موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٤ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٥
تفسير الشعار الأسقفي للمطران الجديد إياد الطوال.. أن أشهد لبشارة نعمة الله
سيادة المطران إياد الطوال، الأسقف المساعد لبطريرك اللاتين في القدس، والنائب البطريركي في الأردن

سيادة المطران إياد الطوال، الأسقف المساعد لبطريرك اللاتين في القدس، والنائب البطريركي في الأردن

+ اياد الطوال :

 

في 17 كانون الأول لعام 2024 عُيِّن المونسنيور إياد طوال أسقفًا مساعدًا ونائبًا بطريركيًا في الأردن. وجرت العادة أن يُصمّم كلُّ أسقف جديد شعارًا لأسقفيّته باعتباره بطاقة هويّته وخارطة طريقه. ويشير الشعار إلى روحانيته ورسالته ومشروعه الراعوي.

 

اعتمد المطران إياد شعارا يمثِّل هويّته الأردنيّة المتجذّرة في الزمان والمكان. فاختار رمزين يشيران إلى حدثيْن خلاصيّين تمّا على أرض الأردن. أحدهما من العهد القديم والآخر من العهد الجديد، دلالة على وحدة الوحي واستمرارية تاريخ الخلاص. واللوحة مقسومة إلى قسمين متساويين.

 

 

القسم الأوّل من اللوحة

 

تهيمن على القسم الأول ثلاثة عناصر: السماء والحمامة والماء، وهي تلمّح بوضوح إلى معموديّة يسوع في نهر الأردن، التي تمّت تحديدًا على الجهة الشرقيّة من النهر (يو 1: 28). أما السماء – بلونها الأزرق - فهي مكان حضور الله، وفي نفس الوقت تأكيد على أننا أصبحنا بفضل معمودية يسوع ومعموديتنا ورثة الملكوت ومواطني أهل السماء. أما الحمامة النازلة فهي صورة الروح القدس: "اعتمد يسوع وخرج لوقته من الماء، فإذا السماوات قد انفتحت فرأى روحَ الله يهبط كأنه حمامة وينزل عليه. وإذا صوت من السماوات يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت " (متى 3: 16-17). وتمثل الموجات المائية الثلاث مياه نهر الأردن، التي تقدّست بملامسة جسد يسوع. وتباركت بالفعل ذاتِه كلّ المياه المستخدمة لاحقًا للعماد. وعمادنا هو رتبة فعّالة تُحدِث ولادةً جديدةً تُعيد الإنسان إلى براءته الأولى، وتجعله عضوا في الكنيسة وابناً لله بالتبني ووارثاً للملكوت السماوي.

 

وهذا المنظر ثالوثيٌّ بامتياز. خلال عماد يسوع، سُمع صوت الآب يخاطب الابن بحضور الروح القدس. وهذا الروح هو الحبّ الذي يربط ويكرّس العلاقة المتبادلة بين الآب والابن. ولنهر الأردن قيمة معنوية لمؤمني الأرض المقدسة. يبدو ظاهريا أنه يفصل بين ضفتيه الشرقية والغربية، ولكنه في الواقع يجمع ويوحّد ويقدّس. فقد أتى يسوع ليهدم الحواجز لا ليكرّسها.

 

 

القسم الثاني من اللوحة

وفي القسم الثاني من اللوحة نشاهد حيّة نحاسية تلتفّ حول عصا موسى. وهي تذكير بالحيّة المذكورة في سفر العدد: "فقال الرب لموسى: "اصنع لك حيّة لاذعة واجعلها على سارية، فكل لديغ ينظر إليها يحيا". فصنع موسى حيّة من نحاس وجعلها على سارية. فكان أي إنسان لدغته حيّة ونظر إلى الحيّة النحاسيّة يحيا" (عدد 21: 8-9). يشير هذا المشهد إلى الخلاص الذي قدّمه الله للعبرانيين الذين لدغتهم الحيات فشُفِيوا من لدغاتها بعد أن نظروا بإيمان إلى القادر على منحهم الشفاء. ويدعونا يسوع إلى تفسير المشهد على المستوى الكريستولوجي، حيث صار هو بارتفاعه فوق الصليب سبب خلاص وينبوع حياة للذين لدغهم إبليس. وهو الذي قال: " كما رفع موسى الحية في البرّيّة فكذلك يجب أن يُرفع ابن الإنسان، لتكون به الحياة الأبدية لكل من يؤمن." (3 يو 14-15).  واللون الأحمر في خلفيّة المشهد إشارة إلى موت يسوع المسيح على الصليب.

 

أما الجبل الذهبي الذي يقع تحت السارية فيرمز إلى جبل نيبو، المكان الذي تأمّل منه موسى أرض الميعاد دون أن يتمكّن من الدخول إليها. بالمقابل، يعدنا الله، بفضل اعتمادنا، بأرض ميعاد جديدة، هي في المرحلة الأولى الكنيسة التي ننضمّ إليها ونقتاتُ بأسرارها المقدسة، وفي المرحلة الثانية أورشليم السماوية، مكان السعادة الأبدية التي سندخلها بعد اجتياز برّيّة هذا العالم. وبفضل هذه اللوحة سيتذكّر الأسقف يوميّا أنه مدعو، على مثال موسى ويسوع، إلى قيادة شعب الله نحو الخلاص.

 

 

آية الشعار

الكلمات المكتوبة أسفل الشعار هي لبولس الرسول: "(حسبي) أن أشهد لبشارة نعمة الله" (أع 20: 24). يعبّر بها بولس بطريقة استثنائية عن عمق علاقته برسالته، وعن استعداده لبذل ذاته. إن جوهر رسالة بولس هو الشهادة ليسوع. وهو يُعرّف الإنجيل الذي يعلنه بأنه "إنجيل نعمة الله". وهنا تظهر إحدى الخصائص الأساسية للاهوت بولس: الخلاص هو عطية مجانية من الله، لا نستحقها بجهودنا، إنما توهب لنا بقوة موت يسوع وقيامته. وأصبح بولس نفسه مثالًا حيًا للإنجيل الذي بشّر به، فأظهر بحياته ما تعنيه القوّة المحوّلة للنعمة.

 

تعبّر آية الشعار عن فكر لاهوتي أصيل: العيش وفقا للإنجيل يعني الدخول في منطق الصليب، حيث تصبح هبة الذات تحقيقا ساميًا للذات. هبة الذات والتخلي ليست إنكارًا للحياة، بل تأكيداً جذريًّا لمعنى جديد، يقوم على النظر إلى الحياة ليس كشيء نتمسّك به تمسّكا أنانيًّا، بل كتقدمة نقرّبها لله، حبّا به ولخلاص العالم.