موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
فيما يلي النص الكامل لكلمة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، في ختام أعمال ملتقى البحرين للحوار: «الشرق والغرب.. من أجل التعايش الإنساني»، بحضور البابا فرنسيس والملك حمد بن عيسى آل خليفة:
السَّلام عَليكُم ورحمةُ الله وبركَاتُه.. وبعد؛
فأبدأُ كلمتي بتقديم خالص الشُّكر والتَّقدير لكم -جلالة الملك!- ولشعبِكم الأصيل الكريم، شعبِ البحرين، على دعوتي لزيارة مملكة البحرين العزيزة، والمُشاركةِ في هذا الملتقى الكبير: «مُلْتقَى الشَّرق والغرب من أجلِ التعايش الإنساني». وإنَّه لملْتقًى تاريخيٌّ لما يضمُّه من قاماتٍ كُبرى من العُلماءِ والحكماءِ وقادَة الفِكْر، وكبار والسِّياسيِّينَ والإعلاميِّينَ وغيرهم من شَرْقِ البلادِ وغربِها.. وهو -كذلك- مُلْتقًى يَسْتحِقُّ أنْ يتوقَّفَ التاريخ عنده ليُسجِّل كلماته وتوصياته بأحْرُفٍ من نورٍ؛ فهو صوتٌ ينبعث من البحرين هذا البلد العريق، صاحب الميراث التَّليد في الجنوح إلى السَّلام والتسامُح وتعايُش الحضارات والثقافات وحواراتها، وتحويل ما يُلائم منها إلى مصدرِ طاقةٍ خلَّاقةٍ ومُبْدِعةٍ تَصُبُّ في اتِّجاهِ الاستقرارِ المجتمعيِّ، والتطوُّر الاجتماعي البَنَّاء..
هذا؛ وما أظنُّني -أيُّها الحفــلُ الكَــريم!- في حاجةٍ إلى أنْ أُكَرِّر على مَسامِعِكم أحاديثَ الصِّراع الذي تعيشُه الإنسانيَّة اليومَ في الشَّرقِ والغَرب، ولا وَصْفَ ثَمَراتِه المُـــرَّة التي يَجنيها إنسانُ القَرْنِ الحادي والعشرين: حروبًا ودماءً وتدميرًا وفقرًا، بل ثُكلًا ويُتْمًا وتَرمُّلًا وتَشْريدًا، ورُعبًا من مُستقبلٍ مجهولٍ، غير أنَّ من المهم الإشارةَ إلى أنَّ سببَ هذه المآسي هو «غياب» ضابط «العدالة» الدوليَّة الذي وضَعَه الله قانونًا لاستقرارِ المجتمعات، وتحقيقِ توازن الإنسان: جَسَدًا ورُوحًا على هذه الأرض، وإلَّا تحوَّلت المجتمعات الإنسانيَّة إلى ما يُشبه مجتمعات الغاب والأحراش.. دَعْ عنكَ ضحايا الحروب التي يَصْنعُها «اقتصاد السُّوق» واحتكارُ الثَّروات، وجشعُ التَّمَلُّكِ والاستهلاك، وتجارةُ الأسلحة الثقيلة والفتَّاكة وتصديرُها إلى بلدانِ العالم الثالث، وما يَلزَمُ ترويجها من تصديرٍ للنِّزاعِ الطَّائفيِّ والمذْهَبيِّ، وتشجيعٍ للفتنةِ والنِّزاعِ، وزعزعةِ الاستقرار..
وثالثة الأثافي أنَّ السِّياساتِ التي تُثْمر هذه المآسي أصبحت تدعمُها نظرياتٌ فلسفيَّةٌ نزلَتْ إلى واقع المجتمعات الغربيَّة، وحكمت تصوُّرات الدول الكُبرى في علاقاتها الدوليَّة مع الشعوب النَّامية والفقيرة، وتأتي في مُقدِّمةِ هذه النَّظريات: نظريَّةُ صِراع الحضارات، ونظريةُ نهاية التاريخ، ونظريةُ العولمة، وكلُّها نظرياتٌ استعلائية تُمهِّد لميلادِ نظامٍ عالميٍّ جديدٍ، وتُمكِّنُ لاستعمارٍ حديث لا نعرف قوادمه من خوافيه، ومنذُ أيَّامٍ قليلةٍ فقط سمعنا تصريحات لأحد كبار المسؤولين الغربيِّين يقولُ فيها ما معناه: أنَّ أوروبا حديقة غنَّاء، والعالـَم من حولها أدغال وأحراش، ومثلُ هذه التصريحات غير المدروسة إنْ دلَّت على شيءٍ فإنَّما تدلُّ على جهلٍ واضحٍ بحضاراتِ الشَّرقِ، وبتاريخِها الذي يضربُ بجذورِه إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وليس إلى ثلاثمائة أو أربعمائة عام فقط..
على أنَّ جُلَّ هذه المخاوفِ التي تُساورُ نفوسَ الشَّرقيِّين اليـوم من الحضارة الغربيَّة، تُساورُ –وبالقدرِ ذاتِه– عقولَ نخبة مُتميَّزة من مُفكِّري الغرب وكبار قادته، فقد أدركَ بعضُهم أنَّ «السِّياسة الغربيَّة لم تَعُدْ مُجْدِيةً في معالجةِ الأزمات العالميَّة، لما تتَّسِمُ به من تشنُّجاتٍ تقومُ على استعراضِ «عضلات السِّلاح المدَمِّر الذي يُهدِّدُ الإنسانيَّة» واقْترحَ أنْ تحلَّ «الثقافة» محلَّ السِّياسة، في العلاقات الدوليَّة، لما للثقافة من قُدْرةٍ على فَهْمِ الإنسان، واستيعاب أبعاده المتعدِّدة: جَسَدًا ورُوحًا وعَقْلًا ووجْدَانًا».
ومَرَّةً أُخرى لا ينبغي أن نيأسَ من أنْ يأتيَ يوم قريب تستعيدُ فيه علاقات الشَّرق والغرب صِحَّتها وعافيتها، لتُصبح علاقةَ تكامُلٍ وتعاون مُتبادَل، بعدما تقاربتْ المسافات وتَلاشَت الحدود، ولم يَعُدْ أيٌّ من الغربِ والشَّرقِ بمعزلٍ عن الآخر كما كان في القرنِ الماضي.
والحقيقةُ: أنَّ الغربَ في حاجةٍ إلى حِكْمَةِ الشَّرقِ وأدْيانِه وما تَربَّى عليه النَّاس من قِيَمٍ خُلُقيَّةٍ، ونظرةٍ مُتوازنة إلى الإنسانِ والكون وخالقِ الكون، وهو في حاجةٍ إلى روحانيَّةِ الشَّرق، وعُمْق نظرته إلى حقائقِ الأشياء، وإلى التَّوقُّف طويلًا عند الحكمة الخالدة التي تقول: «ليس كلُّ ما يَلْمَعُ ذهبًا»، بل إنَّ الغربَ لمحتاجٌ إلى أسواقِ الشَّرقِ وسواعد أبنائه، في مصانِعه في أفريقيا وآسيا وغيرهما، وهو في حاجةٍ إلى الموادِّ الخام المكنوزة في أعماقِ هاتين القارَّتين، والتي لولاها لما وجدت مصانع الغرب ما تنتجه، وليس من الإنصافِ في شيءٍ أن يكونَ جزاء المحسن مَزيدًا من الفقرِ والجهلِ والمرضِ.. والشَّيء ذاتُه يُقالُ على الشَّرقِ، فهو في حاجةٍ إلى اقتباسِ علوم الغرب والاستعانة بها في نهضَتِه التِّقنية والماديَّة، واستيراد المُنتجات الصِّناعيَّة، من أسواقِ الغرب؛ كما يجبُ على الشَّرقيِّين أنْ يَنْظُروا إلى الغربِ نظرةً جديدة فيها شيء من التَّواضُع، وكثيرٌ من حُسْنِ الظَّنِّ والشُّعُور بالجارِ القريب، والفَهْم المتسامح لمدنيَّة الغرب وعادات الغربيِّين بحُسبانِها نتاج ظروف وتطوُّرات وتفاعُلات خاصَّة بهم دفعوا ثمنَها غاليًا عبرَ قرونٍ عِدَّة.
وعلى علماءِ الإسلام ألَّا يَمَلُّوا من توضيح «ما في الدِّين الإسلامي من المبادئ السَّامية، والإخاء البشري والتعاون الإنساني وغيرها من المشتركات التي يتصالح عليها الغربيِّون والشَّرقيِّون ويُرحِّبُونَ بها، وأنْ يحرصوا على تعريفِ الغربيِّين للإسلامِ على حقيقتِه».
كما تجبُ الإشارةِ إلى أنَّ كثيرًا من المسلمينَ هاجروا إلى الغربِ واسْتَوطَنوه، وصاروا جزءًا لا يَتجزَّأُ من نسيجِ شُعُوبِه، كما هاجرت أنماطُ الحياة الغربيَّة وصورها إلى الشَّرقيِّين وغَلَبَتْ على تقاليدِهم وعاداتِهم وسلوكياتِهم الحديثة والمعاصرة، وأثَّرَتْ على مساحة لا يُستهانُ بها في رؤاهم وأنظارهم، بل في مناهج تعليمِهم وطرائق تفكيرِهم.. وغير ذلك مِمَّا يُمهِّدُ، لأنْ تـحلَّ علاقة إنسانيَّة جديدة، تُدرج فيها حضارةٌ هادئة يُحافَظُ فيها على ثقافاتِ الشُّعُوب وخصائصها وتَبايُناتها، بعيدًا عن مَساراتِ الهَيْمَنة الثقافيَّة والحضارات المتصارعة.. وهذا ما يُؤكِّدُه المفَكِّر الفرنسي المعاصر تودوروف تِزْفيتان في كتابِه: «الخوفُ من البَرابرة»، حيث يقول: «إنَّه لا يُمْكِن اعتبار الثقافة الغربيَّة وحدها ذاتَ طابعٍ حضاري، وأنَّها المعيار الذي تتحدَّدُ به ثقافات الآخرين» فأيُّ تدخُّل في ثقافاتِ الآخرين يُعَدُّ إساءة في استخدامِ السُّلْطَة؛ لأنَّه لا يُمْكِن إرساء الحُريَّة والمساواة عبر الإكْرَاه، وإلَّا فلن نختلف عن هؤلاء الذين نَصِفُهُم بأنَّهم [برابرة]».
ولقد أكَّدتْ ذلك في وضوحٍ شديدٍ وثيقةُ «الأخوة الإنسانيَّة»، تلك التي أحْدَثَتْ حِراكًا مَلْمُوسًا -في الشَّرقِ والغرب- وقدَّمَتْ أنمُوذجًا مُتمَيِّــزًا لما ينبغي أن يكون عليه حوار الأديان والحضارات من احترامٍ مُتبادَلٍ وتأثيرٍ فعليٍّ في علاقاتِ الشُّعُوبِ المبنية على التعارُفِ والتعاون والأُخوَّة والسَّلام، وسلَّطتْ الضوء على أهمية العلاقة بين الشَّرق والغرب، وكيف أنَّ لكلٍّ منهما أن يستفيدَ من الآخَر.. وأنا واثقٌ بإذنِ الله من أنَّ مسيرةَ الأُخوَّة الإنسانيَّة والتي يُعَدُّ هذا الملتقى التاريخي على أرضِ البحرين الطيِّبة أحدَ أهمِّ روافدها وأركانها الدَّاعمة سوف تُسهمُ في تعزيزِ هذا التَّقارُب والتَّعارُف بين الشَّرقِ والغرب.. وكيف لا! وقد مثَّل إعلانَ مملكة البحرين للتَّعايُش السلمي خطوة مهمة لتعزيزِ المواطَنة وإعلاء قِيَم التَّسامُح والتَّفاهُم بين النَّاس.
الحفــلُ الكريم!
لدينا اليوم نظريَّةٌ شرقيَّة إسلاميَّة، بديلةٌ لنظريَّة «صِراع الحضارات» تُسَمَّى بنظريَّةِ: «التَّعارُف الحضاري»، حَظِيَتْ في الآونةِ الأخيرة باهتمامِ فريقٍ من المفكِّرينَ والباحثينَ المتميِّزين، وقَدَّمُوها كردِّ فعلٍ مُناقضٍ لنظريَّةِ «الصِّراع الحضاري»، وهي تَعني الانفتاح على الآخَر، وتعرُّفَ كُلٍّ من الطَّرفين على الطَّرفِ الآخَر في إطارٍ من التَّعاونِ وتبادل المنافع، وتمكين الإنسان من أداء الأمانة التي ائتمنَهُ الله عليها، وهي: إعمارُ الأرضِ ومسؤوليته عن إصلاحِها وعدم الإفساد فيها بأيَّةِ صُورةٍ من صورِ الفساد.
وتستندُ هذه النَّظَريَّة إلى كلمةِ «التَّعارُف» الواردةُ في القرآنِ الكريم، كما تستندُ في إطارِها الكُلِّي إلى أُصُولٍ قُرآنيةٍ ثلاثة:
الأصلُ الأوَّل: هو: أنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ عبادَه مُختلِفينَ في العِرْقِ واللَّونِ واللُّغةِ والدِّين، وخصائص أخرى غيرها، وأنَّهم سيبقون مختلفينَ في هذه الخصائص إلى آخرِ لحظةٍ في عُمْرِ هذا الكون "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" [هود: 118].
الأصْلُ الثاني: هو: أنَّه تعالى كما خَلَــقَ الناس مختلفين؛ فلا مَفرَّ من أن يخلقهم أحرارًا فيما يعتقدون، وإلَّا لما تحقَّق الاختلاف الذي جعله سُنَّته في خَلْقِه.. وفي حَقِّ حُريَّةِ الاعتقاد نقرأُ قوله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" [البقرة: 256].. وقوله مخاطبًا رسوله: "أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ" [يونس: 99]، وقوله له أيضًا: "لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر" [الغاشية: 22].
الأصْلُ الثَّالث: إذا كان القرآن الكريم يُقرِّرُ الحقيقتَين السَّابقتَين، وهما: اختلاف الناس، وضمان حُرِّيَّاتهم فيما يعتقدون، فما هو نوع العلاقة بينهم فيما تُقرِّرُه فلسفة القرآن؟! ليس من سبيلٍ لهذه العلاقةِ إلَّا أنْ تكونَ «التعارُف»، الذي رَسَمَهُ الله تعالى إطارًا للمُعامَلات والعلاقات بين النَّاس.. وهذا هو ما نقرأه صريحًا في القرآنِ الكريم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" [الحجرات: 13]، نعم! هو الأَصْلُ الثَّالث المسْتَدل منطقيًّا من الأصلين السابقين، ويمكن صياغته في قاعدة تقول: العلاقة المشروعة بين الناس في القرآن هي فقط علاقة «التَّعارُف والسَّلام»..
وهكذا تترتَّبُ القوانينُ القرآنيَّة لضبط العلاقات الإنسانيَّة في القرآنِ الكريمِ ترتُّبًا منطقيًّا لا مجالَ فيه لتأويلٍ أو تحريفٍ: الاختلافُ في الطَّبائعِ المُستلزِمُ لحرِّيَّةِ الاعتقادِ، المستلزمةِ بدَورِها لعَلاقةِ السَّلامِ بين النَّاسِ.
ومِن هذه النُّصُوص المؤسِّسةُ لمفهومِ الإسلام يتَّضحُ في جلاءٍ أنَّه دِينُ السَّلامِ، ودِينُ حُريَّة الاختلاف في العقيدة، والاختلاف في الرأي، وأنَّه ليس صحيحًا ما يُقـــــالُ وما يُروَّجُ -بينَ الحينِ والآخَرِ- مِن أنَّ سببَ مشروعيَّةِ القتالِ في الإسلامِ هو كُفْرُ الآخَرِينَ، فهذا كذبٌ محضٌ على الإسلامِ وعلى سيرةِ رسولِ الإسلامِ، حتى وإنْ تبنَّى هذا الافتراءَ بعضُ المُنتَسِبينَ إلى هذا الدِّينِ القائمِ على الحُجَّةِ والبُرهانِ، لا على الرِّيبةِ والبُهتانِ..
وفي الختامِ أقول:
إنَّني إذْ أُحَيِّي مَن اختَاروا لملتقانا هذا عنوانَ: الشَّرق والغرب.. من أجلِ التَّعايُش الإنسانيِّ.. فإنَّني أُقَدِّر الظَّرفَ الصَّعبَ الذي يَمُرُّ به عالمُنا المعاصر، وما يُواجِهه من تحدِّياتٍ تهدِّدُ الوجودَ الإنسانيَّ واستقرارَ الشُّعُوب، واسمَحُوا لي حضراتكم أن أتوجَّه من مِنْبَرِ هذا الملتقى التاريخي بنداءين: نداءٍ إلى علماءِ الأديانِ والمفكِّرين والإعلاميِّين بأنْ يبذلوا مزيدًا من الجهد على تربية النَّشء وتثقيف الشَّباب بمشتركاتِ الأديان وتحويلها إلى برامج عِلْميَّة وتربويَّة مُعاصرة، تُعَلِّم الشَّباب بأنَّ الحياةَ -في فلسفةِ الأديانِ- تتَّسِعُ للمخالف في الدِّينِ والعِرْقِ واللَّونِ واللِّسَان، وأنَّ تنوُّع الثقافات يُثري الحضارة الإنسانيَّة ويَبْني السَّلام المفقود.
ثُمَّ بنداءٍ إلى عُلماءِ الدِّين الإسلامي في العالم كلِّه على اختلافِ مذاهبهم وطوائفهم ومدارسهم، إلى المسارعة بعقدِ حوارٍ (إسلامي إسلامي) جاد، من أجلِ إقرار الوحدة والتَّقارُب والتَّعارف، حوارٍ من أجل الأُخوَّة الدينيَّة والإنسانية، تُنبَذُ فيه أسباب الفُرقة والفتنة والنِّزاع الطَّائفي على وجْهِ الخصوص، ويُركَّز فيه على نقاطِ الاتِّفاق والتَّلاقي، وأنْ يُنصَّ في قراراتِه على القاعدةِ الذهبيَّة التي تقول: يَعْذُرُ بعضُنا بعضًا فيما نختلفُ فيه، كما يُنصُّ فيه على وقفِ خطابات الكراهية المتبادلة، وأساليب الاستفزاز والتَّكفير، وضرورة تجاوز الصِّراعات التاريخيَّة والمعاصرة بكلِّ إشكالاتِها ورواسبها السَّيْئة، وهذه الدَّعوة إذ أتوجَّهُ بها إلى إخوتِنا من المسلمين الشِّيعة، فإنَّني على استعدادٍ، ومعي كبارُ علماء الأزهر ومجلس حكماء المسلمين، لعقدِ مثلِ هذا الاجتماع بقلوبٍ مفتوحةٍ وأيدٍ ممدودة للجلوسِ معًا على مائدة واحدة؛ لتجاوز صفحة الماضي وتعزيز الشأن الإسلامي ووحدة المواقف الإسلاميَّة، التي تتَّسِمُ بالواقعيَّة، وتُلبِّي مقاصد الإسلام وشريعته، وتُحرِّمُ على المسلمينَ الإصغاء لدعوات الفُرقة والشِّقاق، وأنْ يحذروا الوقوع في شَرَكِ العبث باستقرار الأوطان، واستغلال الدِّين في إثارةِ النَّعرات القوميَّة والمذهبيَّة، والتدخُّل في شؤونِ الدول والنَّيْلِ من سيادتها أو اغتصاب أراضيها.
وبهذه المناسبة ومن هذا الملتقى الذي يحتضنُ حوارَ الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني فإنني أضمُّ صوتي إلى صوتِ محبِّي الخير ممن يدعون إلى السَّلام ووقف الحرب الروسية الأوكرانية، وحقن دماء الأبرياء مِمَّن لا ناقةَ لهم ولا جَمَل في هذه المأساة، ورفع راية السَّلام بدلًا من راية الانتصار، والجلوس إلى دائرة الحوار والمفاوضات، كما أدعو إلى وقف الاقتِتال الدائر في شتَّى بقاع الأرض «لإعادة بناء جسور الحوار والتفاهم والثقة» من أجل استعادة السَّلام في عالم مُثخَن بالجراح؛ وحتى لا يكون البديل هو المزيد من مُعاناةِ الشُّعُوب الفقيرة، والمزيدُ من العواقب الوخيمة على الشَّرقِ والغربِ معًا.
شُكْرًا لِحُسْنِ اسْتِماعكُم.. والسَّلام عَليكُم وَرَحـْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه