موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٥ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٥
زيارة البابا لاون تُحيي الأمل في لبنان الذي عصفت به الحرب والأزمات

أ ب ، ترجمة موقع أبونا :

 

تُشعل ميراي خوري شمعة بجانب صورة ابنها الراحل إلياس، محاطة بصور السيد المسيح والعذراء مريم، تمامًا كما تفعل كل مساء عند عودتها إلى شقتها في بيروت بعد يوم العمل.

 

كان إلياس في الخامسة عشرة فقط حين قضى في انفجار مرفأ بيروت في آب 2020، ذلك الانفجار الذي هزّ أحياء العاصمة وخلّف مآسي لا تُعد. ومنذ ذلك الحين، باتت خوري من بين الأهالي الذين ينظّمون احتجاجات شهرية للمطالبة بالعدالة لـ218 شخصًا قُتلوا بعدما انفجرت مئات الأطنان من مادة نيترات الأمونيوم المخزنة بطريقة غير آمنة.

 

لكن أعداد المشاركين تراجعت مع تعثّر التحقيق وتلاشي الآمال بالمحاسبة.

 

ومع ذلك، فقد أعادت الزيارة المرتقبة للبابا لاون الرابع عشر إلى لبنان بصيص أمل جديد لخوري ولغيرها في هذا البلد الصغير المنهك بالأزمات. وتقول خوري: "نحن بحاجة إلى الكثير من الصلاة، ونحتاج معجزة ليتمكن هذا البلد من الاستمرار"، مشيرة إلى أنها ستشارك الحبر الأعظم في صلاة صامتة في موقع الانفجار في اليوم الأخير من زيارته.

 

تأتي الزيارة، التي تبدأ الأحد، في إطار أول جولة خارجية رسمية للبابا لاون، وتحقيقًا للوعد الذي قطعه سلفه البابا فرنسيس بزيارة لبنان، وهو بلد ذو غالبية مسلمة يشكّل المسيحيون نحو ثلث سكانه. وتشمل الجولة أيضًا زيارة إلى تركيا. وهذه هي الزيارة البابوية الرابعة للبنان، وتحمل رسالة دعم قوية في وقت يترنّح فيه البلد تحت وطأة عدم الاستقرار الإقليمي والأزمات الداخلية المتفاقمة.

 

فمنذ عام 2019 يعيش لبنان سلسلة انهيارات شملت الاضطرابات السياسية، والانهيار المالي والمصرفي، وانفجار المرفأ، وصولًا إلى حرب مدمّرة بين إسرائيل وحزب الله أدّت إلى سقوط أكثر من 4,000 قتيل، بينهم مئات المدنيين، وإلى دمار تُقدّر خسائره بنحو 11 مليار دولار.

 

بالنسبة لكثير من اللبنانيين، لم يعد يبدو أن هناك حلًا سوى تدخل إلهي ينقذ بلدهم.

 

لا زيارة للجنوب الجريح

 

في بلدة دردغيا، وهي قرية مختلطة من المسيحيين والشيعة في جنوب لبنان، اجتمع نحو عشرة مؤمنين في قاعة صغيرة تحت الأرض للمشاركة في قداس الأحد. وعلى الجدران البيضاء حديثة الطلاء تنتصب صور المسيح والعذراء ومار جرجس، بينما كانت طفلة صغيرة تحرّك المبخرة. وفوقهم مباشرة، لا تزال كنيسة الرعية القديمة للروم الملكيين في حالة خراب بسبب ضربة جوية إسرائيلية خلال حرب العام الماضي.

 

ورغم وقف إطلاق النار الذي توسّطت فيه الولايات المتحدة في تشرين الثاني 2024، واصلت إسرائيل شنّ غارات شبه يومية على جنوب لبنان –وأحيانًا على أطراف العاصمة– بذريعة منع حزب الله من إعادة بناء قدراته. هذا الواقع جعل كثيرين من أبناء البلدة يعزفون عن العودة إلى ديارهم.

 

ويقول كاهن الرعية، الأب موريس الخوري: "لدي رجاء كبير أن زيارة البابا ستُحدث تغييرًا جذريًا في مسار لبنان". ويضيف: "لسنا نعتبر الزيارة مخصّصة للمسيحيين فقط. زيارة البابا بركة وخلاص لكل لبنان". ومع ذلك، يشعر كثيرون في الجنوب بخيبة أمل لأن برنامج الزيارة لا يشمل منطقتهم المنكوبة، على غرار ما فعله البابا فرنسيس في زيارته للعراق عام 2021 عندما قصد مدينة الموصل المدمّرة.

 

ويقول جورج إيليا، وهو من أبناء رعية دردغيا، إنه سيشارك في لقاء البابا مع الشبيبة في بكركي، لكنه لا يزال يأمل في "مفاجأة" تتمثل في زيارة بابوية للجنوب، "هذه الأرض المقدسة التي مشى عليها السيد المسيح". ويضيف: "الجنوب ينزف، وهو بحاجة إلى حضوره (البابا) ليعيننا على الصمود والعودة إلى أرضنا".

علاقات تاريخية متينة مع الفاتيكان

 

كانت أول زيارة بابوية للبنان عام 1964 في مرحلة ازدهار يتذكرها كثيرون بحنين باعتبارها العصر الذهبي للبلاد. جاءت هذه الزيارة في فترة هدوء بين الحرب الأهلية الأولى عام 1958 والاقتتال الداخلي الذي بدأ سنة 1975 واستمرّ خمسة عشر عامًا.

 

أما الزيارات اللاحقة، فجاءت في الوقت الذي كانت فيه البلاد تُعيد بناء نفسها في أعقاب الحرب، في أواخر التسعينيات؛ ثم في عام 2012 خلال ذروة الحرب السورية وأزمة اللاجئين التي امتدت إلى لبنان.

 

ومنذ تأسيسه، كان يُنظر إلى لبنان على أنه ملاذ للمسيحيين. وقد ربطته بالفاتيكان علاقات وثيقة منذ استقلاله عام 1943، وحتى قبل ذلك عبر قرون طويلة. فقد ساهمت الكنيسة الكاثوليكية تاريخيًا في إنشاء العديد من المؤسسات في لبنان، بما في ذلك المدارس والمستشفيات ومراكز الأبحاث، ما أسّس علاقة فريدة لم تقتصر على المسيحيين فحسب، بل شملت المسلمين وغيرهم أيضًا.

 

ويشرح المؤرخ شارل حايك أن اللبنانيين لطالما أدركوا أهمية الحفاظ على علاقات متينة مع الفاتيكان. ويضيف: "أدرك جميع اللبنانيين، من كل الطوائف، أن إيصال صوت بلد صغير يتطلب بناء شبكات دعم". ولهذا، كان رؤساء الحكومات السنّة، إلى جانب الرؤساء الموارنة، يدعمون الدعوات إلى زيارات بابوية.

 

ويتضمن جدول زيارة البابا لاون الرابع عشر لقاءً للحوار بين الأديان مع رؤساء الكنائس والطوائف الإسلامية والمسيحية في قلب العاصمة بيروت، في منطقة شهدت احتجاجات واسعة عام 2019 وتعرّضت لدمار كبير في انفجار المرفأ.

استمرار إرث البابا فرنسيس

 

وتشير ميراي خوري إلى أن الراحل البابا فرنسيس واصل دعم عائلات ضحايا انفجار مرفأ بيروت حتى حين تراجع الضغط الدولي على الدولة اللبنانية. فقد دعا عددًا من الأهالي إلى الفاتيكان، بمن فيهم خوري، لكنها لم تتمكن من الذهاب.

 

وتشرح: "كانت آخر عطلة قضيتها مع ابني في روما، وكان من الصعب جدًا عليّ العودة. لم أستطع تحمّله نفسيًا". ومع ذلك، فقد منحتها كلمات البابا حينها شعورًا بـ"السلام الروحي".

 

وتأمل خوري أن تتمكن من لقاء البابا الجديد، ولو لوقت قصير، لتطلب منه مواصلة الحديث عن انفجار المرفأ حتى لا يُنسى التحقيق. وتقول: "سأتوسل إليه وأناشده أن يواصل الضغط حتى لا تسير هذه القضية كغيرها من القضايا في لبنان".

 

وتضيف أنها تتوقع أن تُسهم زيارة البابا في تعزيز إيمانها، الذي غالبًا ما يكون السند الوحيد الذي يبقيها على قيد الحياة.

 

وتختم: "أنا أعيش على الرجاء… الرجاء بأنني سألتقي بابني يومًا ما".