، إلى إِنَّ اليوبِيلَ الحَقيقيَّ يَتَحَقَّقُ "اليَومَ" حَيثُ نَلتَقِي مَعَهُ ونَستَمِعُ إِلى كَلِمَتِهِ (لو 4: 18-19).

 

 

عَلامَاتُ الرَّجَاءِ فِي الأَرضِ المُقَدَّسَة

 

يُذَكِّرُنا البابَا فِرِنسِيس فِي رِسالَتِهِ الخاصَّةِ بِإِعْلَانِ اليُوبِيلِ بِمَدَى أَهَمِّيَّةِ التَّعَرُّفِ عَلَى عَلاَمَاتِ الرَّجَاءِ المَوْجُودَةِ حَتَّى فِي فَتَرَاتٍ تَارِيخِيَّةٍ وَظُرُوفِ حَيَاةٍ صَعْبَة.

 

أَوَّلُ وَأَهَمُّ عَلامَةٍ هِيَ الشَّوْقُ العَميقُ إِلَى السَّلاَمِ. فَفِي مُجتَمَعَاتِنا الَّتِي تُعَانِي مِن صِرَاعَاتٍ مُسْتَمِرَّةٍ وَآفَةِ الحُرُوبِ، أصبحَ الشَّوْقُ لِلسَّلاَمِ أَكْثَرَ عُمُقًا. وَمِنْ أَبْرَزِ عَلاَمَاتِ الرَّجَاءِ أَنْ المَسِيحِيِّينَ فِي الجَماعَةِ المَسِيحِيَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي غَزَّةَ لَمْ يَسْتَسْلِمُوا لِمَنطِقِ الكَرَاهِيَّةِ وَالعِدَاءِ، بَلْ عَلَى العَكْسِ، عَزَّزُوا قُلُوبَهُمْ بِالرَّحْمَةِ وَالمُصَالَحَةِ، خَاصَّةً مِنْ خِلالِ الصَّلَاةِ، مَدْعُومِينَ بِإِيمَانٍ ثَابِتٍ شَهِدُوا بِهِ أَمَامَ العَالَمِ كُلِّه.

 

وَمِنْ عَلاَمَاتِ الرَّجَاءِ أَنْ العَدِيدَ مِنَ الأَزْوَاجِ الشّابة فِي مُجْتَمَعَاتِنَا اخْتَارُوا، رَغْمَ التَّحَدِّيَاتِ الاقْتِصَادِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ، الزواج وتَأْسِيسَ عَائِلَاتٍ وَالبَقَاءَ فِي هَذِهِ الأَرْض.

 

كَمَا يُعدُّ عَلاَمَةً بَارِزَةً عَلَى الرَّجَاءِ التَّرْحِيبُ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالمُهَجَّرِينَ وَاللَّاجِئِينَ، مِنْ خِلالِ إِظْهَارِ الوَجْهِ الإِنْسَانِيّ والودُود للجَماَعَةِ المَسِيحِيَّةِ، القَادِرَةِ عَلَى تَجَاوُزِ حدُودِ القَوْمِيَّةِ الدِّينِيَّةِ وَالانْفِتَاحِ عَلَى الروح الكَاثُولِيكِيَّةِ أي على عقلية شمولية وَعَالَمِيَّة.

 

يُعْتَبَرُ أَيْضًا عَلاَمَةَ رَجَاءِ شَهَادَةُ الكَهَنَةِ وَالرَّهْبَانِ الَّذِينَ شَارَكُوا فِي مَعَانَاةِ النَّاسِ، وَبَقَوْا إِلَى جَانِبِ شَعْبِهِم.

 

وَمِنَ العَلاَمَاتِ أَيْضًا التَّضَامُنُ الَّذِي أَظْهَرَتْهُ الكَنِيسَةُ الجَامِعَةُ تَجَاهَ كَنِيسَةِ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ، مِنْ خِلالِ الصَّلَاةِ وَالأَعْمَالِ الخَيْرِيَّة.

 

عَلَى نَفْسِ المَنوالِ، تَجَلَّتْ لَنَا عَلامَةٌ بَارِزَةٌ لِلرَّجَاءِ فِي قُرْبِ البابَا فِرِنسِيس العَمِيقِ مِنَ الشُّعُوبِ المُتَأَثِّرَةِ بِالصِّرَاعَاتِ، وَخَاصَّةً مِنْ مَسِيحِيِّي الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ. فَقَدْ عَبَّرَ عَنْ ذَٰلِكَ مِنْ خِلالِ العَدِيدِ مِنَ الإِيمَاءاتِ الواضحة، مِنهَا رِسَالَتُهُ المُؤَثِّرَةُ فِي 27 آذار 2024 وسطَ أُسْبُوعِ الآلَامِ، وَأَيْضًا تِلكَ الَّتِي أَرْسَلَهَا فِي 7 تِشْرِينِ الأوَّلِ المَاضِي، حَيْثُ شَبَّهَ الكَاثُولِيكَ فِي الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ بِالبَذْرَةِ الَّتِي، رَغْمَ كَوْنِهَا مَدْفُونَةً فِي الأَرْضِ وَمُغْمُورَةً بِالظَّلَامِ، تَظَلُّ تَحْتَفِظُ بخصوبتِها.

 

لَقَدْ تعزّز الرجاءُ أَيْضًا مِنْ خِلالِ العَدِيدِ مِنَ المُنَاشَدَاتِ الَّتِي وَجَّهَها الكُرْسِيُّ الرَّسُولِيُّ، إِلَى جَانِبِ مجالس المُؤْتَمَرَاتِ الأَسْقَفِيَّةِ وَالكَنَائِسِ الشَّقِيقَةِ، الَّتِي دَعَتْ بِاسْتِمْرَارٍ إِلَى وَقْفِ الحُرُوبِ وَإِيجَادِ حُلُولٍ سِلْمِيَّةٍ لِلنِّزَاعَاتِ عَبْرَ المُفَاوَضَاتِ وَالسُّبُلِ الدِّبْلُومَاسِيَّة.

 

نُؤْمِنُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا، إِذَا نَظَرَ إِلَى وَاقِعِنَا الحَالِيِّ مِنْ خِلالِ نَظْرَةٍ إِيمَانِيَّةٍ، هو قَادِرٌ عَلَى اِكْتِشَافِ الخَيْرِ الَّذِي يُظْهِرُهُ اللهُ فِي تَارِيخِنَا، وَبِالتَّالِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَعَرَّفَ عَلَى العَدِيد مِنْ عَلاَمَاتِ الرَّجَاءِ فِي سِياقِنَا الكَنِيسِيِّ وَالشَّهَادَةِ لَهَا. وَمِنْ هُنَا، نَدْعُو كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ إِلَى تَبَنِّي هَذِهِ النَّظْرَةِ الإِيمَانِيَّةِ وَاِكْتِشَافِ هَذِهِ العَلاَمَاتِ دَاخِلَ عَائِلَاتِكُمْ وَمُجْتَمَعَاتِكُمْ، وَفِي بِيئَاتِ حَيَاتِكُمْ وَالمُحِيطِ الَّذِي تَعِيشُونَ فِيه.

 

 

حَجُّ الرَّجَاء

 

لِعَيْشِ خبرة اليُوبِيلِ بِكَامِلِ عُمْقِهَا، والتي تقوم على المُصَالحةِ وَالغُفْرَانِ والرَّحْمَةِ الَّتِي تَشْفِينَا مِنْ خَطَايَانَا (غُفْرَانِ الذُّنُوبِ) وَمِنْ عَوَاقِبِهَا الأَبَدِيَّةِ (غُفْرَانِ العُقُوبَاتِ)، نوصي مَسِيحِيّي الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ بِالحَجِّ إِلَى ثَلاثَةِ أَمَاكِنَ مُقَدَّسَةٍ تَشَكِّلُ مَصْدَرًا ْأَمَلٍ لِمَسِيحِيِّي العَالَمِ: النَّاصِرَةُ (بَازِيلِيكَا البَشَارَةِ)، بَيْت لَحْمِ (كَنِيسَةُ المَهْدِ)، وَالْقُدْسُ (كَنِيسَةُ القِيَامَةِ). خِلالَ هذا العَامِ نُحَاوِلُ أَنْ نحجَّ إِلَى هَذِهِ الأَمَاكِنِ، كَجَمَاعَات، كَعَائِلَات، وَأَيْضًا كأفراد.

 

فِي النَّاصِرَةِ، حيث يَتَحَقَّقُ أَمَلُنَا فِي المَسِيحِ الَّذِي تَجَسَّدُ فِي رَحِمِ مَرْيَمَ، تُعَلِّمُنَا مَرْيَمُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّ لَا شَيْءَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللهِ، وَأَنْ نَفْتَحَ قُلُوبَنَا لِخُصُوبَةِ الرُّوحِ القُدُسِ، لِيَمتَكّنَ اللهُ من أن يعمل فِي تَارِيخِنَا وفي حَيَاتِنَا، مُحَوِّلًا إِيَّاها تَارِيخَ خَلاَص.

 

فِي بَيْتِ لَحْمِ، يَتَّخِذُ الأَمَلُ وَجْهَ طِفْلٍ صَغِيرٍ، يُذَكِّرَنَا بِأَنَّ اللهَ لَا يُخَلِّصُ بِالْقُوَّةِ العَسْكَرِيَّةِ أَوْ بِالْأَسْلِحَةِ، بَلْ بِقُوَّةِ طِفْلٍ أَعْزَلٍ، يَسْكُنُ فِيهِ مَلْءُ اللاَّهُوتِ. هُوَ عَمَانُوئِيلُ، "اللهُ مَعَنَا"، وَهُوَ يَسُوعُ، "اللهُ الَّذِي يُخَلِّصُنَا بِمُشَارَكَتِهِ حَيَاتَنَا".

 

فِي القُدْسِ، عَلَى الجَلْجَثَةِ، نَكْتَشِفُ الأَمَلَ الَّذِي يَنْبَعُ مِنْ شُعُورِنَا بِأَنَّنَا مَحْبُوبُونَ بِلا شُرُوطٍ، مَحَبَّةً مَجَّانِيَّةً وَغَيْرِ مَحْدُودَةٍ، لِأَنَّنَا نَرَى فِي الصَّلِيبِ أَنَّ ابْنَ اللهِ يُحِبُّنَا حُبًّا شَخْصِيًّا وَيَبْذُلُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِنَا. هُنَاكَ نُدْرِكُ أَنَّ المَصَالَحَةَ بَيْنَ الشُّعُوبِ مُمْكِنَةٌ، لِأَنَّ يَسُوعَ حَطَّمَ جِدَارَ العَدَاوَةِ بِمَوْتِهِ مِنْ أَجْلِنَا عَلَى الصَّلِيبِ. وَأَخِيرًا، مِنْ خِلَالِ القَبْرِ الفَارِغِ، نَخْتَبِرُ أَعْمَقَ مَعَانِي أَمَلِنَا، وَهُوَ وَعْدُ القَائِمِ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ بِأَنْ يَصْحَبَنَا مَعَهُ إِلَى مَجْدِ الآبِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا نَخْتَبِرُ المَوْتَ لِنَعِيشَ مَعَ اللهِ الوَاحِدِ وَالثَّالُوثِ فِي شَركة المَحَبَّةِ وَالحَيَاةِ الأَبَدِيَّة.

 

يُمْكِنُنَا أَيْضًا أَنْ نُضِيفَ إلى ما سبق مَكَانَ مَعْمُودِيَّةِ يَسُوعَ فِي الأُرْدُنِّ، حَيْثُ سَتُكَرَّسُ الكَنِيسَةُ اللَّاتِينِيَّةُ الجَدِيدَةُ فِي العَاشِرِ مِنْ كَانُونِ الثَّانِي القَادِمِ. إِنَّهُ مَكَانٌ يُذَكِّرُنَا بِدَعْوَةِ يُوحَنَّا المعمدان إِلَى التَّوْبَةِ لِإِعْدَادِ الطَّرِيقِ لِلِّقَاءِ يَسُوعَ وَقَبُولِهِ مَسِيحًا وَرَبًّا عَلَى حَيَاتِنَا. دَعْوَةُ التَّوْبَةِ، وَفْقًا لِمَا قَالَهُ المعمدان، تَمَسُّ عُقُولَنَا وَمَشَاعِرَنَا وَاخْتِيَارَاتِ حَيَاتِنَا وَيَوْمِيَّاتِنَا (رَاجِعْ لُوقَا 3: 10-18).

 

إنَّ جُزْءًا أساسيًا من رسالتنا يَكْمُنُ فِي نَشْرِ الأَمَلِ وَتَقْدِيمِهِ لِجَمِيعِ النَّاسِ، لَا سِيَّمَا لأُوَلَئِكَ الَّذِينَ يَعَانُونَ مِنَ الضَّعْفِ وَالْفَقْرِ. يَشْمَلُ ذَلِكَ الشَّبَابَ الَّذِينَ يَوَاجِهُونَ تَحَدِّيَاتٍ فِي إِيجَادِ فُرَصٍ للْعَمَلِ أَوِ السَّكَنِ أَوْ فِي بِنَاءِ أُسَرِهِمْ، وَكِبَارَ السِّنِّ الَّذِينَ يُعَانُونَ مِنَ الْوَحْدَةِ وَالتَّهْمِيشِ فِي الْمُجْتَمَعِ، إِلَى جَانِبِ الْعُمَّالِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْمُشَرَّدِينَ وَاللَّاجِئِينَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ إِلَى حَيَاةٍ أَفْضَلَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِعَائِلَاتِهِمْ. فَعِندَمَا نَمْنَحُ الْأَمَلَ لِلآخَرِينَ، فَإِنَّنَا نُغَذِّي أَمَلَنَا الْخَاصَّ وَنُعَزِّزُ قُدْرَتَنَا عَلَى مُوَاجَهَةِ تَحَدِّيَاتِ الْحَيَاة.

 

نُرفِقُ مَعَ هَذِهِ الرِّسَالَةِ تَوْضِيحًا لِمَفْهُومِ الغُفْرَانِ اليُوبِيلِيِّ، بِالإِضَافَةِ إِلَى الشُّرُوطِ الَّتِي تَضَعُهَا الكَنِيسَةُ لِلحُصُولِ عَلَيْهِ، وَالأَشْخَاصِ الَّذِينَ يُمْكِنُ الدُّعَاءُ لَهُمْ بِهِ. سَيُسَاعِدُ هَذَا المُؤْمِنِينَ عَلَى فَهْمِ الغُفْرَانِ العَامِّ المُرْتَبِطِ بِالْيُوبِيلِ، وَالَّذِي يُحْصَلُ عَلَيْهِ مِنْ خِلَالِ التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ عَنْ الْخَطَايَا، وَالِالْتِزَامِ العَمِيقِ بِالتَّوْبَةِ، وَسِرِّ الْمُصَالَحَةِ، وَالْمُشَارَكَةِ فِي الإِفْخَارِسْتِيَا، وَإِعْلَانِ الإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ لِلْبَابَا، فَضْلًا عَنْ القِيَامِ بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ الْخَيْرِيَّةِ. وَيُمْكِنُ الحُصُولُ عَلَى هَذَا الغُفْرَانِ لِأَنْفُسِنا وَلِأَحِبَّائِنا الرَّاحِلِينَ.

 

 

أَمْنَحْنَا، يَا رَبُّ، القُوَّةَ لِاسْتِعَادَةِ الرَّجَاءِ مِنْ جَدِيد

 

بَعْدَ تَأَمُّلٍ قَصِيرٍ فِي مَعْنَى هَذَا اليُوبِيلِ الَّذِي يُعِيدُ فَتْحَ قُلُوبِنَا لِلْأَمَلِ الَّذِي لَا يُخِيبُ وَلَا يُخَادِعُ وَلَا يَخْذُلُ، نُودُّ دَعْوَتَكُمْ جَمِيعًا، إِخْوَتَنَا وَأَخَوَاتِنَا فِي الأَرْضِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، إِلَى عَيْشِ هَذَا اليُوبِيلِ بِعُمْقٍ، وَٱلْمُشَارَكَةِ فِي ٱلْمُبَادَرَاتِ ٱلرَّعَوِيَّةِ وَٱلرُّوحِيَّةِ ٱلَّتِي سَتُقَدَّمُ فِي رَعَايَاكُمْ وَجَمَاعَاتِكُم.

 

نَطْلُبُ مِنَ الرَّبِّ أَنْ يَهَبَنَا القُدْرَةَ عَلَى اسْتِعَادَةِ الأَمَلِ مِنْ جَدِيدٍ، لِأَنَّ الظُّرُوفَ الَّتِي نَعِيشُهَا تَسْتَدْعِي إِضَافَةَ الأَمَلِ لِتُعَاشَ بِإِخْلَاصٍ لِلَّهِ وَمَحَبَّةٍ لِإِخْوَتِنَا.

 

نُودعُكُمْ صَلَاةً عَمِيقَةَ الجُذُورِ فِي تَقَالِيدِنَا، هِيَ فِعْلُ الرَّجَاءِ. صَلَاةٌ قَدِيمَةٌ فِي شَكْلِهَا، وَلَكِنَّها دَائِمًا جَدِيدَةٌ فِي مَضْمُونِهَا، تُمَكِّنُنَا مِنْ الإِدْرَاكِ أَنَّهُ بِفَضْلِ الرَّحْمَةِ الَّتِي نَلْنَاهَا، يُمْكِنُنَا أَنْ نَسِيرَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ الأَرْضِيِّ نَحْوَ أُفُقِ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّة.

 

رَبِّي وَإِلٰهِي،

بِرَحْمَتِكَ وَنِعْمَتِكَ فَقَطْ،

آمُلُ فِي غُفْرَانِ جَمِيعِ خَطَایَايَ،

وَعِندَ نِهَایَةِ رحلة هَذِهِ الْحَيَاةِ،

آمُلُ أَنْ أَسْتَقْبِلَ عَطِیَّةَ السَّعَادَةِ الْأَبَدِیَّة.

لِأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي وَعَدْتَ بها،

أَنْتَ الَّذِي لَا حدَّ لِقُوَّتِكَ،

وَأَمَانَتِكَ، وَلُطْفِكَ، وَرَحْمَتِك.

على هَذَا الرَّجَاءِ أَرْغَبُ في أَنْ أَحْيَا وَأَمُوتُ. آمِینَ.