موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢١ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٢
المهاجرون الكاثوليك في الأرض المقدّسة: إيمان عظيم يمارس في الخفية

ترجمة أبونا :

 

قبل عام، تمّ تعيين الأب نيقوديموس شنابل، الراهب البندكتاني من دير رقاد العذراء في جبل صهيون بمدينة القدس، نائبًا بطريركيًا للمهاجرين وطالبي اللجوء في بطريركية القدس للاتين. بالتالي، فإنّه يقود المنصب الذي أنشأه البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا عام 2018 لرعاية المهاجرين وطالبي اللجوء من جميع الجوانب، من العناية الرعوية إلى التعليم والأسرار.

 

إنّه النائب البطريركي السادس، إلى جانب النواب في فلسطين والأردن وقبرص وإسرائيل والكاثوليك الناطقين بالعبريّة. يوضّح الأب شنابل لفاتيكان نيوز: "إنّها نيابة ضخمة تضم ما يقرب مائة ألف كاثوليكي"، وهو رقم يمكن تفهمه كون العديد من العمّال المهاجرين، 90 في المائة منهم من النساء، إما دخلوا البلاد بشكلّ غير قانوني أو انتهت صلاحيّة تأشيراتهم، أو دخلوا كسياح ثم انخرطوا في عمل غير قانوني. بالتالي فإنّ التحدي الحقيقي أمام الأب شنابل هو أن يتعامل مع أمر خفي في العلن.

 

خفاء واستغلال

 

يشمل المجتمع الذي يقوده الأب شنابل على جميع الجنسيات، بدءًا من الفلبينيين والسريلانكيين والهنود والصينيين ثم الأوكرانيين والبولنديين والرومانيين والأفارقة الناطقين بالإنجليزيّة والفرنسيّة – إنّهم يمثّلون مجتمعات مختلفة وعادات وطقوس متنوعّة.

 

أما بالنسبة لطالبي اللجوء، فهم يأتون بشكل أساسي من إريتريا وإثيوبيا. يوضّح الأب شنابل إنّهم "أولئك الذين فرّوا من الإرهاب والحرب ويعيشون في طي النسيان، في فراغ"، مشيرًا إلى أنهم "ليسوا لاجئين، إنما طالبو لجوء. أي أنهم يأملون في المستقبل أن يكونوا قادرين على المضيّ قدمًا. بالنسبة لهم الآن، فإنّ الجنة هي كندا. وهذه المجموعة آخذة في الانكماش".

 

أما مجموعة العمّال المهاجرون فهي آخذة في النمو أيضًا. إنّهم أولئك الذين يسعون إلى مستقبل آمن لأنفسهم ولأطفالهم. ويقول: "في كثير من الأحيان، يحدث أن تترك الأم أطفالها وزوجها في المنزل، وعندما يكون هذا الأخير أيضًا في بلد آخر، يتم تربية الأطفال على يد الأجداد. ثم ينتهي الأمر بالآباء إلى رؤية أطفالهم فقط، ولسنوات، عبر السكايب والزووم".

 

ويشير إلى أن هؤلاء العمّال المهاجرين يعملون في ثلاثة قطاعات. تعمل النساء في المنازل أو الزراعة، والرجال في البناء. ويضيف أن "الكثيرين" يبدؤون إقامتهم بشكل قانوني، فهناك اتفاقيات مع سريلانكا والهند والفلبين، لكنّ ظروف العمل محفوفة بالمخاطر. وهذا يعني أنه إذا لم يسير الأمر بشكل جيّد مع صاحب العمل، وفي حالات كثيرة، نسمع عن عنف منزلي واستغلال جنسي والعديد من الأمور المشينة والتي لا ترغب أوروبا بأن تعرف عنها شيئًا، ثم يذهب هؤلاء الأشخاص تحت الأرض ويستمرون في العمل، وغالبًا ما يعيش من 20 أو 25 شخصًا في غرفة واحدة. يعملون كعمّال نظافة، وهو مجال العمل المعروف للمهاجرين غير الشرعيين، أو مع عائلات تقوم بتوظفيهم خارج الأوراق الرسميّة والسجلات الماليّة".

مساعدة وحماية الأمهات والأطفال

 

أصبح وضع هؤلاء الأشخاص أكثر خطورة بسبب الواقع بأنهم لا يستطيعون الزواج. إنهم محرومون فعليًّا من أن يكون لديهم زوجًا أو زوجة أو أطفال. لقد تمّ تعليق حق الإنسان في تكوين أسرة"، لأنّ الزواج يصبح غير شرعيًّا بشكل تلقائي. ولا يمكن للمرأة أن تنجب أطفالًا. فالولادة تكون أيضًا غير شرعيّة. وهذا يعني أن المأساة المتعلقة بالحمل غير المرغوب به هي تجربتي اليوميّة في العناية الرعويّة، وكذلك الأفكار القاتلة لهؤلاء النساء العازبات. ويمكن للمرء أن يدرك بسهولة أن هؤلاء النساء لا يحملن بإرادتهن ضمن علاقة حب في كثير من الأحيان. وهناك أيضًا أمور تنتج عنها مآسٍ.

 

عندما يقول المسيحيون: ’نعم للحياة من دون مساومة‘، فإنّ لهذا آثار عمليّة على الشأن الخدمي. فالأمهات الحوامل يحتجن إلى كل مساعدة وكل حماية. هذا هو السبب الذي قاد الأب شنابل، مع عددٍ من الراهبات، لإنشاء العشرات من مراكز الرعاية النهارية للنساء المهاجرات في الأرض المقدسة. حتى أن بعض هؤلاء الأمهات يعملن هناك، وتمّ استبعادهن من سوق العمل الوحشي، كما تقول الراهب البندكتاني، لكي يتمكنّ من رعاية أطفالهن وأطفال النساء اللواتي في ظروف مماثلة.

 

كذلك، يُدير النائب البطريركي للمهاجرين بيتًا للأطفال يُدعى "بيت الملاك الحارس". ويوضحّ بأنّ "آباءهم غير موجودين، والأمهات غارقات في حياتهنّ، وفي كفاحهنّ من أجل البقاء، من هنا فإنّنا نستضيف الأطفال والأمهات أيضًا. إنّنا نعتني بهم، ونحن هناك من أجلهم على مدار 24 ساعة في اليوم. هؤلاء الأطفال يحتاجون أيضًا إلى رعاية نفسيّة واجتماعيّة. إنّه جانب مهم جدًا من عملنا. وبالتالي، ولكي نكون في اتساق تام: فإذا دافعتُ عن قيمة الحياة، فيجب عليّ أن أتعامل أيضًا مع النتائج".

اليوم العالمي للمهاجرين في الأرض المقدسة 2022 (تصوير: البطريركية اللاتينية)

الصلاة "أونلاين"

 

هذه هي الضواحي الوجودية التي لا يتعب البابا فرنسيس من الحديث عنها أبدًا. ومع ذلك، فإنّ حياة الإيمان للمهاجرين في الأرض المقدسة قويّة. يقول النائب البطريركي الأب نيقوديموس شنابل: إنّ هذا هو "الجانب الإيجابيّ الذي يحرّكني بشدة".

 

يضيف: "إنهم إخوة وأخوات في الإيمان، لأنه لا توجد معموديّة ألمانيّة، أو معموديّة هنديّة، أو معموديّة سريلانكية، هناك معمودية واحدة فقط. وهؤلاء هم أخواتي وإخوتي حقًا. هذا يعني أنني عندما أتحدّث عنهم، وعن الأخوّة بين جميع الناس، فإنني أتكلّم عن إخوتي المعمّدين الذين ينتمون بشكل كامل إلى كنيستي. وعندما أرى الظروف التي يعيشون فيها، ويتحملونها، ثم أعاين قوّة إيمانهم، فهذا يلمسني حقًا بشكل عميق".

 

ويشير إلى عشرات مجموعات الصلاة الأونلاين التي تتم في الساعة الحادية عشرة ليلاً أو منتصف الليل، والتي تنضم عبر الانترنت ليس بدافع الراحة إنما الرغبة الخالصة. ومن الطبيعي تمامًا أن تبثّ الصلوات عبر اليوتيوب أو الفيسبوك أو الانستغرام. فالرقمنة تعتبر نعمة بالنسبة لهم، كونها تستجيب لرغبتهم في الصلاة بشكل يوميّ، كونهم لا يستطيعون القيام بذلك، بل والأسوأ من ذلك، حتّى يوم الأحد". ويتابع: "هناك رغبة لا تصدّق في عيش الإيمان، فعلى سبيل المثال بين الهنود: لديهم العديد من البرامج الكتابيّة لزيادة المعرفة حول الإنجيل. وعندما أعظ، أتفاجأ دائمًا عندما أقتبس من الإنجيل، فإنهم يرددون المقطع الإنجيلي.

 

كذلك يتعامل الأب شنابل مع مجتمع مهاجرين خاص جدًا: عمّال البناء الصينيون. "هذا المجتمع، وعلى الرغم من أنهم لا يخشون الترحيل، لأنهم جميعًا في البلاد بشكل قانونيّ، كعمال بناء، إلا أنهم، ومع ذلك، يمارسون إيمانهم في الخفاء. إنها في الواقع إحدى المجموعات التي أقوم فيها بمنح المعموديّة للكبار بشكل منتظم".

اليوم العالمي للمهاجرين في الأرض المقدسة 2022 (تصوير: البطريركية اللاتينية)

الإيمان والعبادة

 

إن شدّة إيمان الأخوة والأخوات المهاجرين في الأرض المقدسة تمسّ بعمق هذا الكاهن. ويختتم الأب شنابل قائلاً: "عندما أقف على المذبح، أنظر إليهم، هؤلاء ’عبيد العصر الحالي‘، المهمشون والمميزون ضدهم، عندما أشاهد الفرح والقوة التي يظهرونها خلال مشاركتهم في الصلوات، فإنني أقاوم دموعي، في كل صلاة، معتقدين أنني محظوظ كوني كاهنًا وراهبًا ودكتورًا في اللاهوت، لكن هؤلاء الناس هم أقرب إلى الله مني".