موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"هدفُنا واضحٌ: تهيئةُ البيئةِ التي يتعايش فيها الناسُ من جميعِ الأديانِ بانسجامٍ، حيثُ يتمُّ الاحتفال بالتنوّع، وحيثُ تسود مبادئُ العدالة والمساواة".
أيها الأحباء، أخواتٍ وإخوةً،
كم سرَّني أن أقرأَ هذه الكلماتِ في الورقة التأطيرية لمؤتمرنا حولَ "الإسلاموفوبيا في دائرةِ الضوء: كشفُ التحيز وتحطيمُ الوصْمات"، التي ينفتحِ من خلالها على جميع الأديان، معَ تركيزه بالطبع على ظاهرةٍ تختص بالإسلام.
لم أتردد في قَبول دعوة منظمي ملتقانا هذا لأكثرَ من سبب، على رأسِها الوفاءُ للعديد من الأصدقاء المسلمين الذين التقيتهم في الأردن حيث وُلدت وترعرعت، وفي فِلسطين حيثُ درست وعملت، ومن ثم في عشرات البلدان التي زرتها ضمن رسالتي في دائرة الحوار بين الأديان بالفاتيكان لمدة ثلاثين سنة، في قسم الحوار معَ المسلمين. هؤلاءِ الإخوةُ والأخوات المسلمون أحاطوني بمحبتِهم ومودتِهم وكرمِهم، فعليّ واجبٌ مضاعَف أنْ أقولَ كلمةَ حقٍ عنهم، أولاً من باب الأمانة للحقيقة، ومن ثم تعبيرًا عن عرفاني وشكري كما ذكرت. وكما هو معلوم، فالشكرُ لله ولعباده الطيبينَ مترابطان. ويسرّني، في هذا السياق، أن أشكرَ منظمي هذا اللقاء على دعوتي لحضوره، معَ إعلامي لهم عن انتهاء مهمتي الرسمية وعن استمرارها على الصعيدِ الشخصيّ.
لا يختلفً اثنان على أنَّ الثقةَ أساسُ التعاملِ بين الناس. وكم يؤلمني أن لا يَمنح بعضُ الناس هذه الثقةَ لغيرهم بسبب انتمائهم الديني، وأن ينظروا إليهم بريبة، ويطلقوا عليهم الأحكام المسبقة، ويحشروهم في صورة نمطية، ويهمشوهم، ويحرموهم من حقوق أساسية كالعناية الطبية والدراسة والعمل والاندماج في المجتمعات التي أتوا إليها مهاجرين هربًا من الحروب أو الفقر أو الجوع أو الاضطهاد. وهذا للأسف ما يحدث للمسلمين في كثير من الحالات وفي العديد من الدول، من خلال ظاهرة الإسلاموفوبيا، أي الخوفُ أو الرهاب من الإسلام والمسلمين. لهذا أود أن أعبّر لكم، إخوتي المسلمين، عن قربي منكم وتكاتفي معكم بسبب هذا الظلم الواقع عليكم.
ولا يقتصر ضررُ الإسلاموفوبيا على الجماعات المسلمة، بل يتعداها إلى المجتمعِِ الواسع الذي سيعاني من الانقسامِ والاستقطاب وخسارةِ الإسهام الفاعل لأحد مكوّناته في استقراره ونموّه وازدهاره.
لا يخفى على أحدٍ كذلك الضررُ البالغ الذي ألحقته بالإسلام والمسلمين قلة ضئيلة منهم اتخذت التطرفَ والعنف سبيلاً لفرض رؤيتها للدين وبحجة الدفاع عنه، كالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف بداعش. وكانت ضحاياها من المسلمين وغير المسلمين، ولو بتبريرات مزعومة مختلفةٍ في كل حالة. لم تتوانَ مؤسساتٌ ومنظمات وهيئات إسلامية ومفكرون مسلمون عن دحض تلك الادعاءات، كما انظمّت دولٌ إسلامية عديدة إلى التحالف الدولي الذي حارب داعش وانتصر عليه. كما تمّ تأسيسُ التحالفِ الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب عام 2015، بهدفِ توحيد جهودِ الدولِ الإسلامية في مواجهة هذه الآفة.
وإذا سألتموني هل أخاف من المسلمين، أجيبكم: لا. لا أخاف المسلمَ المؤمنَ بالله وباليوم الآخر والذي يصوم ويصلي ويستغفر ويغفر ويزكّي ماله ويحِج ويتصدق على الفقير ويصل الأرحام ويعدِل ويفشي السلام، ويحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه. ولكن أخاف -كما تخافون- المسلم المتشدد المتطرف الذي يمارس العنف باسم الدين، وكذلك الذي يوظّف الدين لأهداف سياسية، والذي لا يحترم حياةَ غيره وكرامتَهم وحقوقَهم وضمائرَهم وحرياتِهم، ويحاول ارجاع عقارب الساعة إلى الوراء لإحياء ممارسات غير مقبولة كالسبي والجزية، كما فعلت داعش.
علاجُ آفة الإسلاموفوبيا ضروريٌ على أكثرَ من صعيد وفي أكثرَ من مساحة: في البيتِ والمدرسة والجامعة وأمكنة العمل، وفي القوانين وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وفي الفضاء الالكتروني.
تعزيزُ الأخوّة الإنسانيةِ والإيمانية دواء للإسلاموفوبيا ولكل الظواهر والممارسات السلبية بحق الأديان وأتباعها، كمعاداة السامية واضطهاد المسيحيين أو الكريستيانوفوبيا. في هذا السياق كرر البابا الراحل فرنسيس مرارًا بأنَّ المسحيين هم الجماعةُ الدينية الأكثرَ تعرضا للاضطهاد. وأودَ أن أقترح على المنظمين الرئيسيين لهذا المؤتمر أن يفكروا بملتقى شبيه بهذا عن معاداةِ السامية والكريستيانوفوبيا والإسلاموفوبيا، يتناول هذه الظواهرَ مجتمعةً وأسبابَها ويطرحُ الحلولَ وطرق العلاج.
أذكرُ كذلك الانعكاساتِ الطيبةِ على الإسلام وأتباعه لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني، وكذلك لتعهّدِ وليِ العهد السعودي، الأميرِ محمدٍ بن سلمان، بإعادة "إسلام وسطي معتدل" إلى المملكة.
ومن الضروري كذلك مراجعةُ المناهج المدرسية على مستوى العالم لتكون نقيةً من أيِ أثرٍ لمعاداة السامية والحث على اضطهاد المسيحيين -الكريستيانوفوبيا- والإسلاموفوبيا، ولتكونَ، على العكس، معزِّزة للاحترام المتبادَل وللأخوّةِ والمحبة.
كم كانت فرحتي كبيرةً بحضورِ لقاء قداسةِ البابا لاوُنَ الرابعَ عشَر مع الوفود من الكنائس والجماعات المسيحية وممثلي الأديان الأخرى في التاسعِ عشرَ من الشهر الجاري، أي في اليوم التالي للبداية الرسمية لحبريته، مستشهدًا ببعض ما قال: "أريدُ توجيهَ تحيّةٍ خاصّةٍ إلى الإخوة والأخوات اليهود والمسلمين... أمّا العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكيّة والمسلمين، فقد تميّزت بالتزام متزايد من أجل الحوار والأخوّة، مدفوعًا بالتّقدير للإخوة والأخوات «الذين يعبدون الإلهَ الواحد، الحيَّ القيّوم، الرّحيمَ القدير، خالقَ السّماء والأرض، الذي تكلّم إلى البشر» (الوثيقة المجمعية في عصرنا Nostra aetate، رقم 3). هذا النّهجُ، المبنيُّ على الاحترامِ المتبادَل وحريّةِ الضّمير، يُشكِّل أساسًا متينًا لبناءِ الجسورِ بين جماعاتنا".
لكم من اللهِ تعالى الرحمةُ والبركات ومني أطيبُ السلام.