موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الأربعاء، ٢٨ مايو / أيار ٢٠٢٥
الكاردينال كوواكاد: المصالحة والمرونة كنزان روحيان لصناعة السلام

فاتيكان نيوز :

 

في أجواء من التلاقي الروحي والانفتاح بين التقاليد الدينية، شارك الكاردينال جورج جاكوب كوواكاد، عميد دائرة الحوار بين الأديان، في افتتاح الندوة البوذية المسيحية الثامنة التي تُعقد من 26 وحتى 30 أيار 2025 في المركز الرعوي الكاثوليكي في العاصمة الكمبودية بنوم بنه، تحت عنوان: "البوذيون والمسيحيون يعملون معًا من أجل السلام من خلال المصالحة والمرونة".

 

وعبّر الكاردينال كوواكاد في كلمته عن "الفرح والشرف العميقين" للمشاركة في هذا اللقاء الذي وصفه بـ"الفسحة المقدسة" التي تجمع بين ممثلي ديانتين عريقتين، لا كخصوم فكريين أو عقائديين، بل كـ"زملاء حجاج" يشتركون في التزام مشترك من أجل السلام العالمي.

 

وشدّد على أهمية المصالحة والمرونة كقيمتين جوهريتين في البوذية والمسيحية، قادرتين على بناء عالم أكثر عدلاً ورحمة في ظل التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي، من حروب ونزاعات، إلى تغيّر مناخي وفقر متزايد. وقال: في عالم يمزقه العنف والصراع، ويثقل كاهله الظلم والفقر والتدهور البيئي، يمثل لقاؤنا هذا للقادة الروحيين والممارسين الروحيين علامة رجاء قوية. وإذ نتّحد بالإيمان والإحساس المشترك بالمسؤولية، نجتمع لنشهد على قوة الدين الشافية في عالم يزداد اضطرابًا.

 

تابع الكاردينال كوواكاد يقول: لا يسعني إلا أن أفكر في أولئك الأكثر تضررًا من الحرب والظلم - أولئك الذين يعانون بشكل مباشر وأولئك الذين سئموا من العناوين اليومية المشبعة بالمآسي وابتعدوا في يأس. لا يمكن إنكار حقيقة المعاناة الناجمة عن العنف والإجحاف وعدم المساواة.  وكذلك الصمت واللامبالاة اللذان غالبًا ما يحدثان عندما يصبح المرء معتادًا على صرخات النازحين والمستغلين والمهمشين.  ومع ذلك، فإن محنة المهاجرين، والأزمة المناخية المتفاقمة، وتآكل الكرامة الإنسانية جميع هذه الأمور تستدعي استجابة ترتكز على التعاطف والواجب الأخلاقي.

 

أضاف: نحن لا ينقصنا الرجاء أو الموارد للاستجابة لهذا النداء. وتوفر مناقشاتنا فرصًا قيّمة للاستماع إلى الروايات الإيجابية لبناء السلام وتوسيعها، بما في ذلك تلك التي تنشأ من القاعدة الشعبية. إنَّ تقاليدنا الروحية تقدم لنا رؤية ورسالة: فهي تدعونا إلى رفض اللامبالاة والقيام بمهمة صنع السلام الصعبة. كما إنها تتحدانا لكي نختار المصالحة على الانتقام، والمرونة على الاستسلام. فالسلام، كما نعلم، ليس مجرد غياب الصراع؛ وإنما هو، قبل كل شيء، عطيّة - عطيّة فاعلة ومحوِّلة. وفي كلمته إلى السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي، قال البابا لاوُن الرابع عشر "في الرؤية المسيحية –كما في العديد من الخبرات الدينية الأخرى– يُعدّ السلام أولاً عطية، إنه أوّل عطية يمنحها المسيح لتلاميذه: "السلام أستودعكم وسلامي أعطيكم". ولكنّه عطية حيّة وفاعلة، تُشرك كل واحد منا وتهمّه وتُلزمه، بغض النظر عن خلفيته الثقافية وانتمائه الديني، وتتطلّب بداية عملاً داخلياً على الذات. إنَّ السلام يُبنى في القلب، ومن القلب يبدأ، إذ لا سبيل إليه بدون اجتثاث الكبرياء والادعاءات، وبدون تخفيف اللهجة وتلطيفها، إذ يمكن للمرء أن يؤذي ويقتل بالكلمات أيضًا، وليس فقط بالسلاح". بهذه الكلمات يعيد البابا لاون الرابع عشر التأكيد على السلام كأحد الركائز الأساسية الثلاثة لنشاط للكنيسة الإرسالي. إن هذا الاتساق في التقليد الكاثوليكي يذكّرنا بالتزام البابا فرنسيس بالسلام في رسالته وخدمته الرعوية. حتى أن رغبته في السلام تتردد في السطور الختامية لوصيته الروحية: "إن الآلام التي طبعت الجزء الأخير من حياتي، أقدّمها للرب من أجل السلام في العالم والأخوّة بين الشعوب". أود أيضًا أن أغتنم هذه الفرصة لأقدم امتناني للعديد من عبارات التضامن والمواساة التي تلقيتها - من خلال التعازي والصلوات وبوادر القرب - خلال فترة آلامه ورحيله.

تابع: وبينما نبدأ هذه الأيام من الحوار والتأمل المشترك، عسى أن نصغي بعمق لبعضنا البعض ونستقي من الحكمة الروحية لكتبنا المقدسة وخبراتنا الحية. معًا، كبوذيين ومسيحيين، لنكتشف معًا كيف يمكن للمصالحة والمرونة أن تساعدا في تشكيل مجتمعات مسالمة ورحيمة - اجتماعيًا وروحيًا وبيئيًا وعالميًا. في الواقع، تقدم المصالحة والمرونة ترياقًا قويًا لثقافة الانقسام والدمار التي تهدد نسيج إنسانيتنا المشتركة. تدعونا هذه الكنوز الروحية إلى أن نصبح حرفيين في التعافي، ومصلحين للعلاقات، وزارعين للوئام عبر الحدود الدينية والثقافية والاجتماعية. لنمضِ قدمًا بقناعة وتواضع، ونسمح لروح هذه الندوة بأن تلهمنا صداقة متجددة وتفاهمًا أعمق والتزامًا مشتركًا بالسلام - ليس فقط من أجل أنفسنا، وإنما أيضًا وبشكل خاص من أجل أولئك الأكثر تضررًا من الحرب والعنف والاستغلال.

 

وخلص الكاردينال كوواكاد إلى القول: أختتم بكلمات البابا لاون الرابع عشر القوية التي قالها منذ أيام قليلة لممثلي الكنائس والطوائف الدينية الأخرى: أنا على يقين أنّه، إذا توافقنا وتحرّرنا من كلّ نزعة إيديولوجية أو سياسية، يمكننا أن نُسهم بفعالية في قول "لا" للحرب و"نعم" للسلام، "لا" لسباق التسلّح و"نعم" لنزع السلاح، "لا" لاقتصاد يُفقِر الشعوب والأرض و"نعم" للتنمية المتكاملة. عسى أن تؤتي هذه الندوة ثمارها في تعاون متجدد، وروابط متينة، وإجراءات ملموسة من أجل عالم أكثر سلامًا ومصالحة.