موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أعلن المكتب الليتورجي التابع للبطريركيّة اللاتينيّة عن صدور كتاب القدّاس باللغة العربيّة، بطبعته الثانيّة المنقّحة الجديدة. وقد استمرّ العمل المنهجيّ لإصدار هذه الطبعة الجديدة مدّة تسع سنوات، أي منذ العام 2013، وذلك بتكليف من مجلس الأساقفة اللاتين في البلدان العربيّة CELRA، وبإشرافٍ مباشر من البطريركيّة اللاتينيّة في القدس.
وأشار المكتب الليتورجي، الذي يُشرف عليه الأب عزيز حلاوة، إلى أنّ الطبعة العربيّة الجديدة هي الطبعة الثانيّة، وتأتي بعد مرور 38 عامًا من الطبعة الأولى سنة 1984، وقد اعتمدت على آخر طبعة من كتاب القدّاس الرومانيّ باللغة اللاتينيّة، أي الطبعة الثالثة النموذجيّة المنقّحة للعام 2008.
وفي هذا السياق، أصدر البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، رسالة إلى الأساقفة والكهنة، رفع فيها الشكر لله على إتمام وطباعة كتاب القدّاس بطبعته الثانيّة، وهو ثمرة سنوات من العمل الدؤوب، مشيرًا إلى أنّ العمل بالنسخة الجديد في جميع رعايا الأبرشيّة قد بدأ في الأحد الأوّل من زمن المجيء.
وبهذه المناسبة، يقدّم المركز الكاثوليكي جزيل الشكر للمكتب الليتورجي وللجنة التي كوّنها غبطة البطريرك من أجل إنجاز هذا العمل الكبير، من لاهوتيين وليتورجيين وفنيين ومختصين في اللغات اللاتينيّة والعربيّة والموسيقى الكنسيّة، ولكلّ من ساهم لكي تبصر النسخة الجديدة النور، وتُسهم في رفع صلوات المجد والإكرام للرّب في مختلف رعايا الأبرشيّة وكنائس الشرق الأوسط.
المرحلة الأولى: انطلاق العمل
سنة 2013، انطلاق الأعمال بإيعاز من البطريرك فؤاد الطوال، باسم سائر الأبرشيات اللاتينيّة الناطقة باللغة العربيّة. وسنة 2015، انتهاء أعمال الترجمة وتنقيح النصوص من قبل البطريرك ميشيل صبّاح، والمطران وليم شوملي، والأب بهجت قره قرش، والأب فرنسيس شاهين. وقد طلب البطريرك من الكاردينال روبرت ساره، رئيس مجلس الطقوس الحبري، تثبيت النصّ الجديد المقترح.
وقد أضيفت على الطبعة الأولى نصوص جديدة كما جاءت في كتاب القدّاس باللغة اللاتينية حسب الطبعة الثالثة النموذجيّة للعام 2000، وكذلك أضيفت نصوص أخرى اختيارية مستمدّة من كتاب القدّاس باللغة الإيطاليّة، وصيغ المثنى والجمع لكلّ من المذكر والمؤنث لمختلف الصلوات، وقدّاس تعبّد لمريم العذراء سلطانة السلام، والتقويم الخاص بالأبرشيّة الأورشليميّة.
كان جواب مجلس العبادة بالإيجاب على جميع هذه الإضافات والتعديلات، ما عدا التقويم الخاص بالأبرشيّة الأورشليميّة بحجّة عدم الموافقة على التقويم وكثرة عدد القديسين، فطلب إعادة النظر فيها، وجعلها في كتاب منفصل عن كتاب القدّاس الرسميّ، إذ إنّ هذه القائمة من القديسين لا تعنيّ إلا الأبرشيّة الأورشليميّة.
المرحلة الثانيّة: استعادة العمل
سنة 2018، وجوابًا على سكرتير مجلس العبادة الأب كورّادو ماجّوني لسنة 2017، والتي فيها طلب إدخال التعديلات الجديدة حسب الطبعة الثالثة النموذجيّة المنقّحة للعام 2008، وجّه المدبّر الرسولي آنذاك، المونسنيور بيتسابالا، رسالة إلى المجلس ذاته، يُعلن عن استعادة العمل في كتاب القدّاس، ويقترح عدم إدخال قديسي الأبرشيّة الأورشليميّة في الكتاب لحين تثبيت قائمة الأعياد، وحتّى لا تعيق الاستمرار في العمل في كتاب القدّاس الجديد، وطلب الإذن في إدخال الصلوات الجامعة البديلة والمترجمة عن النص الإيطاليّ، وكذلك البتّ في موضوع ترجمة المزامير المستخدمة.
وكان جواب الكاردينال سارة آنذاك كالتالي (19 حزيران 2019): لا لإدخال قديسي الأبرشيّة على كتاب القدّاس الجديد، بل في كتاب منفصل بعد أن تثبّت قائمة الأعياد. أمّا بالنسبة للمزامير فتعتمد الترجمة المعروفة بترجمة "القدس" فقط لمزامير الردّة في كتاب القراءات، بينما لباقي المزامير، وخاصّة تلك المستخدمة في كتاب القدّاس فتعتمد الترجمة اليسوعيّة، ريثما يعمل مجلس الأساقفة اللاتين في البلدان العربيّة على ترجمة ليتورجيّة خاصّة به. في حين رفض طلب استخدام الصلوات الجامعة المترجمة عن كتاب القدّاس الإيطالي. وأكّد الكاردينال، وفي نفس الرسالة، على أهميّة "إعادة النظر في الترجمة العربيّة لكتاب القدّاس بحيث تعكس جمال ورونق هذه اللغة، وتكون في منزلة التعبير بكلّ كرامة وروعة عن صلاة الكنيسة الرسميّة".
المرحلة الثالثة: استكمال العمل
سنة 2020، استعيد العمل على الكتاب لاستكماله بروح جديدة، فأوكل البطريرك بيتسابالا المهمّة للأب عزيز حلاوة من أجل إنهاء هذا المشروع، وقد استمرّ الأب بهجت قرّه قاش في المساعدة، وذلك تحت الإشراف المباشر لمجلس العبادة وسكرتيره الأب بيير بول. وقد تركّز العمل هذه المرّة على إعادة النظر في جميع نصوص الصلوات الكبرى والصغرى، وكذلك أعيدت صياغة المقاطع الملحّنة، فطبعت النوتة الموسيقيّة بطريقة جديدة، وتمّ تلحين ما لم يتم تلحينه من قبل حسب اللحن الغريغوري، وتمّ إعادة النظر في الترجمة العربيّة لمعظم مقاطع الكتاب بعد مقارنتها بالأصل اللاتيني للطبعة الثالثة النموذجية المنفحة للعام 2008، فأعيد النظر في كلّ النصوص من جديد، وقد أوكل إلى مطبعة البطريركيّة اللاتينية، بإدارة السيد منير الهودلي، العمل على التصميم من جديد، بعد أن كان التصميم بين دمشق وإيطاليا.
ومن أجل إتمام العمل بطريقة علميّة ومنهجيّة، شكّل البطريرك لجنة خاصة لإعادة النظر والتدقيق في ترجمة الصلوات الإفخارستيّة الأربع، وكذلك في رتبة القدّاس كاملة، فتشكّلت لجنة من المتخصّصين من علم اللاهوت، والكتاب المقدّس، واللغتين اللاتينيّة والعربيّة، والموسيقى والليتورجيا، بالإضافة إلى استشارة متواصلة مع الأساقفة: البطريرك ميشيل صبّاح والأسقفين سليم الصايغ ووليم شوملي. وقد تكونّت أعضاء اللجنة، من: المطران بولس ماركوتسو (عن مجلس الأساقفة)، المطران جمال خضر (لاهوتي)، الأب عزيز حلاوة (ليتورجي)، الأب فرنسيس شاهين (ليتورجي)، الأب بهجت قره قاش (ليتورجي ولغة عربيّة)، الأب نجيب إبراهيم (كتاب مقدّس)، الأب باولو ألفيري (اللغة اللاتينيّة)، الأب فراس عبدربه (موسيقى كنسيّة).
بتاريخ 1 تشرين الأوّل 2021، انتهت اللجنة من إعادة صياغة الصلوات الإفخارستيّة ورتبة القدّاس، وتمّ إرسال نسخة إلكترونيّة من الكتاب إلى أساقفة الدول العربيّة اللاتين للتصويت عليها، فكان التصويت بالإجماع في اجتماعهم الذي انعقد في أبوظبي بتاريخ 17 تشرين الأوّل 2021. فأرسل البطريرك برسالة وتقرير عن العمل الذي تمّ ونتائج تصويت مجلس الأساقفة اللاتين إلى روما في رسالة مؤرخة في 13 كانون الأوّل 2021. بتاريخ 26 نيسان 2022، أرسل مجلس العبادة برسالة يطلب فيها إجراء عدد من التعديلات الطفيفة قبل أن يمنح التثبيت النهائيّ لهذه الطبعة من كتاب القدّاس باللغة العربيّة.
ومن أجل تقليل عدد صفحات الكتاب والتي بلغت 1660 صفحة، أي بزيادة 348 عن الطبعة الأولى لكتاب القدّاس بالعربي (سنة 1984)، اقترح إعادة التصميم من جديد، وحذف ما يمكن حذفه. فتمّ حذف معظم ما تمّ إضافته عن الإيطالي، ومن بينها مختصر حياة القديسين، التي تمّ نقليها في الواقع إلى كتاب آخر تقرّر طباعته، وهو كتاب "نصوص مختارة من كتاب القدّاس"، والذي يستخدم في قبل الكاهن المترئس عند كرسيه. في هذا الكتاب الملحق نجد أيضًا العديد من الإضافات، مثل التحيّات وأفعال التوبة والبركات وصلوات المؤمنين. وحذف شكل المثنى، مكتفين بالمفرد والجمع. بهذه العملية تم تخفيف 173 صفحة، فأصبح المجموع النهائي 1487 صفحة.
بعد الانتهاء من تصميم الكتاب نهائيًا، وإدراج كافة التعديلات، في مطبعة البطريركيّة في بيت جالا، بدأت مرحلة الطباعة في إيطاليا (مطبعة Grafiche Mariano)، في مدينة كومو بالقرب من ميلانو، بإدارة السيّد Felice Maggioni، بتاريخ 13 أيلول 2022. وقد أشرف شخصيًا على عملية الطباعة في إيطاليا، ومن ثمّ التجليد، السيد منير الهودلي، شخصيًا، للتأكد من جودة الإنتاج وتجنّب أي خطأ طارئ قد يحدث. وبتاريخ 30 تشرين الأوّل 2022 انتهت طباعة وتجليد الكتاب في إيطاليا، ونتوقع وصوله والبدء باستخدامه في الرعايا في كل بلاد الشرق الأوسط مع الأحد الأوّل من زمن المجيء.
بالإضافة إلى كلّ ميزات الطباعة الحديثة وجودة التصميم ودقّته، فقد تميّزت هذه الطبعة الجديدة لكتاب القدّاس باللغة العربيّة بثلاث أمور رئيسة، وهي التالية:
1. إعادة النظر في ترجمة النصوص: من أهم ما جاء من تجديد في هذه الطبعة باللغة العربيّة هو إعادة النظر في ترجمة وتعريب النصوص الليتورجيّة، خاصة الرئيسة منها، أي رتبة القدّاس والصلوات الإفخارستيا. فقد وجد العديد من الأخطاء في ترجمة العديد من المصطلحات الليتورجيّة واللاهوتيّة في الطبعة الأولى، ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى أنّ الترجمة تمّت في الماضي من اللغة الإيطاليّة وليس من الأصل اللاتيني. أمّا اليوم فقد اعتمد النصّ اللاتيني كمرجع أساسي لضبط النص العربي، فجاءت الترجمة أمينة للأصل اللاتيني، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيّات اللغة العربيّة، بما فيها من مقدرات لغويّة وتنوّع وجمال. وأخذ بعين الاعتبار عدم تغيير ما يخصّ أجوبة الشعب، ولكن فقط المقاطع التي تخصّ الكاهن.
2. النوتة الموسيقيّة: في هذه الطبعة تمّ تلحين كل ما هو ملحّن في الأصل اللاتيني، وبما أن المقطع العربي يوافق بشكل كبير المقطع اللاتيني واللحن الغريغوري، فإنّ إمكانيّة تطبيق اللحن الغريغوري على النصّ العربي كبيرة جدًا ومطابقة في معظم الحالات. لذلك، تمّ تلحين ما لم يكن ملحنًا في السابق، لا بل زادة على ذلك تمّ تلحين بعض المقدّمات لإمكانية استخدامها في الاحتفالات الليتورجيّة، وإضافة ألحان أخرى من التراث المحليّ، كذلك تمّ التدقيق في مطابقة النوتة الموسيقيّة مع أصلها الغريغوري، وجاءت طباعة النوتة بشكل يسهّل على الكاهن قراءتها، فطبعت من غير الإيقاع، بشكل مَعين، ولكن على مفتاح السول.
وقد تمّ تسجيل هذه الألحان في استوديو مدرسة الفرير في القدس، بإشراف السيد فريدو هزو، مع مجموعة صغيرة من المتخصّصين: الأب فراس عبدربه، الأب عزيز حلاوة، يعقوب وكلير غزّاوي. وهذه الألحان نجدها في موقع المكتب الليتورجي.
إن أردنا أن نحسب عدد القطع الملحّنة فيمكننا أن نحصي بالضبط 172 مقطعًا ملحنًا بين كبير وصغير، وقد وقعت هذه في 1271 سطر موسيقى وفي 127 صفحة من صفحات الكتاب بحجم A4، وتنوزّعت هذه المقطوعات الملحّنة بين: المقدمّات (عدد 34)، والصلاة الإفخارستيّة (عدد 10)، والأنتيفونات (عدد 10)، والدعوة إلى الصلاة (عدد 24)، وجواب الشعب (عدد 22)، والأناشيد (عدد 26)، والصلوات (ع دد34) والأدعيّة (عدد 6)، والقراءات (عدد 2) والأناجيل (عدد 2).
3. الأيقونات: بعددها الـ22 أيقونة، فهي إحدى ميّزات هذا الكتاب الجليّة والجميلة، والتي أعطت الكتاب طابعًا خاصًا، وأضفت عليه كرامة السرّ الذي نحتفل به، فعكست التراث الشرقيّ وبنفس الوقت اللاتيني. قامت هذا العمل الفني الأصيل الراهبة سول غراتسيا، من راهبات دير رافات، وفي كتابتها للأيقونات جعلت في كلّ منها آية باللغتين اللاتينيّة والعربيّة، تلّخص لاهوت الأيقونة. وقد تمّ تخصيص قسم خاص لهذه الأيقونات في موقع المكتب الليتورجي.