موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٩ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠
النائب الرسولي في سورية يوجه رسالة الميلاد 2020: نجم المؤازرة يهزم هيرودوس الكورونا
وجّه المطران جورج أبو خازن، النائب الرسولي للاتين في دمشق، رسالة الميلاد لعام 2020، إلى "اخوته الكهنة والرهبان والراهبات، وأبنائه العلمانيين والعلمانيين، وأصدقائه من كل العقائد والمذاهب والديانات". وقد جاءت الرسالة تحت عنوان: "نجم المؤازرة يهزم هيرودوس الكورونا".
المطران جورج أبو خازن، النائب الرسولي للاتين في سورية

المطران جورج أبو خازن، النائب الرسولي للاتين في سورية

المطران جورج أبو خازن :

 

إخوتي وأخواتي،

 

ها إنّ السنة 2020 أشرفت على نهايتها. لقد كانت سنةً صعبة على العالم عمومًا، وعلينا خصوصًا. فإلى جانب صعوبات الحياة التي تزداد في بلدنا يومًا بعد يوم، وتأثير ما يجري بلبنان علينا، وحرائق الغابات والحراج التي سبّبت أذىً للجميع، لا يزال شبح فيروس كورونا يهيمن ويهدّد حياتنا الصحّيّة، والمهنيّة، والاقتصاديّة.

 

ويأتي عيد الميلاد بطابعه المبهج التقليديّ، ويضعنا أمام التحدّي: هل نعيش فيه الفرح مؤمنين بما أعلنه الملاك: «إنّي أبشّركم بفرحٍ عظيم يكون فرح الشعب كلّه» (لوقا 2: 10)، أم نبقى في الحزن بسبب الظروف الصعبة التي نحن فيها وغياب الأمل؟ هل سنتمكّن من الاحتفال بعيد الميلاد هذه السنة على الرغم من الظروف الصعبة؟ بلى سوف نحتفل.

 

لكنّ الاحتفال بعيد الميلاد في هذه السنة سيكون أكثر صمتًا وعمقًا؛ ميلاد يشبه الميلاد الأوّل، عندما وُلِد يسوع في العزلة، بدون أنوار المصابيح الكهربائيّة الصغيرة، بل بنور نجمة بيت لحم، نجمة الرجاء التي تنير لنا طريق الحياة عبر الظلمة المحيطة بنا.

 

يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم في إحدى عظاته: « لم يكن نجم الميلاد نجمًا عاديَّا أو حتّى نجمًا، بل كان قوّةً غير مرئيّةٍ مخبّأة في هذا الشكل الخارجي» (في متّى، العظة 6، 2). نجم يضيء ليل نهار، ولا يحجبه نور الشمس، لأنّ الله جعله دليلاً لمَن يريدون أن يروا الخلاص. نجم يشبه عمود السحاب الذي تقدَّمَ العبرانيّين في الصحراء، فيملي علينا وقت المشي ووقت التوقّف بحسب ما هو مناسب.

 

ميلاد هذه السنة سيكون بلا مواكب بل بداية مسيرةٍ بروح تواضعٍ وراء نجمٍ يشرق في الظلمة لمَن يبحث عن الحقيقة. ميلاد بدون قداديس احتفاليّة بل بوجود إله يملأنا فرحًا من الداخل كما ملأ قلوب المجوس حين رأوا النجم بعد أن تاهوا.

 

في ميلاد هذه السنة، ربّما لن تعجّ الشوارع بالناس، ولن تمتلئ المقاهي، لكنّ العائلات ستجتمع في البيوت، وسيتّقد قلب كلّ مَن يرجو الربّ حبًّا وفرحًا بمجيئه، بدون ضجّة ومهرجانات، والنجم سيجعل كلّ واحدٍ يعيش السرّ بدون الخوف مِن «هيرودوس– كورونا 19» الذي يريد أن يسلبنا حتّى الحُلم بالرجاء.

 

سيحلّ الميلاد لأنّ الله معنا، وهو يشاركنا فقرنا وتجاربنا ودموعنا وقلقنا ويُتمنا،كما فعل المسيح في المغارة قبل ألفي سنة. سيحلّ الميلاد لأنّنا نحتاج إلى نور إلهيّ وسط العتمة الحالِكة. لن يتمكّن هيرودوس الكورونا يومًا من النَيل مِن قلب أو روح مَن يرفعون إلى السماء رجاءهم.

 

حين ظهرت الإصابات بفيروس كورونا، تهوّر بعض المنظّرين وقالوا: هذا الفيروس جعل البشريّة متساوية، فهو يصيب الفقير والغني. لكنّ خبرتي الأسقفيّة تقول إنّ هذا الكلام غير دقيق. لقد أثّر الفيروس في الفقراء أكثر من الأغنياء بكثير، سواء في مستوى القدرة على الحماية الصحّيّة والعلاج، أو المستوى الاقتصاديّ.

 

هذا هو واقعنا، وعلينا أن نواجهه. فما الطريق الذي يدلّنا نجم الميلاد إليه في هذه السنة لنواجه هيرودوس الكورونا؟ الطريق يسمّى المؤازرة. فالبشريّة في مركبٍ واحد، وانهيار المجتمعات الفقيرة سيليه انهيار أبشع للمجتمعات الغنيّة، التي تعتمد في تمتّعها على استغلال المجتمعات الفقيرة. حين تنهار هذه ستنهار تلك. ولا مخرج لنا إلاّ من خلال ما قاله المسيح مرارًا في تعاليمه كما في أمثاله: المؤازرة: المشاركة بالخيرات، إعفاء الديون، إسعاف المحتاجين. لم يعد الأمر إحسانًا أكسب به السماء، بل واجبًا أحافظ به على حياتي من الفناء.

 

نحن بحاجةٍ إلى تنمية ثقافة المؤازرة الواجبة على كلّ واحدٍ من شعبنا السوريّ، سواء كان فقيرًا أو غنيًّا، لا إلى ثقافة مهارة التملّص من الواجب والاختباء وراء الذرائع والحجج. قد يبدو المستقبل الذي نراه قاتمًا، لكنّنا نستطيع أن ننيره بنجم روح المحبّة الإنجيليّة العمليّة، لا بالشعارات والهتافات ومطالبة الآخر بما أعفي نفسي منه.

 

إنّي أدعو كلّ واحدٍ منكم كي يجعل المؤازرة مقصده الأسبوعيّ. في كلّ أسبوعٍ أقوم بفعل مؤازرة عمليّة أو فعلَين، بحسب إمكانيّاتي المتاحة. ففي الظروف الصعبة التي نعيشها، المؤازرة هي رجاؤنا، وهي أيضًا مخرجنا، وبها ننال خلاصنا. إذا التزمنا بالمؤازرة، سيحّل الميلاد، وسنُنشد أغانيه: «المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام، والرجاء لبني البشر».

 

وكل عام وأنتم بخير.