موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٥ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٤
لمّا تمّ الزمان.. وُلد الطفل في أمان

أشخين ديمرجيان :

 

طفل المذود هو أوّل طفل مهجّر نازح، هرب قبل ألفي سنة ونيف، وبوحي منه تعالى، إلى أرض مصر، بصحبة مربّيه القدّيس يوسف والسيّدة مريم العذراء، كي لا يناله سيف هيرودس الخائف على عرشه من الفناء، مع أنّ الطفل ما جاء ليملك على الأرض الغبراء. وهكذا التاريخ يُعيد نفسه وما أشبه اليوم بالأمس!

 

ولكن بعد موت هيرودس وما في الهجرة من عناء، عادت العائلة المقدّسة برؤيا وإيحاء، واستقرّت في الناصرة الخضراء .

 

وفي عيد الميلاد المجيد دعوة من وليد بيت لحم أنّ العيد لا يكتمل إلّا إذا وضعنا أنفسنا في خدمة الجماعة، وروينا مَن أذابهم العطش، أطعمنا مَن فرى الجوع أحشاءهم، أرَحنا مَن أنهكت الهجرة أجسامهم وأرواحهم، والتهمتهم الشمس الحارقة، أو نخر بهم البرد القارس ، وعزّينا الحزانى الذين فقدوا ذوي القربى، حيث خيّم سكون الموت بقسوة على الأحبّاء. العيد هو زمن اهتمام أكبر لحاجات القريب، بروح محبّة صادقة لخير جميع سكان مشارق الأرض ومغاربها، ورعايتهم بوجدان حيّ ووعي نيّر وإرادة خيّرة لإشاعة السلام والوئام.

 

وفي نفس الوقت هو زمن مكافحة التجاوزات التي تمتهن الحقّ والعدالة والحرية، بشجاعة مشبعة بروح الإنجيل الطاهر، بحيث لا يبقى مجالاً لعنجهيّة الانتساب إلى شعب مختار دون سواه، أو اعتماد القمع والبطش غيرة على مصلحة الوطن، بتعصّب ورياء،  لأنّ المسيح وضع أسس المساواة والعدالة والحرية، ليُصبح البشر في معاملتهم لبعضهم أكثر إنسانيّة، ويتسنّى خلق مجتمعات أمثل وأكمل.

 

ما أصعب تحقيق السلام يا إلهي! وما أسهل إشعال الحروب والفتن وشنّها بأسلحة وأفكار جهنّميّة ، كأنّنا نعيش وسط أتون الجحيم على مدار الساعة حول محيط الكرة الأرضيّة! ولا أريد في هذه المناسبة  أن أغوص في وصف أولئك الذين يقفون وراء كلّ ما يجري في العالم من أحداث رهيبة تدميريّة...

 

ومثلما  يتضوّأ الأفق ساعة بزوغ الشمس، هكذا شعلة الإيمان تعمر الوجدان، والرجاء يدغدغ قلب العطشان، مع انحدار طفل من روحٍ قّدوس، إلى أرض بشر ضعاف النفوس، لتُصبح الأرض سماء، فتتهافت الوفود إلى الزيارة، تهافُت الرعاة إلى طفل  المغارة، وتهافُت المجوس بحرارة، إلى تقديم ذهب ولبان ومرارة. وهكذا لمّا تمّ الزمان، وُلِد الطفل في أمان، وانقَسَم التاريخ قِسمين: عهد قديم أدركه وقت الانتهاء، وعهد جديد استُهِلّ بالضياء، في غمرة نور وبهاء، وأصوات تجلجل من السماء: "مجدًا لله في العلاء، وعلى الأرض الهناء، وللناس المسرّة والإخاء".

 

خاتمة

 

نضرع إلى الله أن يغمر العالم بالبركات، ويحقّق للبشر أجمعين ولنا في الأراضي المقدّسة كلّ ما نحلم به من سلام وعدل وهناءة.

 

وُلِد المسيح هللويا! وكلّ عام وأنتم بخير!