موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٧ يوليو / تموز ٢٠٢٥
"صوت قال لي: لا تخافي"... المعجزة الـ72 المعترف بها في لورد

أبونا :

 

تم تقديم أنطونيا راكو، وهي امرأة إيطاليّة تبلغ من العمر 67 عامًا، كانت تُعاني منذ فترة طويلة من مرض تنكسي عصبي غير قابل للشفاء، رسميًّا إلى وسائل الإعلام في 25 تموز في لورد، حيث تم الاعتراف بشفائها باعتبارها الثانية والسبعين المنسوبة إلى شفاعة العذراء، منذ الظهورات المريميّة عام 1858.

 

كانت راكو قد شُخّصت عام 2006 بمرض التصلب الجانبي الضموري، وهو مرض متفاقم ومُميت، غير أنها اختبرت شفاءً عجز الطب عن تفسيره. وقد أُعلن عن هذه الحالة رسميًّا من قبل مزار لورد في 16 نيسان الماضي، بعد 16 عامًا من الأبحاث الطبيّة والقانونيّة والرعويّة.

 

 

🡄 لا تخافي!

 

وراكو، هي أمٌ وعضوة نشطة في رعيّة بازيليكاتا بجنوب إيطاليا، كانت تُعاني من هذا المرض منذ سنوات، عندما سافرت إلى لورد عام 2009. وروت خلال المؤتمر الصحفيّ في لورد، الذي عُقد بحضور مسؤولين دينيين وطبيين: "لطالما رغبتُ في زيارة لورد منذ أن كنتُ صغيرة". وقد تحققت هذه الأمنية في ذلك الصيف، عندما سافرت وزوجها أنطونيو إلى المزار، ضمن رحلة حج نظمته جمعية الحج "يونيتالسي" الإيطاليّة.

 

لكن التجربة لم تكن كما تخيّلها: لقد وصلت إلى هناك على كرسي متحرك، وكانت تُعاني بالفعل من صعوبة في التنفس والبلع. وفي اليوم الثاني، اصطحبها المتطوّعون إلى أماكن الاستحمام في المزار. وتتابع قائلة: "صلّينا معًا. وحينها سمعتُ صوتًا شابًا جميلًا يُردّد ثلاث مرات: "لا تخافي!".

 

في تلك اللحظة، ارتدت راكو وشاحًا أبيضًا وثياب "فرسان لورد" - وهم مقدّمو الرعاية المتطوّعون الذين تنضم إليهم اليوم كل عام، لمساعدة المرضى بنفس الشغف الذي اختبرته. وتقول متأثرة: "في تلك اللحظة، انفجرت بالبكاء، ورفعت الصلاة من أجل النوايا التي حملتها معي".

 

 

🡄 حدث شيء ما

 

وصفت راكو شعورًا مفاجئًا بألم حاد في ساقيها أثناء نزولها إلى الماء، كما لو أنها "انتُزعت مني". ورغم وقع اللحظة، لم تُفصح عمّا حدث لأي أحد خلال إقامتها، وعادت إلى المنزل على كرسي متحرّك. وهناك، في غرفة المعيشة مع زوجها أنطونيو، سمعت مجددًا الصوت ذاته الذي كانت قد سمعته في لورد، يهمس لها: "أخبريه! نادِه!".

 

ومُستجيبةً لهذا الصوت، نادت على زوجها الذي كان قد دخل المطبخ لتوّه، وقالت له: "لقد حدث شيء ما". وفي تلك اللحظة، وقفت على قدميها دون مساعدة، للمرّة الأولى منذ سنوات. غمرتهما مشاعر لا توصف، فتعانقا وبكيا معًا حين أدركا أنها قد شُفيت بالفعل.

 

ورغم فرحها الغامر، لم تكن راكو متأكدة في البداية من كيفية التحدّث عن تجربتها. وبعد تردّد، لجأت إلى كاهن رعيّة في أبرشيتها تورسي-لاغونيغرو في بازيليكاتا، الذي شجعها على الخضوع لتقييم طبي. وبعد فترة وجيزة، زارها رئيس الأساقفة المحلي، فرانشيسكو نولي، الذي كان قد رافق الحج في ذلك العام، وبعد استمع إلى قصتها، قال لها بتأثّر: "أنطونيتا، لقد دخل الرب بيتكِ ومنحكِ نعمة - لكنها ليست لكِ وحدكِ، بل لنا جميعًا".

 

🡄 أكثر من عقد

 

استغرقت رحلة الاعتراف بحالة الشفاء أكثر من عقد من التقييم الطبي الشامل ومراجعة المختصين.

 

وصرّح البروفيسور فينتشنزو سيلاني، وهو طبيب أعصاب بارز شارك في التحقيق: "لا يوجد علاج لمرض التصلب الجانبي الضموري". وكان من بين الذين أكدوا التشخيص وغموض شفاء راكو. وقال "المرضى محكوم عليهم بالتدهور يومًا بعد يوم".

 

من جهته، أوضح الدكتور أليساندرو دي فرانسيسكوس، الطبيب الدائم في مزار لورد، خلال المؤتمر الصحفي، أنّ الكنيسة لا تعتبر الشفاء معجزة إلا إذا كان مفاجئًا وكاملًا ودائمًا وغير قابل للتفسير الطبي، وألا يُعزى لأي علاج أو تحسّن تدريجي.

 

عُرضت حالة راكو لأوّل مرة على اللجنة الطبيّة الدوليّة في لورد عام 2019، لكنها لم تحسم موقفها آنذاك. ثم جاء إجماع طبي دولي جديد نُشر عام 2020 بشأن معايير تشخيص مرض التصلب الجانبي الضموري، ليُوفّر أساسًا علميًا لإعادة تقييم حالتها.

 

وفي عام 2023، أعاد البروفيسور سيلاني تقييم حالة راكو في ميلانو، مؤكّدًا شفاءها النهائي.

 

أخيرًا، في تشرين الأوّل 2024، جرى تصويت سري داخل اللجنة الطبيّة الدوليّة في لورد، صوّت خلاله 17 من أصل 21 عضوًا لصالح الاعتراف بالشفاء على أنّه كامل، دائم، وغير قابل للتفسير، وهو ما تجاوز النسبة المطلوبة (ثلثا الأعضاء) وفق معايير الكنيسة.

 

بعد هذا التصويت الإيجابي، أُحيلت القضية إلى الأسقف فينتشنزو كارمين أوروفينو، راعي أبرشية راكو، الذي اعترف رسميًا بالمعجزة في 16 نيسان 2025.

 

 

🡄 على ضوء الإيمان

 

وخلال المؤتمر الصحفيّ، أشاد المطران جان مارك ميكا، أسقف تارب ولورد، الذي شارك في عملية التحقيق الطبي دون أن يكون له حق التصويت، بدقة وشفافية النقاشات الطبيّة التي رافقت دراسة الحالة. وقال: "أكثر ما أعجبني هو حرية الخبراء. إنهم ليسوا موجودين للدفاع عن قضية، بل للبحث عن الحقيقة". وذكّر الحضور بأنّ المعجزات لا تفرض الإيمان أبدًا.

 

وقال: "حتى القيامة لم تُجبر أحدًا على الإيمان. المعجزة علامة – نعمة تُقبل على ضوء الإيمان".

 

وفي ختام المؤتمر الصحفي، عبّر رئيس مزار لورد، الأب ميشيل دوبانيه، عن تأثره العميق وامتنانه، مستذكرًا لحظة إعلان المعجزة خلال صلاة المسبحة الوردية مساء خميس الأسرار، 17 نيسان 2025، قبل دقائق من الإعلان الرسميّ في كاتدرائية تورسي لاغونيغرو. وقال: "كثيرًا ما نسمع: لو رأيت معجزة لآمنت. لكن الحقيقة هي: لو آمنت، لرأيت المعجزات".

 

وختم بالقول: "هذا الشفاء ليس مجرّد قصة من الماضي، بل هو شهادة حيّة لا تزال تُثمر".