موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الجمعة، ٢١ يونيو / حزيران ٢٠٢٤
تأمل الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثاني عشر من الزمن العادي ب، 2024
مرقس 4: 35-41

بطريرك القدس للاتين :

 

يتبع إنجيل اليوم (مرقس 4: 35-41) مباشرة إنجيل الأحد الماضي، الذي سرد مثلين عن الملكوت وانتهى بصورة لشجرة تنمو في الأرض وتصبح كبيرة جدًا "حتَّى إِنَّ طُيورَ السَّماءِ تَستَطيعُ أَن تُعَشِّشَ في ظِلِّها" (مرقس 4: 32).

 

لهذه الصورة أهمية كبرى، إذ ما من حدود وطنية أو حواجز في السماء. فصورة الشجرة تشير إلى أن ملكوت السموات مفتوح للجميع، سواء كانوا قريبين أم بعيدين. إنه ليس مخصصًا لأمة واحدة أو فئة معينة من الناس، بل لكل مَن يُريد أن يلجأ تحت ظله.

 

يبدأ مقطع اليوم بدعوة يسوع لتلاميذه للعبور إلى الجانب الآخر (مرقس 4: 35). ويشير هذا الجانب إلى شاطئ بحيرة طبرية الوثني والذي قد يمثل منطقة خارج أرض الميعاد أو ملكوت الله.

 

يشير الإنجيلي إلى أن هذا الحدث يتكشف في وقت لاحق من ذلك اليوم (مرقس 4: 35)، مع حلول المساء. إنه اليوم نفسه الذي تكلّم فيه يسوع عن ملكوت الله، والذي يتجاوز حدود أرض إسرائيل، وهو مفهوم ليس من السهل إدراكه أو فهمه. هذه الكلمة تتطلب وقتًا في ظلام الليل، مثل البذرة التي تموت في باطن الأرض قبل أن تُثمر.

 

يشير الإنجيلي إلى تفصيل مثير للاهتمام وهو أن التلاميذ أخذوا الرب "كما هو" إلى السفينة (مرقس 4: 36). ما معنى أنهم يأخذونه كما هو؟

 

ربما يدل ذلك على أنهم يتقبلونه كما هو، دون أن يفهموا ما هو عليه تمامًا، أو أن يدركوا منطقه ورؤيته لملكوت الله.

 

لذلك يأخذونه في القارب كما هو.

 

ولكن كيف يبدو الرب؟ إن الرب أعظم مما يمكن أن يفهمه التلاميذ، وعطية حياته تمتد إلى الجميع، حتى أولئك الذين على الشاطئ الآخر.

 

هذا هو العبور المهم الذي يجدر بالتلاميذ أن يسلكوه.

 

ما يحدث أثناء العبور يكشف التباين بين تفكير يسوع وتفكير تلاميذه.

 

بينما هم يعبرون إلى الشاطئ الآخر، تهب عاصفة شديدة (مرقس 4: 37). اللافت للنظر أنه أثناء العاصفة كان يسوع نائمًا (مرقس 4: 38).

 

كيف يمكنه النوم أثناء هبوب عاصفة شديدة جدًا لدرجة أن المياه تغمر القارب؟

 

ربما يكمن المفتاح في عاصفة أخرى وردت في الكتاب المقدس: يتحدث سفر يونان (يونان 1) عن موقف مشابه جدًا لما حدث في بحر الجليل.

 

يهرب يونان من أمر الله له بدعوة أهل نينوى إلى التوبة، فيركب على متن سفينة ليهرب من حضور الرب، ولكنه يواجه عاصفة شديدة في البحر (يونان 1: 4). وتمامًا كما كان يسوع نائمًا أثناء العاصفة، كذلك كان يونان نائمًا بينما كانت السفينة على وشك الغرق (يونان 1: 5). وكما فعل التلاميذ مع يسوع، كذلك تدخل رفاق يونان الملاحين لإيقاظه.

 

أيقظوه سائلين إياه "لماذا أنت نائم؟" ثم حثّوه قائلين له: "قُمْ فآدعُ إِلى إِلهِكَ لعَلَّ اللهَ يُفَكِّرُ فينا فلا نَهلِك" (يونان 1: 6). وهذه كلمات التلاميذ عينها، إذ قالوا ليسوع: "يا مُعَلِّم، أَما تُبالي أَنَّنا نَهلِك؟" (مرقس 4: 38).

 

كما أن هناك عنصر مشترك آخر، وهو أنه على متن السفينة مع يونان أفراد وثنيين يؤمنون بآلهة أخرى. يصلي كلّ منهم لإلهه، ولكن لا يجدي الأمر نفعًا لتهدئة العاصفة (يونان 1: 5).

 

تقدّم هذه الإشارة العلنية إلى النبي يونان مفاتيح تفسيرية مهمة.

 

أولاً، كان الوثنيون على متن السفينة مع يسوع قبل أن يصلوا إلى الشاطئ الآخر. وكان التلاميذ أنفسهم، على الرغم من كونهم الأقرب إلى تعاليمه وفهمه للملكوت، الأكثر بعدًا في تفكيرهم.

 

وفي بُعدهم هذا، سيطر عليهم الخوف والفزع (مرقس 4: 40)، فقلوبهم كانت مضطربة. وعلى غرار الوثنيين، يثيرون تساؤل المتديّن الذي يتأمل في ما إذا كان الله يرعاه ويهتم به. أما التلميذ الحقيقي فلا ينتابه هذا السؤال، فهو على يقين من صلاح الرب وخلاصه، وينتظر بصبر طريق النجاة، مدركًا حضور الله الدائم في حياته.

 

في النهاية، كما ورد في سفر يونان، فإن الخلاص سيأتي من الشخص النائم في السفينة. وعندما أُلقي يونان في البحر أصبح رمزًا (لوقا 11: 29)، فاختار يسوع الرمز ذاته ليعلن أن الخلاص سيأتي من خلال موته، إذ نام في أحضان الأرض ثلاثة أيام، على غرار يونان في بطن السمكة (يونان 2: 1).

 

وكما تحرر يونان من قبضة الموت، كذلك قام يسوع ليحمل الخلاص للجميع: لتلاميذه، وشعبه، وحتى لأولئك الذين على الجهة الأخرى من البحيرة، حيث سيجد الجميع ملجًأ تحت أغصان شجرة ملكوت الآب العظيمة (مرقس 4: 32).