موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٥ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٤
البطريرك بيتسابالا يدعو في قداس عشية الميلاد إلى شجاعة النظر إلى المستقبل برجاء

أبونا :

 

ترأس الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، يشاركه لفيف من الأساقفة والكهنة، قداس منتصف الليل لعيد الميلاد، وذلك في كنيسة القديسة كاترينا الرعوية، المحاذية لكنيسة المهد، في مدينة بيت لحم، حيث أشار إلى أنّ الأرض المقدّسة تحتاج إلى "يوبيل حقيقي" وإلى "شجاعة النظر إلى المستقبل برجاء، دون الاستسلام للعنف والحقد اللذين يغلقان كلّ فرصة أمام المستقبل".

 

وشارك في القداس ممثلا عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رئيس اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين رمزي خوري، ووزير السياحة والآثار هاني الحايك، وسفير الأردن في فلسطين عصام البدور، وسفير مصر إيهاب سليمان، وعدد من الشخصيات الرسميّة وأعضاء من السلك الدبلوماسي وقادة الأجهزة الأمنية، وحشد من المؤمنين.

 

 

وفيما يلي النص الكامل لعظة غبطته:

 

 

الإِخوَة والأَخوَاتِ الأَعِزّاء،

 

ليسَ لديّ مشكِلة، هذه السنة، في الاعتراف بصعوبةِ الإِعْلَانِ عن فَرَحِ مِيلَادِ ٱلْمَسِيحِ لَكُمْ أَنْتُمُ ٱلْحَاضِرِينَ هُنَا، وَلِكُلِّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى بَيْتَ لَحْمٍ مِنْ جميع أَنْحَاءِ ٱلْعَالَمِ. نَشِيدُ ٱلْمَلَائِكَةِ، ٱلَّذِينَ يُنشدونَ ٱلْمَجْدَ وَٱلْفَرَحَ وَٱلسَّلَامَ، يَبْدُو لِي نشازا بَعْدَ عَامٍ مَلِيءٍ بِٱلْمَشَقَّةِ، والدُّمُوعِ وَٱلدِّمَاءِ وَٱلْمُعَانَاةِ، بسبب آمَالٍ خَابَتْ وَخِطَطٍ لِلسَّلَامِ وَٱلْعَدْلِ تَحَطَّمَتْ. يَبْدُو أَنَّ ٱلنَّوَاحَ يتَغَلَّبُ عَلَى ٱلنَّشِيدِ، وَٱلْغَضَبَ يشِلُّ كُلَّ طَرِيقٍ لِلرَّجَاء.

 

تَسَاءَلْتُ فِي ٱلْأُسَابِيعِ ٱلْمَاضِيَةِ عَشْرَاتِ ٱلْمَرَّاتِ: كَيْفَ يُمْكِنُنِي أَنْ أَعيش إِن لَمْ أَتَجَاوَزُ هَذِهِ ٱلْمَعَانَاةَ، وَهَذَا ٱلْإِحْسَاسَ ٱلْمُؤْلِمَ بِعَدَمِ جَدْوَىٰ كَلِمَاتِنَا، حَتَّىٰ كَلِمَاتِ ٱلْإِيمَانِ، أمام قَسْوَةِ ٱلْوَاقِعِ، ومرارةِ التيقُّن من أن هذه المُعَانَاةٍ تَظْهَرُ وكأَنَّهَا لَامتناهية.

 

لَكِن هبَّ لِنَجْدَتِي رعَاةُ المِيلَادِ،ِ ٱلَّذِينَ، مِثْلِي وَمِثْلَ ٱلْأَسَاقِفَةِ وَالكَهَنةِ فِي هَذِهِ ٱلْأَرْضِ، كَانُوا يَسْهَرُونَ فِي ٱللَّيْلِ ويَحْرُسُونَ رَعِيَّتَهُمْ. فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ، ٱلَّتِي هِيَ هَذِهِ، سَمِعُوا ٱلْمَلَائِكَةَ وَصَدَّقُوا الخبر. لِذَٰلِكَ قَرَّرْتُ أَنْ أَسْتَمِعَ مَرَّةً أُخْرَىٰ لِقِصَّةِ ٱلْمِيلَادِ فِي سِيَاقِ ٱلْمُعَانَاةِ ٱلَّتِي نَعيشُهَا، وٱلَّتِي لَا تَخْتَلِفُ كَثِيرًا عَنْ سِيَاقِ تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ.

 

كَمَا قَدْ سَمِعْنَا: "وفي تِلكَ الأَيَّام، صَدَرَ أَمرٌ عنِ القَيصَرِ أَوغُسطُس بِإِحْصاءِ جَميعِ أَهلِ المَعمور. وجَرى هٰذا الإِحصاءُ الأَوَّلُ إِذ كانَ قيرينِيوس حاكمَ سورية. فذَهبَ جَميعُ النَّاسِ لِيَكتَتِبَ كُلُّ واحِدٍ في مَدينَتِه. وصَعِدَ يوسُفُ أَيضًا مِن الجَليل مِن مَدينَةِ النَّاصِرَة إِلى اليَهودِيَّةِ إِلى مَدينَةِ داودَ الَّتي يُقالُ لَها بَيتَ لَحم، فقَد كانَ مِن بَيتِ داودَ وعَشيرتِه، لِيَكتَتِبَ هو ومَريمُ خَطيبَتُه وكانَت حامِلًا" (لوقا ٢: ١-٥).

 

لَقَدْ أَثَّرَتْ فِيَّ هَذِهِ ٱللَّحْظَةُ: يُوْسُفُ وَمَرْيَمُ يَعِيشَانِ نِعْمَةَ مِيلَادِ الطفل، ٱلْمِيلَادِ ٱلْحَقِيقِيِّ، ليس فِي وَقْتٍ أَوْ فِي ظُرُوفٍ قَرَّرَاهَا أَوْ كَانَتْ مُلَائِمَةً لَهُمَا. فِي ذَٰلِكَ ٱلْوَقْتِ، كَانَتْ قُوَّةٌ إِمْبِرَاطُورِيَّةٌ قَاهِرَةٌ تَحْكُمُ ٱلْعَالَمَ، وَتُقَرِّرُ مَصِيرَهُ ٱلْاجْتِمَاعِيَّ وَٱلْاِقْتِصَادِيّ.

 

كَانَتْ َأرْضُنا ٱلْمُقَدَّسَةُ فِي تِلْكَ ٱلْفَتْرَةِ خَاضِعَةً لِمَصَالِحَ دُوَلِيَّةٍ لَمْ تَكُنْ أَقَلَّ تَأْثِيرًا مِّمَّا هُي عَلَيْهِ ٱلْيَوْمَ. شَعْبٌ مِنَ ٱلْفُقَرَاءِ كان يعمل جاهدًا من أجل رَفَاهِيَةِ ٱلْآخَرِينَ، فطُلِب منه أن يساهم في الإحصاء العام. وَمَعَ ذَلِكَ، وبِدُونِ شَكْوَى، وبِدُونِ رَفْضٍ، وبِدُونِ تَمَرُّدٍ، ذَهَبَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ إِلَى بَيْتَ لَحْم، مُسْتَعِدَّيْنَ لِلْمِيلَادِ هُنَاك.

 

هَلْ كَانَ ذلك ٱسْتِسْلَامًا مِنهُمَا؟ أَمْ تذلّلًا؟ أَمْ عَدَمَ حِيلَةٍ؟ أَمْ عَجْزًا؟ لَا! بَلْ إِيمَانًا! وَٱلْإِيمَانُ، عِنْدَمَا يَكُونُ عَمِيقًا وَصَادِقًا، هو دَائِمًا نَظْرَةٌ جَدِيدَةٌ وَمُنِيرَةٌ لِلتَّارِيخِ، لِأَنَّ "مَنْ يُؤْمِنْ، يَرَى!" وَمَاذَا رَأَى يُوسُفُ وَمَرْيَمُ؟ في كلامِ ٱلْمَلَاكِ، رَأَيَا ٱللَّهَ فِي ٱلتَّارِيخِ. رأيا ٱلْكَلِمَةَ الذي صَارَ جَسَدًا، وٱلْأَزَلِيَّ الذي اقتحم ٱلزَّمَن، وٱبْنَ ٱللَّهِ الذي صَارَ إِنْسَانًا! وَهَذَا مَا نَرَاهُ أَيْضًا نَحْنُ هُنَا، في هَذِهِ ٱللَّيْلَةَ، مستنيرين بِكَلِمَةِ ٱلْإِنْجِيل.

 

نَرَى فِي هَذَا ٱلطِّفْلِ مبادرةً جَدِيدَة وَغَيْرَ َمسْبُوقة لِإِلَهٍ لَا يَهْرُبُ مِنَ ٱلتَّارِيخِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِلَا مُبَالَاةٍ عَنْ بُعْدٍ، وَلَا يَرْفُضُهُ بِسَخَطٍ لِأَنَّهُ مُؤْلِمٌ وَرَدِيءٌ، بَلْ يُحِبُّهُ، وَيتبنّاهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ بخطى طِفلٍ حَديثِ الولادة، لَطِيف وَقَوِيّ فِي آنٍ وَاحِدٍ، يجلب معه حَيَاة أَبَدِيَّة نجحت في أن تجد لذاتها مَكَانًا فِي قساوةِ ٱلزَّمَنِ، مِنْ خِلَالِ قُلُوبٍ وَإِرَادَاتٍ مُسْتَعِدَّةٍ لِٱسْتِقْبَالِهَا.

 

إِنَّ مِيلَادَ ٱلرَّبِّ يَكْمُنُ كُلُّهُ هُنَا. من خلال ٱبْنِهِ، يَشْتَرِكُ ٱلْآبُ فِي تاريخنا، وَيَحْمِلُ عِبْءَ هَذِا ٱلْتاريخ، وَيُشَارِكُه ٱلْمُعَانَاةَ وَٱلدُّمُوعَ حَتَّى ٱلدَّمِ، وَيُقَدِّمُ لَه طَرِيقًا لِلْخُرُوجِ نَحْوَ ٱلْحَيَاةِ وَٱلرَّجَاءِ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى تاريخنا وهو يتنَافَس مَعَ أَقْوِيَاءِ هَذَا ٱلْعَالَمِ. فَقُوَّةُ ٱلْمَحَبَّةِ ٱلْإِلَهِيَّةِ لَيْسَتْ فقط أَقْوَى مِنْ ٱلْعَالَمِ، بَلْ هِيَ قُوَّةٌ مُخْتَلِفَةٌ. هَذَا ٱلطِّفْلُ، بَعْدَ أَنْ عاش حَيَاتَنَا حَتَّىٰ النِّهَايَةِ، سَيُعلِّنْ بِوُضُوحٍ: "لَيسَت مَملَكَتي مِن هٰذا العالَم. لَو كانَت مَملكَتي مِن هٰذا العالَم لَدافَعَ عَنِّي حَرَسي ... ولٰكِنَّ مَملَكَتي لَيسَت مِن هٰهُنا" (يُوحَنَّا ١٨: ٣٦).

 

ٱلْخُطْوَةُ ٱلَّتِي يَدْخُلُ بِهَا ٱللَّهُ ٱلتَّارِيخِ هِيَ خُطْوَةُ ٱلْحَمَلِ، لِأَنَّ ٱلْحَمَلَ وحده هُوَ ٱلَّذِي يَسْتَحِقُّ ٱلْقُوَّةَ وَٱلْقُدْرَةَ، وَمنهُ وَحْدَهُ ٱلْخَلَاصُ (رُؤْيَا يُوحَنَّا ٥: ١٢). قَيَاصِرَةُ هَذَا ٱلْعَالَمِ يحْتَجِزُونَ القوّة فِي دَّائِرَةٍ مفْرَغَةِ، تمحقُ ٱلْأَعْدَاءَ وَلكنّها تُوَلِّدُ دَائِمًا أَعْدَاءً جُدُدًا (وَنَرَى ذَلِكَ بِمَرَارَةٍ كُلَّ يَوْمٍ). أَمَّا حَمَلُ ٱللَّهِ، فَقَدْ ذُبِحَ وَغَلَبَ، وَيَغْلِبُ بِٱلْحَقِّ، إِذْ يُشْفِي قَلْبَ ٱلْإِنْسَانِ ٱلْعَنِيفَ، بِٱلْمَحَبَّةِ ٱلْمُسْتَعِدَّةِ لِلْخِدْمَةِ وَٱلْمَوْتِ، فتوَلِّدُ حَيَاةً جَدِيدَة.

 

مَرْيَمُ وَيُوسُفُ، بينما يَبْدُو أَنَّهُمَا يُطِيعَانِ صاغِريْن قوّةً أَكْبَرَ مِنْهُمَا، إلا أنهما كَانَا فِي ٱلْوَاقِعِ يَنظران إلى التاريخ بعيون الله ويريان فيه مشروعا إلهيا، فيه يُدْخِلَانِ ٱلْمَجْدَ وَٱلسَّلَامَ. وَنَحْنُ أَيْضًا يُمْكِنُنَا وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْقَى فِي أَرْضِنَا وأن نَعِيشَ واقعنا، غير مُجبَرين أو مُستَسْلِمين، وَلَا حَتَّى مُسْتَعِدِّينَ لِلْهرَبِ فِي أَوَّلِ فُرْصَةٍ. نَحْنُ مَدْعُوُّونَ مِنْ قِبَلِ ٱلْمَلَائِكَةِ كي نعيش هَذِهِ ٱللَّيْلَةِ بِإِيمَانٍ وَرَجَاءٍ. نَحْنُ أيضا، على غرار يُوسُفُ وَمَرْيَمُ، وٱلرُّعَاةِ، يَجِبُ أَنْ نَخْتَارَ وَأن نُقَرِّرَ: هَلْ نَقْبَلُ بِإِيمَانٍ بَشَارَةَ ٱلْمَلَاكِ، أَمْ نَمْضِي فِي طَرِيقِنَا؟

 

هَلْ نُؤْمِنُ أَمْ نَرْتَابُ؟ هَلْ نقرّر الولاء للْمَسِيحِ وَنَتَّبِعُ أُسْلُوبَ بَيْتَ لَحْمٍ، أُسْلُوبَ مَنْ هُوَ مُسْتَعِدٌّ لِلْخِدْمَةِ بِٱلْمَحَبَّةِ وَلِكِتَابَةِ قِصَّةِ حياة منسوجة بالأُخُوَّةٍ؟ أَمْ نَتَّبِعُ أُسْلُوبَ القَيْصَرَ أوغسْطُسَ، وَهِيرُودُسَ، وَغَيْرِهِمْ كَثِيرِينَ، وَنَخْتَارُ أَنْ نَنْتَمِيَ إِلَى مَنْ يَكْتُبُونَ ٱلتَّارِيخَ بِٱلْقُوَّةِ وَٱلتَّجَبُّرِ؟

 

طفْلُ بَيْتَ لَحْم يَأْخُذُ بِيَدِنَا فِي هَذِهِ ٱللَّيْلَةِ، ويرافقنا في معارجِ ٱلتَّارِيخِ، وَيُساعدنا كي نقبلهُ حتى ٱلنِّهَايَةِ، فنَسِيرَ فِيهِ بثِّقَةٍ وَرَّجَاء. لَمْ يَخَفْ مِنَ الولادة فِي هَذَا ٱلْعَالَمِ –إذ لمْ يزدرِ رَحْمَ عَذْرَاءِ- وَلَم يخش ٱلْمَوْتِ مِنْ أَجْلِهِ. ويَطْلُبُ مِنَّا أَلَّا نَخَافَ مِنْ قُوَى هَذَا ٱلْعَالَمِ، بَلْ أَنْ نُثَابِرَ فِي طَرِيقِ ٱلْعَدْلِ وَٱلسَّلَام.

 

يَجِبُ عَلَيْنَا، كَمَا فَعَلَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ، وٱلرُّعَاةُ وَٱلْمَجُوس، أَنْ نَسْلُكَ ٱلطُّرُقَ ٱلْبَدِيلَةَ ٱلَّتِي يُشِيرُ إِلَيْهَا ٱلرَّبُّ، وَأَنْ نَجِدَ ٱلْمَسَاحَاتِ ٱلْمُلَائِمَةَ حَيْثُ يُمْكِنُ لِأَنْمَاطٍ جَدِيدَةٍ مِنَ ٱلتَّصَالُحِ وَٱلْأُخُوَّةِ أَنْ تَنْشَأَ وَتَنْمُوَ. لِنَجْعَلَ مِنْ عَائِلَاتِنَا وَمُجْتَمَعَاتِنَا مَهَداً لْمُسْتَقْبَلٍ مَبْنِيِّ عَلَى ٱلْعَدْلِ وَٱلسَّلَامِ، ٱلَّذِي بَدَأَ بِمَجِيءِ أَميرِ ٱلسَّلَام.

 

صَحِيحٌ أننا قليلون وربما لا حضور لنا في مراكزِ القوّة وحَلباتِ الصراعِ حيث تتعارك وتتقرّر ٱلْمَصَالِحُ ٱلِاقْتِصَادِيَّةُ وَٱلسِّيَاسِيَّةُ. وَلَكِنَّنَا، كَٱلرُّعَاةِ، ٱلشَّعْبُ المدعو إلى فَرح ٱلْمِيلَادِ، وَمشَاركة الحمل فِي انتصاره ٱلْفصْحِيّ. وَلِذَلِكَ نَشْعُرُ أَنَّ ٱلدَّعْوَةَ ٱلَّتِي أَطْلَقَهَا قداسة البابا للْكَنِيسَةِ جَمّعَاء قبل سَاعَاتٍ قليلة عِنْدَمَا عَبَرَ عَتَبَةَ ٱلْبَابِ ٱلْمُقَدَّسِ مُشيِّراً إِلى بِدْءِ سَنَةُ ٱلْيُوبِيلَ ٱلْمُقَدَّسَ 2025، مُوَجَّهَةٌ إِلَيْنَا بِشَكْلٍ خَاصٍّ: نَحْنُ حُجَّاجُ ٱلرَّجَاء.

 

نَحْنُ ٱلْمَسِيحِيّينَ لَا نَعْبُرُ فِي ٱلتَّارِيخِ كَسُيَّاحٍ مُشَتَّتِينَ وَغَيْرِ مُبَالِينَ، وَلَا كَبدوٍ رُحَّلٍ بِلَا وَجْهَةٍ، وتتتقاذفُهم ٱلْأَحْدَاثُ. إنما نَحْنُ حُجَّاجٌ، وَعَلَى ٱلرَّغْمِ مِنْ أَنَّنَا نَعْرِفُ وَنُشَارِكُ أَفْرَاحَ وَمَشَقَّاتِ وَآلَامَ وَقَلَقَ رفاقِ ٱلطَّرِيقِ، إِلَّا أَنَّنَا نَسِيرُ نَحْوَ ٱلْهَدَفِ ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَسِيحُ، ٱلْبَابُ ٱلْمُقَدَّسُ ٱلْحَقِيقِيُّ ٱلْمَفْتُوحُ على مَلَكُوتِ ٱللهِ (رَاجِعْ يُوحَنَّا 10: 9). نَحْنُ نجسر ونُؤْمِنَ بأنَّ الكلمة، مُنْذُ أَنْ تَجَسَّدَ هُنَا، يواصل، فِي كُلِّ إنسانٍ وَفِي كُلِّ زَمَانٍ، تخصيبَ ٱلتَّارِيخِ، وتوجيهَهِ نَحْوَ كَمَالِ ٱلْمَجْدِ.

 

وَهَكَذَا، أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ، فِي هَذَا ٱلْعَامِ وَفِي هَذَا ٱلْمَكَانِ بِالتَّحْدِيدِ، يَكْتَسِبُ ٱلْإِصْغَاءُ إِلَى تَرْنِيمَةِ ٱلْمَلَائِكَةِ ٱلَّتِي تُعْلِنُ فَرْحَةَ ٱلْمِيلَادِ مَعْنًى أَكْبَرَ! وفِي هَذِهِ ٱللَّحْظَةِ، يَكتسب الاحْتِفَالِ بِسَنَةِ ٱلرَّبِّ ٱلْمُقَدَّسَةِ، بَلْ بِٱلسَّنَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ ٱلَّتِي هِيَ ٱلرَّبُّ نَفْسُهُ، مَعْنًى جَمِيلًا وَعَمِيقًا!

 

تِلْكَ ٱلتَّرْنِيمَةَ ليست نشازًا، بَلْ هِيَ مَا تَجْعَلُ صخبَ ٱلْحُرُوبِ وَٱلْبَيَانَاتِ ٱلْجَوْفَاءِ الصادرة عن الأَقْوِيَاءِ تَبْدُو نشازا! تِلْكَ ٱلتَّرْنِيمَةُ لَيْسَت ضَعِيفَةٍ، بَلْ تَتَتفاعلُ بِقُوَّةٍ مع دُمُوعِ ٱلْمُتَأَلِّمِينَ، وَتَحُثُّ عَلَىٰ نَزْعِ سِلَاحِ ٱلْانْتِقَامِ وَٱللُّجُوءِ إِلَىٰ ٱلْمَغْفِرَةِ. يُمْكِنُنَا أَنْ نَكُونَ حُجَّاجَ ٱلرَّجَاءِ حَتَّى فِي وَسَطِ ٱلشَّوَارِعِ وَٱلْمَنَازِلِ ٱلْمُدَمَّرَةِ فِي أَرْضِنَا، لِأَنَّ ٱلْحَمَلَ يَسِيرُ مَعَنَا نَحْوَ عَرْشِ أُورُشَلِيمَ ٱلسَّمَاوِيَّةِ.

 

إِنَّ سَنَةَ ٱلْيُوبِيلِ، بِحَسَبِ ٱلتَّقْلِيدِ ٱلْكِتَابِيِّ، هِيَ سَنَةٌ خَاصَّةٌ يُطْلَقُ فِيهَا سَرَاحُ ٱلْمَسْجُونِينَ، وتُلْغَى فِيهَا ٱلدُّيُونُ، وَتُرَدُّ الأملاك لأصحابها، وَتَسْتَرِيحُ فِيهَا ٱلْأَرْضُ أَيْضًا. إِنَّهَا سَنَةٌ لعيش خبرة ٱلتَّصَالُحِ مَعَ ٱلْآخَرِ، وٱلسَّلَامِ مَعَ ٱلْجَمِيعِ، وتوطيد ٱلْعَدْل. إِنَّهَا سَنَةٌ تجْدِيدٍ روحِيّ، عَلَى ٱلْمُسْتَوَى الفَردِّي وَٱلْجَمَاعِيّ.

 

يَحْدُثُ هَذَا لِأَنَّ الله يبادر فِي سَنَةِ ٱلْيُوبِيلِ إلى إلغاء جَمِيع ٱلدُّيُونِ. هِيَ سَنَةُ ٱلتَّصَالُحِ بَيْنَ ٱللَّهِ وَٱلْإِنسَانِ، حَيْثُ يَتَجَدَّدُ كُلُّ شَيْءٍ. وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَنْ تَتِمَّ هَذِهِ الُمصَالَحَة بتَجْدِيدِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلْعَلَاقَاتِ بَيْنَ ٱلْبَشَرِ. تِلْكَ هِيَ أَمَنِيتِي لِلْأَرْضِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، ٱلَّتِي تَحْتَاجُ إِلَىٰ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ ٱلْأَرَاضِي إِلَىٰ يُوبِيلِ حَقِيقِيِّ. نَحْنُ بحَاجَةٍ إِلَى بِدْايّةٍ جَدِيدةٍ فِي جَمِيعِ مَجَالَاتِ ٱلْحَيَاةِ، بحَاجَةٍ إِلَى رُؤْيَةٍ جَدِيدَةٍ، بحاجَةٍ إِلَى شَجَاعَةٍ لِلنَّظَرِ إِلَى ٱلْمُسْتَقْبَلِ بِرَجَاءٍ، دُون ٱلاسْتِسْلَامِ لِلْعُنْفِ وَٱلْحَقْدِ، ٱلَّلذين يُغْلِقان كُلَّ فُرْصَةٍ أمام الِمُسْتَقْبَل. ليتَ كلّ جَمَاعَاتِنَا تعيش تَجْدِيدا رُّوحِيّا حَقِيقِيّا. وَلْيَكُنْ لَنَا أَيْضًا فِي ٱلْأَرْضِ ٱلْمُقَدَّسَةِ بَدْءٌ جدِيد: يقوم على إِلغَاءِ ٱلدُّيُونُ، وإٍعتَاقِ ٱلْمَسْجُونُينَ، ورَدِّ ٱلْممتلكات إلى أصحابها، وَلْتبْدَأْ بِشَجَاعَةٍ وَعَزْمٍ مساراتٌ جَادَّةٌ وصادقة لِلتَّصَالُحِ وَٱلْمَغْفِرَةِ، فبدونها لن يكون سلام حقيقي.

 

أُرِيدُ أَنْ أَشْكُرَ إِخْوَتَنَا فِي غَزَّةَ، الَّذِينَ التَقَيْتُ بِهِمْ مُؤَخَّرًا. أُؤَكِّدُ لَكُمْ صَلَاتَنَا وَقُرْبَنَا وَتَضَامُنَنَا. لَسْتُمْ وَحْدَكُمْ. بِالْحَقِّيقَةِ، أَنْتُمْ وَاقِعٌ مَرْئِيٌّ لِلرَّجَاءِ وَسَط ٱلْكَارِثَةِ وَٱلدَّمَارِ ٱلشَّامِلِ ٱلَّذِي يُحِيطُ بِكُمْ. وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَيْأَسُوا، بَلْ بَقِيتُمْ مُتَّحِدِينَ، رَاسِخِينَ فِي ٱلرَّجَاءِ. شُكْرًا لِشَهَادَتِكُمْ الرَّائِعَةِ التي تدلّ على ٱلْقُوَّةِ وَٱلسَّلاَمِ!

 

وَفِكْرِي يَذْهَبُ أَيْضًا إِلَيكُمْ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ وَٱلْأَخَوَاتُ فِي بَيْتَ لَحْمَ. هَذَا ٱلْعَامِ أيضًا، كَانَ ٱلْعِيدُ حَزِينًا، يَحْمِلُ فِي جُعْبَتِهِ ٱلْقَلَقَ وَٱلْفَقْرَ وَٱلْعُنْفَ. عشتم مرة أخرى اليوم ٱلْأَهَمّ لَكُمْ بطعم ٱلْمَعَانَاةِ وَاِنتِظَارِ أَيَّامٍ أَفْضَلَ. لكمْ أَقُولُ: تَشَجَّعُوا! لَا يجوز أن نَفْقِدَ ٱلرَّجَاءَ. لِنُجَدِّدْ ثِقَتَنَا بٱللَّهِ، فلَنّ يَتْرُكُنَا وَحْدَنَا. وَهُنَا فِي بَيْتَ لَحْمَ، نَحْنُ نحتفل بحقيقة أن ٱللَّهَ مَعَنَا وَبٱلْمَكَانَ الَّذِي كشف فيه ذاته. تَشَجَّعُوا. نُرِيدُ أَنْ يَصِلَ مِنْ هُنَا لِكُلِّ ٱلْعَالَمِ نَفْسُ إِعْلَانِ ٱلسَّلاَمِ الَّذِي سُمِعَ مُنْذُ أَلْفَيْ سَنَةٍ!

 

لِنَنْطَلِقْ مَعَ ٱلرُّعَاةِ مُجَدَّدًا لِنَشْهَدَ هَذَا ٱلْحَدَثَ ٱلْعَظِيمَ ٱلَّذِي مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا بِمَعْرِفَتِهِ. نحتفل بعِيدَ ٱلْمِيلَادِ أَيْضًا عَبْرَ ٱلرُّمُوزِ الخارجية للْعِيدِ، لِأَنَّه وُلِدَ لَنَا وَلَدٌ مَلَأَ ٱلتَّارِيخَ وَٱلْعَالَمَ كُلَّهُ بِٱلْأَمَلِ. حَوَّلَ ٱلْأَلَمَ إِلَىٰ ألم وِلَادَةٍ، وَأَعْطَانَا جَمِيعًا فُرْصَةً لِلَّانْطِلاَقِ نَحْوَ فَجْرِ عَالَمٍ جَدِيدٍ!