موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢ مايو / أيار ٢٠٢٤
تأمل الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا للأحد السادس للزمن الفصحي

بطريرك القدس للاتين :

 

في الفصل الخامس عشر من إنجيل يوحنا الذي تأملنا فيه يوم الأحد الماضي، يتحدث يسوع عن العلاقة التي تربطه بتلاميذه واتحادهم معه كاتحاد الغصن بالكرمة. ولا تتمثل هذه العلاقة في حياتين منفصلتين بل في حياة موحدة ومثمرة (يوحنا 15: 1-8).

 

يدعونا مقطع اليوم (يوحنا 15: 9- 17) إلى طرح سؤال أساسي: ما هو هذا الثمر الذي يتحدث عنه يسوع. على الغصن أن ينتج ثمرًا ولكن ما هي تلك الثمار الصالحة التي سينتجها، خاصة وأن الكرّام ماهر، والكرمة جيدة وغصنها ثابت فيها.

 

ما هي هذه الثمرة التي يتحدث عنها مقطع اليوم الذي يتبع ما بدأناه يوم الأحد الماضي.

 

يؤكد يسوع في إنجيل يوحنا أنه يعلم أن الآب يحبه. ويكرر ذلك في مقطع اليوم أيضا، لكنه يضيف شيئًا مهمًا، وهو أنه كما أحبه الآب، فكذلك أحب تلاميذه (يوحنا 15: 9).

 

لا يقول يسوع أنه فقط يحب الآب كما هو أحبه، بل يضيف أنه يحب الاخرين كما أحبه الآب.

 

يعلمنا يسوع أن الحب لا يكمن في تبادل مغلق ومحصور بين شخصين فقط. مثل هذا النطاق المحدود لا يجسد الحب الحقيقي.

 

إذا أحببت شخصا وبادلك الحب وانتهى الأمر كله عند هذا الحد، فمن المؤكد أنها تجربة جميلة ومرضية، ولكن العلاقة ستظل ضعيفة للغاية، وذلك لأنك لا تأخذ بقدر ما تعطي.

 

الحب الحقيقي ينطوي على المخاطرة والتضحية والرغبة في تجاوز مجرد المعاملة بالمثل.

 

محبة يسوع ليست متبادلة بين شخصين فقط، بل هي نعمة في متناول كل من يسعى إليها.

 

هذا هو الحب الناضج الذي يكمن في بذل الذات والذي يفيض على الآخرين.

 

الحب ليس شيئًا نتمسك به، بل هو شيء يجب أن يُعطى بسخاء، على يقين بأن ذلك هو السبيل الوحيد لاستعادته بكامل فيضه.

 

والجميل في الأمر أن هذا ينطبق أيضًا على التلاميذ، بنفس الطريقة تمامًا.

 

في الواقع، لا يطلب يسوع منهم أن يبادلوا حبه، بل أن يشاركونه مع بعضهم البعض ومع الآخرين أيضًا.

 

فهو لا يقول: "أحبوني كما أحببتكم"، بل يقول: "أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً كما أَحبَبتُكم." (يوحنا 15: 12).

 

يعلمنا يسوع أن لا نحبه هو فقط، بل أن نحب بعضنا البعض أيضا. وهذا هو معنى أن نكون أصدقاء معه.

 

ولمثل هذا الحب سمة محددة، وأسلوب خاص، أي أن يسوع يطلب منا أن نحب بعضنا البعض كما أحبنا (يوحنا 15: 12)، لدرجة أنه اختار أن يحبنا حبًا أبديًّا.

 

 الحب الحقيقي لا ينطوي على إعطاء أشياء مادية لشخص آخر بل على بذل الذات في سبيل الاخرين (يوحنا 15: 13).

 

هذه هي وصية يسوع (يوحنا 15: 10)، هذه هي الكلمة التي تقضّب الغصن ليكثُرَ ثمرُه (يوحنا 15: 2).

 

ويعني هذا أن نحب حتى أولئك الذين لا يحبونا ودون انتظار المقابل.

 

ولكي يكون الحب الذي نتلقاه مثمرًا، يجب أن يمتد إلى ما هو أبعد من أنفسنا وأن يتعمق في قلوبنا، ليموت ويولد من جديد ويفيض على الآخرين.

 

عندما يحدث هذا، نفهم حقًا معنى الفرح (يوحنا 15: 11).

 

وهنا نعود إلى ثمرة الفصح التي وردت في مقاطع الإنجيل التي تروي لقاء القائم من بين الأموات مع تلاميذه: "ففَرِحَ التَّلاميذُ لِمُشاهَدَتِهمِ الرَّبّ." (يوحنا 20: 20).

 

إنهم يفرحون لرؤية أن مثل هذا الحب الذي يهب الحياة دون طلب أي شيء في المقابل، يمنحنا الخلاص والحياة الأبدية.