موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٦ ابريل / نيسان ٢٠٢٤
عظة البطريرك ميناسيان في قداس الذكرى التاسعة بعد المئة للإبادة الأرمنية

وكالات :

 

لمناسبة الذكرى التاسعة بعد المئة للإبادة الارمنية، ترأس البطريرك روفائيل بدروس الحادي والعشرون ميناسيان كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك، الذبيحة الإلهية في باحة مدرسة القديس غريغوريوس المنور في الجعيتاوي وعاونه لفيف من أصحاب السادة المطارنة والآباء الكهنة والشمامسة.

 

شارك في القداس، البطريرك مار إغناطيوس الثالث يونان، بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، المونسنيور بيير أبي صالح ممثلا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والمطران بولس عبد الساتر، المطران دانيال كورية، راعي أبرشية بيروت للسريان الارثوذكس ممثلا البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، المطران جورج بقعوني، راعي أبرشية بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الملكيين الكاثوليك، ومطارنة وكهنة من مختلف الكنائس إلى جانب الحضور الرسمي والشعبي.

 

وبعد الإنجيل المقدس ألقى البطريرك روفائيل بدروس الحادي والعشرون ميناسيان عظة قال فيها:

 

"لقد نفذت كل الكلمات والتعابير والأمثال أمام هذه الابادة والقمع الجماعي لشعب اعطى العالم من كل ما في الفكر من حيوية وعطاء من الانفتاح إلى الشهادة والى السلام لم يبق لديه سوى الرجوع إلى الجذور التي نبت منها وهي جذور الديانة المسيحية التي تكمش بها ودفع ثمنها بدمه برق وحياته. لم يبقى له غير كلام المسيح في التطويبات: طوبى للحزانى فإنهم يعزون طوبى للساعين إلى السلام فإنهم أبناء الله يدعون طوبى للمضطهدين على البر فإن لهم ملكوت السماوات.

 

هذه هي مميزات وقيم هذا الشعب الأبي، الشعب الارمني الساعي للسلام والسلام يهرب منه، يقاوم الاضطهادات ويبقى المضطهد الوحيد أمام أنظار العالم. ولو عوقب ذاك الجرم في بدايته لما كانت الشعوب اليوم تنكل وتقتل وتنفى في الصحاري مثلما فعلوا في الماضي بالشعب الأرمني اي فينا نحن، ولا يزالوا حتى أيامنا هذه يعملون بكل جهد لجرنا إلى العنف والاجرام نحن، أولاد واحفاد هؤلاء الشهداء، رغم كل المساعي التي لا يزال يقدمها هذا الشعب الباسل ولكنها بدون جدوى بأن ضمائر الشعوب اليوم متخدرة ونائمة في سباق عميق. نعم، نحن أبناء السلام وللسلام نعمل وطريقه نعلم وسنكمل سعينا بالمحبة والانفتاح، بالتضحية والعطاء. نحن أبناء السلام والسلام نستقيه من نبعه الإلهي. الله هو ينبوع السلام وهو الذي قال:" طوبى للساعين إلى السلام فإنهم أبناء الله يدعون. نعم أخوتي وأخواتي الاحباء، من المجتمع اللا-أخلاقي، ونعود إلى جذورنا الطاهرة، إلى خالقنا الذي خلقنا على صورته ومن روحه نفخ فينا، فمن خان هذا العهد خان خالقه وانا اكيد بأن الارادة للسلام لا تزال فينا حية جميعا مسلمين ومسيحيين فما علينا الا النظر إلى الأعالي والتمسك به المخلص الوحيد وبروحه القدوس سننتصر على الشر السائد في هذا العالم.

 

وفي نهاية القداس، ألقى المونسنيور باتريك موراديان، النائب البطريركي العام لأبرشية بيروت البطريركية كلمة بالمناسبة جاء فيها:" اليوم، تحول قلب الأمّة ألأرمنية الى مذبح مرة أخرى، وبكل خوفٍ وجللٍ نستذكر الذكرى العطرة لمليون ونصف المليون من شهدائنا، الذين ماتوا من أجل الإيمان المسيحي، من أجل الأمة والوطن. كلمة "شهادة" تعني بذل الذات. فعندما نحتفل بالذبيحة الإلهية لذكرى ولمجد الشهداء، هذا يعني بانه يوجد علاقة وثيقة بين ذبيحة المسيح والشهداء. كل أمة تحترم شهدائها. هؤلاء ضحوا بحياتهم في سبيل وطنهم، وترابه، ومن اجل كرامته وأيمانهم به. لكن الشهادة الأرمنية تختلف وذلك بسبب الهمجية، والوحشية والقسوة للإبادة الأرمنية. لا يوجد في الكنائس المسيحية جمعاء مثال يمكن مقارنته بالاستشهاد الذي تعرض له الأرمن. إن أعداد الشهداء العديدة تثبت بوضوح أن ما حدث كان إبادة جماعية".

 

وأضاف: "تاريخنا هو تاريخ شعب شهيد، وقائم من بين الاموات. خلال الحرب العالمية الأولى، وقعت أكبر مأساة في التاريخ الأرمني الحديث. فخلال السنوات الأخيرة من عمر الإمبراطورية العثمانية، قررت حركة "تركيا الفتاة" إبادة العرق الأرمني. في تلك الأيام، كان يعيش مليوني أرمني في المقاطعات الست لأرمينيا التاريخية وفي مختلف مدن الإمبراطورية العثمانية. بدأت إبادة الشعب الأرمني في ٢٤ نيسان ١٩١٥، باعتقال ونفي نخبة من المثقفين والأرمن البارزين في اسطنبول. كما تمت محاكمة العديد منهم وشنقهم. العثمانيون الاتراك تنفيذًا لمخططهم الشرير حكموا على مليوني أرمني بالأجلاء والنفي والمعاناة القاسية والموت. ولا يمكن وصف ذاك الشر إلا بأنه "جهنمي"، لأن الشيطان هو الشرّ بحد ذاته وأبو الكذب. لا يمكن للخيال البشري وصف المعاناة والاضطهاد الذي عانى منه الشعب الأرمني محتملاً بكل رضًا ذلك على أرضه الأم، أي على أراضي أرمينيا الغربية ومن ثم على كامل مساحة كيليكيا. مليون ونصف المليون من الشعب الأرمني استشهدوا من اجل محبتهم للمسيح. أولئك اختاروا وبدون أي تردد الموت على ان ينكروا أو يبدّلوا ديانتهم، اختاروا الموت ولم يتخلّوا عن إيمانهم المسيحي. في تلك الأيام ارتجف العالم من تلك الفظاعة ولكنه ظلّ صامتًا.

 

وحده قداسة البابا بندكتس الخامس عشر رأس الكنيسة الكاثوليكية، في ٦ كانون الأول ١٩١٥، رفع صوته بقلب مثقل بالألم لوقف تلك الابادة والاستشهاد الذي تعرضت له الأمة الأرمنية وأدان العمل الأسود للقائمين به بالشهادة التالية: "إنّ الأمة الأرمنية البائسة تقاد إلى الفناء". وعلى الفور أرسل البابا رسالة الى السلطان محمد الخامس، عبر سفيره في إسطنبول، "يطلب فيها إنقاذ الأبرياء الباقين. إلا أن طلعت باشا اتخذ كافة الإجراءات حكي لا تصل الشكوى إلى السلطان. وبعد مرور ثلاثة أشهر فقط علم السلطان بالأمر، لكن خطة الإبادة كانت متقدمة جدًا. كما ولاحظ السلطان أن الادعاء المقدّم من قداسته كان صارما للغاية. وخلال جلسة الاستماع إلى ممثلين عن الشعب الأرمني في روما، أعلن البابا بندكتس الخامس عشر والدموع في عينيه ما يلي: "لقد علمنا بالحادث بعد فوات الأوان، لكننا وجهنا كلمة إدانتنا". وفي مذكرة السلام التي قدمتها الأمم طالبوا فيها أيضًا بالحل العادل للأمة الأرمنية كشرط للسلام الدولي. نعم، لقد كانت الحكومة العثمانية مصممة على إبادة الشعب الأرمني. لكن قرار الله كان مغايرًا فالله لا ينسى الظلم التي تعرض له الشعب الأرمني.

 

وبعد مرور قرن على ذلك التاريخ، في عام ٢٠١٥، وفي الذكرى المئوية للإبادة، في روما، أعلن البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكية من تحت قبّة كاتدرائية القديس بطرس، للعالم أجمع صوت الحقيقة، مؤكدا أن ما حدث قبل مائة عام "هذه أول إبادة جماعية ترتكب في القرن العشرين". وفي نفس التاريخ ومن الكرسي الأم المقدّس في إتشميادزين، أعلنت الكنيسة الأرمنية رفع الى مصاف القديسين شهداء الابادة الأرمنية. وتابع: "لا يمكننا أن ننسى من ناحية الاستشهاد والتهجير، ومن ناحية أخرى، الشر الذي ارتكب ضد اللغة والثقافة والعقيدة الأرمنية، واقتلاع أمة بأكملها من أراضي أجدادها، لا يمكننا أن ننسى، حتى بعد مرور قرون. يجب أن يعلم مرتكب الإبادة الجماعية والمجتمع الدولي أن الأمة الأرمنية ستستمر في المطالبة بحقوقها العادلة بغض النظر عن الظروف المحيطة بنا، مهما كانت السنوات طوال قد تبعدنا عن تاريخ الإبادة الجماعية الأرمنية. ومن الواجب الأخلاقي للمجتمع الدولي أن يعترف بالظلم التاريخي الذي تعرض له السكان المدنيون الأرمن". في الختام، وضعت الاكاليل على النصب التذكاري لشهداء الارمن.