موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
1.1 ماذا نعني بزراعة الأعضاء
زراعة الأعضاء تقوم بنقل الأعضاء، مثل الكلى والقلب، أو الأنسجة الحيّة، مثل العظام والجلد والدّم، أو الخلايا مثل خلايا نخاع العظام، من شخص متبرِّع إلى شخص مستقبِل أو متلقِّي. الهدف من عمليّات الزّرع هو الحفاظ على سلامة الأعضاء الوظيفيّة أو الأنسجة أو الخلايا المنقولة في المتلقّي[1]. الأعضاء والأنسجة القابلة للزّرع هي العيون والقرنيّات، والرّئتان، والقلب وصمّامات القلب، والكلى، والبنكرياس، والكبد، والأمعاء، والجلد، والأوردة، والعظام والأوتار.
يتمّ زرع أعضاء مثل الكلى وأجزاء من الكبد والأنسجة القابلة للتجديد مثل الدّم ونخاع العظام من متبرِّع حيّ، أو من جثَّة[2] إلى نوع آخر من الأعضاء.
العلاقة الجينيّة بين المتبرِّع والمتلقّي أنواع:
* الزّرع الذّاتي (autotrapianti)، فيه يُنقل نسيج من موقع إلى آخر في نفس الكائن الحيّ، على سبيل المثال نقل العظام لتثبيت كسر في الجسم نفسه. هنا المتبرِّع والمتلقّي واحد[3].
* والزّرع المغاير (isotrapianti)، بين أفراد متساوين وراثيًّا. وهي عمليًّا بين توائم أحاديّة الزّيجوت (monozigoti)[4].
* والزّرع المغاير المثلي (omotrapianti)، يتمّ بين أفراد وراثيًّا مختلفين ولكن من النّوع نفسه[5].
* وأخيرًا الزّرع المغاير بين أفراد من أنواع مختلفة (بين إنسان وحيوان – xenotrapianti)، مثلًا بين القرد أو الخنزير والإنسان[6].
1.2 المشاكل الطّبيّة في زراعة الأعضاء
المشكلة الأولى هي إيجاد الأعضاء والأنسجة المناسبة. ثانيًا، في حالة الزّرع من شخص حيّ، تكمن المشاكل الطّبيّة الرّئيسيّة في تقنيّة الاستئصال، والتي يجب أن تؤدّي أقل ما يمكن إلى تأثيرِ صَدمٍ نفسيّ. مع الجثّة، تنبع أكبر الصّعوبات من ضعف مقاومة معظم الأعضاء بسبب التجمّد الذي يتبع السّكتة القلبيّة. مشكلة أخرى هي الإمكانيّة المحدودة للحفاظ على العضو المستأصل، حتّى لو أدّت تقنيّات الحفاظ بدرجة حرارة منخفضة واستخدام محاليل معينة إلى إطالة أوقات المقاومة[7].
مشكلة أخرى مهمّة للغاية في طبّ الزّرع هي ظاهرة عدم التّوافق، أي رفض الجسم المتلقّي للأنسجة المطعّمة. فالخلايا في كلّ جسم حيّ مجهّزة برموز تمييز تسمّى مضادّات نسيجيّة وظيفتها التّعرّف على الأنسجة الغريبة عن الجسم. بعد زرع نسيج أو عضو غريب عن الجسم، يحدث هذا التّعرّف على العضو الغريب وتبدأ ردّة فعل مناعيّة للأجسام المضادّة للأنسجة الدّخيلة. ردّة الفعل، إن لم تتمّ مكافحتها بشكل صحيح، تؤدّي إلى موت الأنسجة حتّى بعد التّطعيم واستئناف الدّورة الدّمويّة. تسمّى ردّة الفعل هذه بالرّفض، وقد يحدث أيضًا بعد وقت طويل من التّطعيم. يرتبط بقاء مرضى الزّراعة على قيد الحياة بمقدرة الطبّ على تأخير لحظة الرّفض في الزّمن[8].
2.1 تعريف
يمكن ربط مسألة الزّرع نقلًا من كائن حيّ من منظور واجب التّضامن بين أفراد الأسرة البشريّة، ومن منظور مسيحيّ، يمكن ربطه بالمحبّة التي توصينا بمحبّة القريب مثل نفسنا[9].
تقدّم لنا عمليّات زرع الأعضاء الفرصة للوصول إلى نوع جديد من التّضامن العميق بين النّاس، حتّى على صعيد الجسد، بمشاركة الغير في نفس أعضائنا[10]. ومن ثمّ، فإنّ مبدأ التّضامن الذي يوحّد البشر يضفي الشّرعيّة على عمليات الزّرع. وقد يكون من الصّواب التّعرّض لمخاطر مميتة لصالح القريب، تمامًا كما قد يكون من الصّواب التّخليّ عن ”سلامة“ الجسم الحيّ لمساعدة القريب، عند الضّرورة الكبرى[11].
قال البابا يوحنا بولس الثّاني في هذا الصّدد:
كلّ عمليّة زرع عضو، [...]، لها بصورة عامة في أصلها قرار ذو قيمة أخلاقيّة عاليّة: وذلك بقرار الإنسان بتقديم جزءٍ من جسده، بدون مكافأة، من أجل صحة وسلامة شخص آخر. في هذا يكمن نبل العمل، الذي يتمّ على أنّه فعل حبّ حقيقي. لا يعطي الإنسان فقط شيئًا يخصّه، بل شيئًا من ذاته، لأنّه بحكم الاتحاد الجوهريّ بين الجسد والنّفس الرّوحيّة، لا يمكن اعتبار الجسد البشريّ مجرّد مجموعة من الأنسجة والأعضاء والوظائف... إنّما هو جزء مكوِّن من الشّخص الذي يتجلّى ويعبِّر عن نفسه من خلال الجسد[12].
2.2 معايير التّقيّيم الأخلاقيّ
هناك معايير جدوى لتقييم صحيح للحالات العمليّة. تسعى هذه المعايير إلى التّوفيق بين مبدأ سلامة الكائن ومبدأ التّضامن.
2.2.1 عدم الضرّر
ربّما يجد هذا المعيار أهمّ تعبير له في عمليّات الزّرع. من الواضح أنّ المطلب الأوّل لأيّ إجراء جراحيّ في الكائن البشريّ هو أن يكون غير ضار، أو، إن كان لا بدّ من أن ينجم عنه بضرر، أن يكون الضّرر متناسبًا مع الفائدة المتوقّعة. في حالة عمليّات الزّرع، يوجد ضرر (شديد كما هو الحال في حالة التّبرّع بالكلى، وبصورة أخفّ في حالة نقل النّخاع)، ولا يتلقّى المتبرّع منه أيّة فائدة جسديّة، بل الفائدة كلّها للمتلقّي. لذلك، القول إنّ الزّرع يجب أن يكون بلا ضرر غير صحيح. فيجب القول: أن يكون فيه ضرر مقبول، أي ألّا يكون حجم الضّرر كبيرًا بحيث ينجم عنه ضرر جسيم للمتبرِّع. ويعتبر هذا المعيار بالإجماع شرطًا لا بدّ منه لجواز عمليّة الزّرع[13].
المعيار ”عدم الضّرر“ هو قانون. وبناءً على ذلك، لا يجوز أخلاقيًّا القيام بعمليّات زرع تهدّد بقاء المتبرِّع في الحياة. لكن تجوز أخلاقيًّا نقل أعضاء غير ضروريّة للبقاء في الحياة، أو أحد الأعضاء الزّوجيّة، حيث يكفي أحد العضوَين فقط للقيام بالوظيفة[14].
وبصورة خاصّة، أخلاقيًّا، لا يجوز على الإطلاق القيام ببتر أو استئصال عضو يسبّب عطلًا جسيمًا أو الموتَ لكائن بشريّ، ولو كان ذلك لمنع موت أشخاص آخرين[15].
2.2.2 التّناسب
يرتبط معيار عدم الضّرر بمعيار التّناسب، أي أنّ الضّرر الذي يلحق بالمتبرِّع بسبب الاستئصال يجب أن يتناسب مع مقدار التّحسّن في نوعيّة حياة المتلقّي. لذلك، ليس من المنطقيّ حرمان شخص ما من كِلية، لإجراء عمليّة زرع في آخر مع فرصة ضئيلة جدًّا للنّجاح، أو أخذ كِلية من شخص سليم لزرعها في مريض مُسِنّ.
جاء في التّعلّيم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة رقم 2296: زرع الأعضاء يتّفق مع القانون الأخلاقيّ إن كانت الأضرار الجسديّة والنّفسيّة والمخاطر التي يتحمّلها المتبرِّع تتناسب مع قدر المنفعة التي يجنيها المتلقّي[16].
2.2.3 الحرّيّة
فعل التّبرّع يُعتبر أصيلًا إن نشأ من اختيار حرّ. أي إن كان خاليًا من كلّ إكراه[17]. يجب أن يعبّر التّبرّع فقط عن تضامن حقيقيّ وعن محبّة للآخرين[18].
ويُطرَح السّؤال: هل هناك أي نوع من الإلزام الأخلاقيّ للتبرِّع؟ "إن وجد التزام فهو التزام المحبّة، ومن ثمّ ليس التزامًا قانونيًّا، إنّما هو التزام من وجهة نظر روح المسؤوليّة تجاه حياتنا وحياة الآخرين، وهذا خاصّ بعِلم أخلاقيّات علم الأحياء (البيوإتيكا) الشّخصيّة"[19]. لذلك، بصورة عامّة، لا يمكن إكراه شخص أن يضرّ بسلامته الجسديّة لصالح شخص آخر. لكنّنا نعتقد أنّ عدم تقديم خلايا أو أنسجة مثل الدّم عندما يمكن القيام بذلك دون الإضرار بالصّحّة يمكن أن يكون إهمالًا[20].
مع هذا كلّه، هناك اعتبارات ذات طبيعة عامّة. يجب أوّلًا طبعًا التّمسك بتحديد الأعضاء أو الأنسجة التي لا تسبّب إزالتها ضررًا كبيرًا للكائن الحيّ. قد يرافق هذا العمل الحسن، أي الزّرع، تشويه كبير، واضطراب نفسيّ وخوف في المتبرِّع. كلّ هذا يجعل هذا العمل الحسن من أسمى الأعمال الحسنة الطّوعيّة. فهو عمل مهمّ، نبيل، كريم، ولكن غير ملزِم أخلاقيًّا. هذا يعني أنّ الذين يشعرون أنّهم لا يقدرون التّبرّع بالنّخاع أو الكِلية يجب ألّا يشعروا بالذّنب. بل فقط، لم يكن لديهم القوّة أو الشّجاعة للقيام بعمل بطوليّ أو فيه إلزام بالغ[21].
2.2.4 المجانيّة
معيار المجانيّة مهمّ. لأنّ زرع الأعضاء ينشأ من المحبّة والتّضامن مع المتألّمين وهدفه هو فرح الآخر[22]. يقول القدّيس بولس:"السّعادة في العطاء أعظم منها في الأخذ" (أعمال الرّسل 20، 35). لذلك، يجب منع تجارة الأعضاء للزرع منعًا مشدّدًا، لأنّه يجب اعتبارها عملَ تبرُّع غيرَ قابل أن يتحوَّل إلى تجارة[23].
من المحبَّذ أن يكون التّبرّع بين أقارب بالدّم بسبب توفُّر نسبة أعلى في التّوافق المناعيّ بين المتبرِّع والمتلقيّ، أو لضمان المجانيّة. وفقط، في حالة عدم وجود أقارب بالدّم، يُلجَأ إلى أقارب آخرين أو غرباء. في هذه الظّروف، ومن منظور موقف إنسانيّ رفيع، يمكن اللجوء إلى ما يسمّى بعمليّة زرع ”لصالح غريب“. ولكن هنا تظهر مشكلة، عندما يقدِّم الشّخص المجهول، بدافع الحاجة إلى المال، عضوه لتجّار عديميّ الضّمير[24].
يقول التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة (رقم 2301): "إعطاء الأعضاء بعد الموت أمرٌ شرعيّ ويمكن أن يكون جديرًا بالثّواب"[25]. ولكن حتّى في حالة الاستئصال من جثّة، هناك مشاكل أخلاقيّة، سنحدّدها في النّقاط التالية.
3.2. المشاكل الأخلاقيّة في الاستئصال من جثّة
3.2.1 هل يجوز الاستئصال من جثّة؟
مع حدث الموت للشّخص، وجود الإنسان على الأرض ينتهي. كلّ الأعضاء، إن كانت لا تزال حيويّة وقابلة للحفظ، لا تتماهى مع الشّخص. إنّها تنتمي إلى جثّة بشريّة، لكنّها لم تعد تكوِّن الوسيلة الحيّة للتّعبير عن الشّخص[26].
ومع ذلك، فالتّقوى والاحترام واجبان للجثّة: "يجب معاملة جثث الموتى باحترام ومحبّة"[27] لأنّها مع الموت لا تصبح شيئًا فقط بين الأشياء بلا قيمة. التّقوى تجاه الشّخص المتوفّى يعني بكلّ تأكيد عدم الاتجار بجثّته[28].
كما ينبغي ألّا ننسى أنّ الأقارب يرَون في الجسد أثر حضور كان عزيزًا عليهم، ويجب احترام مشاعرهم، التي تعبّر عن التّقوى التي تحيط، في كلّ ثقافة، بموت كلّ شخص. كذلك الاحترام واجب دائمًا لرفات شخص أقام في ذلك الجسد، وعاش حياته فيه. ولكن، لا يوجد في كلّ هذه الاعتبارات، ما يمنع استئصال أجزاء من الجثّة واستخدامها لإنقاذ حياة إنسان[29].
هذا يعني أنّ الموت هو النّهاية الحقيقيّة للحياة الجسديّة للإنسان ولإمكانيّة تقريره مصيره بنفسه، والتّصرّف بجسده. ولهذا فإنّ إزالة أعضاء حيويّة من كائن ميت ليست إهانة لكرامة الإنسان[30]. في الواقع، يمكن استخدام جثّة المتوفّى لغايات مفيدة للجماعة، تحت إشراف وضمن الحدود التي يضعها المسؤولون عن رعاية الصّالح العام. ومن ثمّ يمكن التّصرّف بها لغايات صالحة[31].
3.2.2 التّأكّد من الموت
في عمليّات الزّرع لعضو أو نسيج مأخوذ من جثّة، القضيّة الأخلاقيّة الرّئيسيّة هي على وجه التّحديد التّأكّد من أنّك تتعامل مع جثّة[32].
في هذا الصّدد، يجب توضيح أمرَين. أوّلًا، لا يجوز تسريع الموت بالقيام بعمل إيجابيّ أو بإهمال التّدخّل في حالة المريض، لهدف استئصال عضو منه: السّبب هو أنّه لا يمكن عمل الشّرّ للحصول على الخير. في هذه الحالة، الشّرّ هو القتل أو الإهمال المتعمّد في الإنقاذ[33].
ثانيًا، يجب أن نوضّح أنّ التّأكّد من الموت ليس مشكلة فلسفيّة أو لاهوتيّة، ولكنّه أمر يُعهَد به إلى عِلم وضمير المختصّين. علامات توقّف الحياة البشريّة تبيِّنها الوسائل والأساليب التي يطوّرها ويكملها العِلم كلّ يوم، لأنّه لا يمكن التّأكّد من الحقيقة الميتافيزيقيّة التي هي انفصال الرّوح عن الجسد[34].
في حالة وفاة المتبرِّع، أوّل مشكلة أخلاقيّة خطيرة جدًّا هي أنّه، لنجاح العمليّة، يجب أن يمرّ وقت قصير ومتغيّر نسبيًّا بحسب الأعضاء والأنسجة، بين توقّف عمل القلب والدّورة الدّمويّة من جهة، والاستئصال من جهة أخرى. بعض الأعضاء والأنسجة، مثل القرنيّة أو الغضروف، يمكن استئصالها، حتّى بعد بضع ساعات من توقّف القلب، لكن الأعضاء الأخرى الحسّاسة جدًّا لنقص الأكسجين، مثل الكِلى أو الكبد أو البنكرياس، تموت فيها الخلايا بسرعة، ولهذا السّبب، قبل ظهور تقنيّات الإنعاش، لم يكن من الممكن عمليًّا الاستفادة من هذه الأعضاء[35].
تقنيّات الإنعاش حاليًّا قادرة على تمديد مدّة الوظائف النباتيّة الرّئيسيّة للكائن الحيّ (الدّورة الدّمويّة، والجهاز التّنفسيّ، والكلويّ، والتّمثيل الغذائيّ)، لذلك في حالة تلف الدّماغ الكلّي وغير القابل للتبدّل في الأشخاص أثناء الإنعاش، بعد ملاحظة العلامات السّريريّة لموت الدّماغ، يمكن المبادرة بالاستئصال. من خلال الحفاظ على وظيفة الدّورة الدّمويّة في حالة الموت الدّماغيّ، يستمرّ جريان الدّم في الأنسجة، وبالتّالي تظلّ مناسبة للاستئصال، بهدف عمليّة الزّرع. عمليًّا، لدينا استئصال أعضاء، بما في ذلك القلب، من أشخاص ميِّتين، لكن القلب ما زال ينبض فيهم. لكن، فكرة الجثّة ذات القلب النّابض ما زالت تثير في البعض حيرة ومقاومة للتبرّع[36].
3.2.3 التّوصّل إلى الإجماع في الاستئصال
هناك طرق مختلفة للتوصّل إلى الإجماع للاستئصال من جثّة، لكنّها لا تعكس جميعها موقف التّبرّع.
الطّريقة الأولى يمكن للدولة أن تقرّر أنّ كلّ جثّة يمكن أن تكون مصدر أعضاء. أي أنّ الجميع متبرّعون محتملون، ويمكن للدولة التّصرّف بكلّ جثّة لفائدة الخير العام. لكن المشكلة في هذه الحالة أنّ الموقف ليس موقفَ تضامن مع المتبرّع، بل الموقف هو عادة استئصال الأعضاء بصورة آليّة. علاوة على ذلك، الاستئصال غير مقبول أخلاقيًّا إن لم يعطِ المتبرّع موافقته الصّريحة[37]. التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة رقم 2296 يقول: التّبرّع بالأعضاء بعد الموت عملٌ نبيلٌ وجديرٌ بالتّقدير ويجب تشجيعه كمظهر من مظاهر التّضامن السّخيّ. ولكنّه غير مقبولٍ أخلاقيًّا إن لم يعط المتبرّع أو أصحاب الحقّ موافقتهم الصّريحة لذلك[38].
الطّريقة الثّانية هي الطّريقة المستخدمة في بلدان كثيرة، حيث يسري قانون الموافقة الضّمنيّة أو المفترضة. أي، الجميع متبرّعون محتملون من أجل الخير العام، باستثناء الذين أبدوا عدم موافقتهم خلال حياتهم. فهو قانون الصّمت يعني الموافقة، للذين لم يُعربوا عن أيّة إرادة، وهذا يعني أنّهم يوافقون على إعطاء أعضائهم بعد الموت لصالح شخص آخر[39].
الطّريقة الثّالثة هي حالة الاستئصال من جثّة، التي تتمّ فقط إن كان الشّخص أثناء حياته قد أعرب صراحة عن موافقته. أيّ، المتبرّعون هم فقط الذين أبدوا موافقتهم على ذلك. قد تكون هذه الطّريقة هي الأخلاقيّة والإنسانيّة الأمثل، لكسب الإجماع. لكن الخطر في هذه الطّريقة هو أنّ قلّة من المواطنين هم على استعداد لإعطاء موافقة خطّيّة تسمح باستئصال أعضائهم بعد الموت[40].
الطّريقة الرّابعة هي: يُعتبرُ متبرِّعين الذين أبدوا موافقتهم، والذين لم يعبِّروا عن رفضهم. أي أنّ من أعطى الموافقة فهو متبرّع. ومن عبَّر عن رفضه لن يمكن إجراء أي استئصال فيه. ومَن سُئِل ولم يعبّر عن قبوله ولا عن رفضه، سيُفسَّر صمتُه على أنّه موافقة[41].
الطّريقة الأخيرة هي الحالة التي لا يمكن فيها إجراء الاستئصال إلّا بعد موافقة الأهل. التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، رقم 2296 يقول: ليس من المقبول أخلاقيًّا إن لم يعط المتبرّع أو أصحاب الحقّ موافقتهم الصّريحة[42]. يعارض الأقارب غالبًا استئصال الأعضاء، مهما كانت إرادة المتوفّى عندما كان على قيد الحياة، وذلك خوفًا من عدم الاحترام لأحبائهم الموتى وانتهاك سلامة الجثّة الجسديّة[43].
يوفّر طبّ زراعة الأعضاء الأمل بالصحّة والحياة للكثيرين، إلّا أنّه يثير أيضًا بعض المُشكلات الأخلاقيّة. يقول القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني في هذا الصّدد: "ما هو ممكن تقنيًّا، ليس لهذا جائزًا أخلاقيًّا"[44].
يرتبط طبّ زراعة الأعضاء بقيمة أخلاقيّة، أيّ أنّه يقدّم خدمة للحياة ويمكن أن يصبح فرصة ثمينة لاستخدام الرّحمة والمحبّة والتّضامن مع الآخرين. في النّهاية، يمكن القول مع القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني:
بفضل العِلم والتّنشئة المهنيّة وتفاني الأطباء والمهنيّين الصّحيّين، وبتعاونهم ولو كان غير واضح دائمًا، - إلّا أنّه أمر لا بدّ منه للتغلّب على العمليّات الجراحيّة المعقدّة-، تنشأ تحديّات جديدة ورائعة. نحن أمام تحدِّي محبّةِ القريب بطرق جديدة، وبحسب العبارة الإنجيليّة، أمام محبّة ”حتّى النّهاية“ (راجع يوحنّا 13، 1)[45].
[1] Cf. M. P. Faggioni, La vita nelle nostre mani. Manuale di bioetica teologica, Edizioni Dehoniane, Bologna 20164, 202.
[2] Cf. Ibid.
[3] Cf. Ibid., 203.
[4] Cf. Ibid., 203.
[5] Cf. Ibid., 203.
[6] Cf. Ibid., 203
[7] Cf. Ibid., 203.
[8] Cf. M. Aramini - S. Di Nauta, Etica dei trapianti di organi per una cultura della donazione, Paoline, Milano 1998, 21.
[9] Cf. M. P. Faggioni, La vita nelle nostre mani. Manuale di bioetica teologica, 205.
[10] Cf. S. Privitera (ed.), La donazione di organi. Storia, etica, legge, Città Nuova Editrice, Roma 2004, 62.
[11] Cf. M. P. Faggioni, La vita nelle nostre mani. Manuale di bioetica teologica, 205.
[12] Giovanni Paolo II, Ai partecipanti al Congresso Internazionale sui trapianti, Discorso, 29.08.2000, in InsGpaoloII, XXIII, 2, (2000) 281-282.
[13] Cf. S. Privitera (ed.), La donazione di organi. Storia, etica, legge, 69-70.
[14] Cf. M. P. Faggioni, La vita nelle nostre mani. Manuale di bioetica teologica, 207.
[15] Cf. Catechismus Catholicae Ecclesiae, Libreria Editrice Vaticana, Città del Vaticano 1997, n. 2296.
[16] Cf. Ibid.
[17] Cf. S. Privitera (ed.), La donazione di organi. Storia, etica, legge, 71.
[18] Cf. M. P. Faggioni, La vita nelle nostre mani. Manuale di bioetica teologica, 207
[19] Ibid., 207-208.
[20] Cf. Ibid., 208.
[21] Cf. S. Privitera (ed.), La donazione di organi. Storia, etica, legge, 72.
[22] Cf. Ibid., 49.
[23] Cf. J. L. Redrado, «Dono di sé donazione d’organi», in A. Bazzi (ed.), Etica dei trapianti d’organi, Edizioni del Corriere Medico, Milano 1991, 16.
[24] Cf. M. P. Faggioni, La vita nelle nostre mani. Manuale di bioetica teologica, 208.
[25] Catechismus Catholicae Ecclesiae, n. 2301.
[26] Cf. M. Aramini - S. Di Nauta, Etica dei trapianti di organi per una cultura della donazione, 79.
[27] Catechismus Catholicae Ecclesiae, n. 2300.
[28] Cf. M. Aramini - S. Di Nauta, Etica dei trapianti di organi per una cultura della donazione, 79.
[29] Cf. M. P. Faggioni, La vita nelle nostre mani. Manuale di bioetica teologica, 209.
[30] Cf. M. Aramini - S. Di Nauta, Etica dei trapianti di organi per una cultura della donazione, 79.
[31] Cf. M. P. Faggioni, La vita nelle nostre mani. Manuale di bioetica teologica, 209.
[32] Cf. M. Aramini - S. Di Nauta, Etica dei trapianti di organi per una cultura della donazione, 70-71.
[33] Cf. E. Sgreccia - M. L. Di Pietro - G. Fasanella, «I trapianti d’organo e di tessuti sull’uomo: aspetti etici», in A. Bompiani - E. Sgreccia (edd.), Trapianti d’organo. Progressi tecnologici, aspetti etici, prospettive di legislazione, Vita e Pensiero, Milano 1989, 143-144.
[34] Cf. Ibid., 144.
[35] Cf. M. P. Faggioni, La vita nelle nostre mani. Manuale di bioetica teologica, 210.
[36] Cf. Ibid.
[37] Cf. Ibid., 211.
[38] Cf. Catechismus Catholicae Ecclesiae, n. 2296.
[39] Cf. M. P. Faggioni, La vita nelle nostre mani. Manuale di bioetica teologica, 211.
[40] Cf. Ibid., 211-212.
[41] Cf. Ibid., 212.
[42] Cf. Catechismus Catholicae Ecclesiae, n. 2296.
[43] Cf. M. P. Faggioni, La vita nelle nostre mani. Manuale di bioetica teologica, 212.
[44] Giovanni Paolo II, Ai partecipanti al Congresso Internazionale sui trapianti, Discorso, 29.08.2000, in InsGpaoloII, XXIII, 2, (2000) 281.
[45] Giovanni Paolo II, Ai partecipanti ad un Congresso sui trapianti di organi, Discorso, 20.06.1991, in InsGpaoloII, XIV, 1, (1991) 1711.