موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أحد مُبارك!
إنجيل اليوم يقدِّم لنا يسوع وهو يعلِّم تلاميذه ”الصّلاة الرّبّيّة - صلاة الأَبَانَا“ (راجع لوقا 11، 1-3): الصّلاة التي توحّد جميع المسيحيّين. فيها يدعونا الرّبّ يسوع إلى أن نتوجّه إلى الله ونقول له: ”أبّا“، ”أبي“، مثل الأطفال، "ببساطة [...]، وبثقة بنوّية، [...] وجرأة، ويقين بأنّ الله يحبّنا" (التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، 2778).
وبعبارة جميلة جدًّا، التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة يقول بهذا الخصوص: "بالصّلاة الرّبّيّة، نُكشَف لأنفسنا ويُكشَف لنا الآب في نفس الوقت" (المرجع نفسه، 2783). وهذا صحيح: فكلّما صلّينا بثقة إلى الآب السّماوي، اكتشفنا أنّنا أبناء الله وهو يحبّنا، وازدادت معرفتنا لعظمة محبّته (راجع رومة 8، 14-17).
وإنجيل اليوم يصف أيضًا ملامح أبوّة الله ببعض الصّوّر المؤثّرة: صورة رجل يقوم عند نصف الليل ليساعد صديقًا يستقبل زائرًا غير متوقّع، أو صورة والد يهتمّ بأن يعطي الأشياء الصّالحة لأبنائه.
هذه الصّوّر تذكّرنا بأنّ الله لا يدير لنا ظهره أبدًا عندما نتوجّه إليه، حتّى وإن تأخّرنا في طَرق بابه، وربّما بعد أخطاء، أو فرص ضائعة، أو فشل، أو حتّى لو اضطّر، ليُوقظ أبناءه النّائمين في البيت، ليستقبلنا (راجع لوقا 11، 7). بل، في عائلة الكنيسة الكبيرة، الآب لا يتردّد في أن يجعلنا جميعًا شركاء في كلّ عمل محبّة. الله يصغي إلينا دائمًا عندما نصلّي إليه، وإن كان أحيانًا يجيب بطرق وأوقات يصعب علينا فهمها، فذلك لأنّه يعمل بحكمة وعناية أكبر، تتجاوز فهمنا ومعرفتنا. لذلك، حتّى في تلك اللحظات، لا نتوقّف عن الصّلاة بثقة: ففي الله نجد دائمًا النّور والقوّة.
وعندما نتلو ”الصّلاة الرّبّيّة - صلاة الأَبَانَا“، فإنّنا، بالإضافة إلى أنّنا نذكر نعمة البنوّة الإلهيّة، نعبّر أيضًا عن التزامنا بالاستجابة لهذه العطيّة، فنحبّ بعضنا بعضًا مثل إخوة في المسيح. أحد آباء الكنيسة، وهو يتأمّل في ذلك، قال: "عندما ندعو الله ”أبانا“، يجب أن نتذكّر واجبنا أن نتصرَّف مثل الأبناء" (القديس كبريانوس من قرطاجة، في صلاة الرّبّ، 11)، وأضاف آخر: "لا يمكنكم أن تدعو أباكم السّماوي إله كلّ صلاح، إن كان قلبك قاسيًّا وغير إنساني. لأنّك في هذه الحالة لا تحمل في داخلك بصمة صلاح الآب السّماوي" (القدّيس يوحنّا الذّهبي الفمّ، في الباب الضّيّق وصلاة الرّبّ، 3). لا يمكن أن نصلّي لله ”أبينا“، ثمّ نكون قساة وعديمي الإحساس تجاه الآخرين. بل من المهمّ أن نسمح له بأن يغيّرنا بصلاحه وصبره ورحمته، حتّى نعكس وجهه مثل المرآة في حياتنا.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، ليتورجيا اليوم تدعونا، بالصّلاة والمحبّة، إلى أن نشعر بأنّ الله يحبّنا وإلى أن نحبّ كما يحبّنا الله: فنكون مستعدّين للعطاء، وبتكتُّم، وباهتمامٍ متبادل، دون حسابات. لنسأل مريم العذراء أن تساعدنا لكي نستجيب للنداء، فُنظهِر عذوبة وجه الآب.