موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
بمناسبة اختتام الجمعية العامة العادية السادسة عشرة لسينودس الأساقفة الذي دعا إليه قداسة البابا فرنسيس هذا العام، ترأس قداسته القداس الإلهي بمشاركة عدد كبير من الأساقفة والعلمانيين. وخلال عظته المؤثرة قال كلمات بقيت محفورة في قلوب المشاركين ولكل من تابع عمل السينودس جاء فيها: "هذه هي الكنيسة التي نحن، مدعوون لأن نحلم بها كنيسة تكون خادمة للجميع وخادمة للأخيرين، كنيسة لا تطلب أبدًا شهادة حسين سيرة وسلوك، بل تقبل وتخدم وتحب، كنيسة أبوابها مفتوحة وتكون ميناء رحمة".
هذه الكلمات تستحق مننا أن نقف عندها ونتأمل بها، خاصة وأنها تأتي بعد نهاية مرحلة أولى في حياة الكنيسة وهي سينودس 2021–2023 من أجل كنيسة سينودسية (شركة، مشاركة، رسالة). وقد مرّ السينودس بمراحل عديدة لكي يصل اليوم إلى هذه النهاية بداية من الوثيقة التحضيرية لخدمة هذه المسيرة، ومرحلة استشارية وقارية ولقاءات دولية واجتماعات لجمع الخبرات اللازمة وكلها من أجل "السير معًا". ومع نهاية هذه المرحلة التي غاب عنها عدد من أفراد الجماعات المسيحية في مناطق كثيرة من العالم، تدفعنا كلمات قداسة البابا لنواكب هذا الحدث، ونسير معًا من خلال كلماته النابعة من قلب مؤمن بمستقبل الكنيسة التي نريدها.
لا شكّ أننا في أيامنا الحاليّة، ويا للأسف، نشهد على حالة فتور روحي تصيب البعض وتجعلهم ولضغوطات معينة خارج حياة الكنيسة مما يولد هذا البعد نظرة قاسية تجاههم، وفي أماكن معينة تمنعهم من العودة إليها بسبب أحكام مسبقة ودون أي مبررات من قبل المسؤولين في الكنيسة وهذا الوضع ينطبق على الكثير من القضايا الحساسة التي نواجهها. أراد قداسة البابا ذكر كلمة "الكنيسة تقبل" ليقول لنا أنّ الكنيسة وبما تمثله هي على صورة المسيح الذي أتى لخلاص جميع الناس مع خطاياهم وأوجاعهم وضياعهم فهو الحق والطريق والحياة، ومسؤولية الكنيسة هنا قبول الآخر كما هو لا دفاع عن الخطايا التي ممكن أن يرتكبها، بل لشفاء الإنسان من الخطيئة وهذه المداواة لا تتم من مرة واحدة بل بخطوات مستمرة من المرافقة والمتابعة وقبول الإنسان، فالكنيسة هي بيت للجميع وتتسع للكل لتنقل الخلاص للجميع.
الكنيسة وما تحمله أيضًا من أرث كبير من شهادة ورسالة هي على صورة المسيح الخادم الأول، الذي بقي مع تلاميذه وبين الشعب يجول على مدنهم ويجلس مع الخطأة منهم ويسمع لهم، والأهم كان شافيًا لهم بمحبة تجتاز كل مظاهر القيادة والسلطة ببساطة لقد كان خادما لأحبائه. بهذا التواضع كنيسة اليوم مدعوة للخدمة والخروج من ذاتها لتعطي صورة المسيحية الحقيقية خارج الجدران والمحسوبيات، محافظة على كرامة الشخص البشري المعذب وعنوان للانفتاح على الآخر ومد الجسور بين الجميع.
من هذا النداء النبوي الكنيسة مدعوة للانطلاق والحركة من جديد لتكسر هذا الجمود الذي رسم أيام بعض الكنائس في مجتمعات عديدة جراء صعوبات داخلية وخارجة عن إرادتها، فالكنيسة هي حاضرة في حياة الإنسان وهي علامة حضور الله بين البشر ولا يمكنها اليوم أن تبقى منغلقة على ذاتها ومنعزلة عن العالم، وحضورها يكبر عندما تنطلق نحو الآخر من خلال المحبة غير المشروطة التي تميّزها كما فعل المسيح من فيض حبه للإنسان بذل نفسه لخلاصنا ومنحنا الحياة الجديدة. ولكي نمارس هذا الحب علينا أولاً أن نحب بعضنا وهذه العملية تتطلب منا أن نسمح للروح أن يعمل فينا وأن ندعه يقودنا نحو الخير العام الذي من أجله تناضل الكنيسة لتنقل رسالة المحبة والسلام. كنيسة تحب من خلال كونها قريبة من أبنائها بعيدًا عن الحسابات المسبقة التي قد تحكم علاقات من يعمل في الكنيسة مع الآخر. ومن أجل أن تتأصّل هذه المحبّة في حياة الكنيسة من الواجب فتح باب الحوار مع أبنائها، وهذا الحوار هو مسيرة مثابرة تشمل الصمت والألم لكنها قادرة على جمع خبرات جميع الأفراد القريبين من الكنيسة والبعيدين منها لتجد نقاط القوة والضعف وتعمل عليها ومنها تبدأ رسالة المحبة.
نحن مدعوون لنحلم بأن تكون الكنيسة حقيقة كما نريدها، قريبة من الإنسان المعذب وحاضرة في حياة الناس أكثر قربًا من أي وقت مضى، وهذا الحلم سيصبح حقيقة من خلال الصلاة والعمل معًا رغم كل الآلام التي رافقت مسيرة الكنيسة والجراح الناتجة عن هذه الأحزان. "السير معًا" يدعونا لكي نقوم ونمضي لنسير بروح جديدة، تجعلنا نحلم، ولكن بإيمان واثق من أننا أبناء القيامة، ومع المسيح ستنهض عروسه من جديد لتبقى بهية وميناء رحمة لكل من يحتاج لمسة شفاء وتعزية.