موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٥ أغسطس / آب ٢٠٢٢
عظائم الله في مريم

البطريرك بشاره بطرس الراعي :

 

"تعظّم نفسي الربّ، لأنّ القدير صنع بي عظائم" ( لو 1: 46 و49)

 

هذا النشيد أطلقته مريم العذراء، في بيت أليصابات، حالًا بعد بشارة الملاك جبرائيل لها (راجع لو 1: 38-39). وقد أصبح صلاة الكنيسة وكلّ مؤمن ومؤمنة. إنّه نشيد نبويّ قالته مريم بوحي من الروح القدس الذي كان يملأها. وراحت الكنيسة، بالإستناد إلى كتابات آبائها القدّيسين، والدراسات اللاهوتيّة، والتقليد المتكامل، تستخرج عظائم الله في مريم، وتعلنها عقائد إيمانيّة في مجامعها المسكونيّة. فها نحن اليوم في عيد انتقالها بالنفس والجسد إلى المجد السماويّ، "نعظّم معها الله القدير الذي صنع فيها العظائم" (راجع لو 1: 46 و49).

 

لقد تتوّجت عظائم الله في مريم أمّ يسوع، إبن الله المتجسّد، مخلّص العالم وفادي الإنسان، بإنتقالها بالنفس والجسد إلى السماء، وبتكليلها من الثالوث القدّوس سلطانة السماوات والأرض. وهذه عقيدة إيمانيّة أعلنها المكرّم البابا بيّوس الثاني عشر في أوّل تشرين الثاني سنة 1950.

 

أمّا ما سبقها من عظائم كانت أساس إنتقالها فهي:

 

أ- الحبل بلا دنس: إختيار الله لها في سرّ تدبيره الخلاصيّ لتكون أمّ ابنه مخلّص العالم فعصمها من دنس الخطيئة الأصليّة منذ اللحظة الأولى لتكوينها في حشى أمّها، وملأها نعمة مكّنتها من التجاوب مع تدبير الله بكلمة "نعم" ومن تكريس ذاتها له بطاعة الإيمان. إنّ عقيدة الحبل بلا دنس أعلنها البابا الطوباويّ بيّوس التاسع في 8 كانون الأوّل 1854. هذا يعني أنّ كلّ كائن بشريّ يتكوّن بالحبل في بطن أمّه، هو شخص بشريّ له فرادته، معروف من الله ومراد ومحبوب. لذلك، فإن التعدي على الاجنّة كالتعدي على اي انسان، مع الفرق ان هذا الجنين لا يستطيع الدفاع عن نفسه.

 

ب- بتوليّة مريم العذراء قبل ولادة ابنها وأثناءها وبعدها: إنّها دائمة البتوليّة كما علّمت المجامع المسكونيّة (المجمع اللاتراني سنة 649؛ المجمع الفاتيكانيّ الثانيّ في الدستور العقائديّ في الكنيسة، 57). لقد كرّست مريم نفسها وجسدها لإرادة الله الخلاصيّة، ولشخص إبنها وسرّ الفداء كأمة للربّ (لو 1: 38). وحبلت بابنها، وهي عذراء بقدرة الروح القدس، كما أعلن المجمع اللاتراني سنة 649. وسبق أشعيا وتنبّأ قبل 500 سنة: "هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا يدعى عمانوئيل اي الله معنا" (أش 7: 14؛ متى 1: 23).

 

ج- أمومة مريم الإلهيّة: علّمت الكنيسة في مجمع أفسس المنعقد سنة 431 أنّ الذي حبلت به مريم كإنسان بقوّة الروح القدس، وأصبح حقًّا ابنها في الجسد، هو ابن الآب الأزليّ، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس وبالتالي مريم هي حقًّا أمّ الإله (Theotokos). ولأنّها أمّ يسوع فهي أمّنا نحن أيضًا الذين أصبحنا بموته وقيامته أعضاء جسده، وإخوته بالنعمة.

 

د- أمومة مريم الروحيّة للبشر: تسلّمت مريم أمومتها الروحيّة لجميع البشر بشخص يوحنّا، من ابنها يسوع من على الصليب: "يا امرأة هذا ابنكِ. يا يوحنّا هذه أمّك" (يو 19: 26-27)؛ إنّ يسوع إبن مريم جعله الله بكرًا لإخوة كثيرين (روم 8: 29)، وهم المؤمنون والمؤمنات الذين تعاون أمّ الإله بحبّ الأمّ في ولادتهم وتنشئتهم، كما يعلّم المجمع الفاتيكاني الثاني (الدستور العقائديّ في الكنيسة، 63).

 

ه- مشاركة مريم في آلام الفداء الذي يحقّقه ابنها يسوع لخلاص البشريّة جمعاء. وهكذا في مخاض الآلام، وابنها معلّق على الصليب، تسلّمت أمومتها للبشر أجمعين. ولهذا السبب، مريم مكرّمة في جميع الأديان.

 

كلّ هذه العظائم التي حقّقها الله القدير في مريم، جعلت منها، وهي البتول والأمّ معًا، صورة الكنيسة. فالكنيسة بقبول كلمة الله بأمانة، هي أمّ. وتلد بالكرازة والمعموديّة أبناء وبنات لحياة جديدة غير مائتة. وهي بتول تحفظ، بشكل شامل ونقيّ، الإيمان الذي أعطته لعريسها، كما جاء في تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني (الدستور العقائديّ في الكنيسة، 63-64).

 

فليكن عيد الإنتقال دعوة لكلّ إنسان، كي يرتفع من أسر أهوائه ومصالحه الشخصيّة والفئويّة، إلى قمم الروح لينظر نظرة مريم إلى معنى تاريخ البشر ويعمل على دمجه مع تاريخ الخلاص. ومعها نرفع نشيد التعظيم والتهليل للثالوث القدّوس، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.