موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٩ فبراير / شباط ٢٠٢٢
"لا تدينوا لكي لا تدانوا"

الأب الياس كرم :

 

يأخذني موقف يسوع من المرأة الزانية عندما أُمسكت، وقدّمها الفرّيسيون والكتبة إليه، وأقاموها في الوسط. لم تكن نيّة هؤلاء إدانة الزانية، إنما الهدف تجربة يسوع ليمسكوا عليه علّة ليشكوه إلى المجمع. إنهم لم يجيئوا بها لأنهم طاهرون وحريصون على الآداب والعفّة، لكنهم جاؤوا بالمرأة الزانية، ليتّخذوا من إدانتها والتّشهير بها، وسيلة لكي يمسكوا المسيح بكلمة، لأنهم كانوا ضدّه وضدّ كرازته وتعليمه. جاؤوا إليه وقلبهم مملوءٌ حقدًا عليه. هذه حال كثيرين من الناس الذين يصوّبون على أغلاط يرتكبها أفراد في الكنيسة، سواء كانوا إكليريكيين ام ملتزمين، بغية إدانة الكنيسة والحطّ من شأنها.

 

الذين استخدموا ضعف المرأة الخاطئة وقودًا لتغذية نيران حقدهم على المسيح، لم يأبهوا إلى انكسار قلبها بل أقاموها في الوسط، وكأنهم يهنّئون أنفسهم على سقوط غيرهم، ويطلبون من المسيح أن يعطي رأيه. شعر المسيح بخبثهم، ولذلك حوّل البوصلة باتّجاه خلاص البشرية من الخطيئة. وبهذا الصدد يقول الإنجيل المقدس: "لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم" (يوحنا ٣: ١٧). فالمسيح أراد من خلال الدفاع عن المرأة الزانية إيصال رسائل للخطأة، بأنّ باب الرحمة الإلهيّة مشرّع لهم. وبالتالي، على كلّ خاطئ أن يقطع صلته بماضيه المظلم، ويتوب وينظر إلى الأمام، أيّ إلى المستقبل المنير الذي فيه الخلاص والغفران من الخطيئة ومن كل أنواع أعمال الظلمة. فكلّ إنسان خاطئ يتخلّص من خطيئته بالتوبة الصادقة، يحصل على غفران الخطايا بواسطة المسيح المخلّص ويتّحد به، وتنفتح أمامه أبواب الخلاص. فالمسيح جاء لفداء البشرية من لعنة الخطيئة، لم يأتِ ليدين، بل ليخلّص ما قد هلك (متى ١٨: ١١).

 

الفرّيسيون الجدد لا يتوانوا لحظة عن ضرب بشارة المسيح وتحقير رسالته السامية. هذا ناتجٌ عن كبرياء.

 

طبعًا لست في هذه العجالة، في وارد الدفاع عن خطيئة الزنى، إنّما الدفاع عن الزانية، وكلّ إنسانٍ خاطئ، كما علّمنا سيّد المحبّة، يسوع المسيح، الذي لم يكن كارهًا للخاطئ بل للخطيئة، لذلك نسمعه يقول: "لا تدينوا لكي لا تدانوا" (متى ٧: ١).

 

فالإدانة تستسيغ البشر. لا يجوز أن ندين الآخرين ونبرّر أنفسنا. فكلّ مَن أراد أن ينال من مجد الله، لا يمكنه أن يدين أولاده، بمن فيهم الخطأة، الذين تجسّد لأجل خلاصهم، وهو القائل في إنجيل لوقا: "لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ" (لوقا ٥: ٣٢).

 

من هنا باب التوبة مفتوح للجميع، حتى للذين عاثوا في العالم خرابًا على كافة الصعد والمستويات، ولذلك لا نتعجّب من خاطئ نراه يصلّي ويدخل الكنيسة، فالله يقبل توبته.

 

إن الذي يدّعي العفّة وحفظ الشريعة، وفي قلبه غيرة وحسد، لم ولن يعرف، النعمة في حياته، فكم بالأحرى الذين يضمرون الإدانة للناس لكي يخفوا هفواتهم وخطاياهم، ويتعدّوا على المسيح وتعاليمه، هؤلاء نصيبهم كما قال السيد المسيح: "وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ" (متى ١٨: ٦).

 

"ومن له اذنان للسمع فليسمع" (متى ١١: ١٥).

 

 

(النشرة اللبنانية)