"فقالَ لَهمُ الـمَلاك: لا تَخافوا، ها إِنِّي أُبَشِّرُكُم بِفَرحٍ عَظيمٍ يَكونُ فَرحَ الشَّعبِ كُلِّه"  (لوقا ٢: ١٠)

فيما نستعد لصلاة تساعية عيد الميلاد، بلغتنا من كنيستنا في غزة أخبار مروِّعة: في يوم 16 كانون الأول عند الظهر، قتل قناص إسرائيلي أمَّا وابنتها، ناهدة وسمر، في ساحة الكنيسة. وجرح سبعة آخرين كانوا يحاولون حماية الذين في الكنيسة. وفي صباح اليوم نفسه، ضرب صاروخ إسرائيلي دير "مرسلات المحبة"، راهبات الأم تريزا، فدمَّر وعرَّض للخطر حياة ٥٤ شخصًا معوَّقًا كان الرهبات يعتنين بهم.

يا رب، ارحم.

عيد الميلاد هو عيد الفرح الكبير. لأن كلمة الله "صارَ بَشَرًا فسَكَنَ بَينَنا فرأَينا مَجدَه" (يوحنا ١: ١٤). جاء ليخلصنا ويملأنا بفرحه. زمن المجيء زمن انتظار ويقظة وتنبٌّه، ننتظر فيه مجيء ربنا يسوع المسيح، والفرح العظيم الذي يحمله إلينا. وهو أيضًا زمن نتنبه فيه لآلام إخوتنا وأخواتنا في العالم كله، وهنا، في أرضنا.

نتوجّه في هذه السنة إلى مذود الطفل يسوع، وقلوبنا دامية، بسبب الحرب الدائرة في أرضنا، بعد أن عشنا الحرب والظلم مدة أكثر من 70 يومًا. نذهب إلى المذود مثقلين بالحرب، ونصلي ونطلب الفرح بدل الحزن الكثير والموت الكثير الذي يحيط بنا.

آلاف الرجال والنساء والأطفال، الفلسطينيين والإسرائيليين، قتلوا في هذه الحرب التي ما زالت دائرة. قتل في غزة في الشهرين الماضيين عدد من الأطفال يفوق عدد الأطفال الذين قتلوا في السنتين الماضيتين في نزاعات العالم كله. قضت هذه الحرب على جيل بأكمله من أبنائنا، الذين يعيشون في خوف دائم على أنفسهم وعلى ذويهم.

قصفت الطائرات ومدافع الهاون كل مدن قطاع غزة وحولتها إلى أنقاض. نحو مليونين من الناس أجبروا على النزوح: معظمهم على الطرقات لا يجدون مأوى يلجأون إليه. حتى المدارس وأماكن العبادة لم تعد أماكن آمنة. أكثر من ٨٥٪ من سكان غزة نزحوا، ونزوحهم في أرض ضيقة لم يعد فيها مكان آمن. ومعظم المستشفيات والمستوصفات لم تعد صالحة لتقديم العلاج. و ٩١٪ من أهل غزة يأوون إلى الفراش جائعين.

إنا نبكي كل الذين ارتقوا، ونحمل هموم الجرحى الذين لا علاج لهم، وقلق الذين أصبحوا بلا مأوى.

وفي بيت لحم، كما في كل الضفة الغربية، ضاعف الجيش الإسرائيلي هجماته ومداهماته، فقتل المئات وأوقف الألوف. وأغلق المناطق فأدى ذلك إلى فقدان الأعمال، وصار تحصيل الخبز اليومي معركة يومية في كل عائلة. وألغت الكنائس الاحتفالات الخارجية بعيد الميلاد، حتى نشعر نحن المسيحيين بتضامننا مع كل الذين يتألمون في الحرب. وبقي عيد الميلاد عيدًا للصلاة من أجل المعذبين، وللتأمل في المعني العميق للعيد.

وما هو هذا المعنى العميق؟

نسير في هذه السنة نحو المغارة لنصلي، ونطلب الفرح الذي وعدنا به الله. نحن شعب الأمل، وضعنا رجاءنا في الله، وفي ميلاد أمير السلام. ونحن أكيدون أننا لسنا ولن نكون أبدًا وحدنا. ونعرف أن الله اختار أرضنا، ليبدِّدَ ظلماتنا، ويكون معنا العمانوئيل، أي الله معنا.

نسأل كل الذين يحتفلون بعيد الميلاد في العالم كله أنْ صَلُّوا معنا. صلوا من أجل السلام في بيت لحم، وفي غزة وفي كل الأرض المقدسة. نصلِّي معًا من أجل توقف أعمال العنف ومن أجل تحرير جميع الأسرى. نصلي معًا من أجل وقف إطلاق نار دائم، ومن أجل فجر جديد، من أجل زمن حوار جديد بدل الظلم الماضي، ومن أجل زمن عدل بدل الحلول المفروضة، ومن أجل العيش معًا بدل الحلم القديم، يحلم كل واحد بالقضاء على الآخر.

إنّا نسأل الكبار في مواقع المسؤولية أن يهتموا لإيجاد حل للصراع الذي مضى عليه الآن قرابة قرن من الزمن، نطلب منهم أن يدخلوا طريقًا يؤدي إلى السلام العادل المؤسس على المساواة، نطلب أن تكون هذه الحرب هي الأخيرة، فيتمكن أبناؤنا من أن يروا الأمل بدل اليأس.

إذاك فقط، سنستطيع أن نحتفل بعيد الميلاد، في أرض الميلاد، ونمتلئ بالفرح العظيم لمجيء المخلص، ويصبح نشيد الملائكة في سماء بيت لحم حقيقة في أرضنا: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام" لكل ذوي الإرادة الصالحة.