موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٠ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٤
المعاناة في حياة الانسان

أشخين ديمرجيان :

 

من أجل الدور الكبير الذي تلعبه المعاناة في حياة الإنسان، تدعو الكنيسة المؤمنين منذ أكثر من ألفي سنة إلى ممارسة أعمال الرحمة الجسدية والروحية للتخفيف عن الآخرين ماديًا ومعنويًا. ذكّر الحبر الأعظم بأن رسالة الكنيسة هي إعلان رحمة الله الذي يدعونا جميعًا لكي نعود اليه تائبين.

 

اللقاء معه عزّ وعلا يُلهم المؤمن مشاعر الرحمة لإخوته البشر، كما يرحم الله الإنسان (نوعًا ما وبشكل محدود). وفي إطار التقارب المسيحي الإسلاميّ ممكن أن يستشهد المرء هنا بالمقولة الإسلامية المأثورة: "ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء" (رواه التّرمذي).

 

قال قداسة البابا في إحدى عظاته: "الرحمة كما توصف في الكتاب المقدّس هي فضيلة تؤثر على إرادة الشخص، ليشعر بالتعاطف، فيخفّف إن أمكن عن الناس معاناتهم وشدائدهم. وحيث تغيب الرحمة يغيب العدل.." مشدّدًا على أن "هيمنة الفساد جعلت مفهوم الرحمة مغلوطًا، يحسب البعض أنها تعني فقط (الشفقة)، ولكن الرحمة تعني الحكم العادل"، وأضاف قائلاً: "هذا الزمن هو زمن الرحمة، ومن المهمّ للمؤمنين أن يعيشوها وينشروها في الأماكن المختلفة من المجتمع".

 

وأعمال الرحمة في الإنجيل المقدّس وسِفر طوبيّا تُقسم إلى قسمين: سبعة أعمال رحمة جسدية وسبعة مثلها روحانيّة.

 

 

أعمال الرحمة الجسدية (متّى 25: 35-40)

 

إطعام الجائع: "لأنّي جعتُ فأطعمتموني". سقي العطشان: "وعطشتُ فسقيتموني". كسو العريان: "كنتُ عريانًا فكسوتموني". زيارة السجين: "كنتُ محبوسًا فأتيتم إليّ". إيواء المشرّد: "كنتُ غريبًا فآويتموني". زيارة المريض: "كنتُ مريضًا فعدتموني". دفن الميت: "كان طوبيّا... يدفن الموتى والقتلى بغيرة شديدة" (طوبيّا 1: 20). ويلخّص السيّد المسيح أعمال الرحمة الجسدية ومكأفأتها السماويّة المعنويةّ هكذا: "الحق أقول لكم، إنّكم كلّما فعلتم ذلك بأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فبي فعلتموه" (متّى 25: 40).  

 

 

أعمال الرّحمة الروحانيّة

 

نُصح الخاطىء: "الحقّ أقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين صِدّيقًا لا يحتاجون الى توبة" (لوقا 15: 7).

 

إرشاد الجهول: "من ردّ خاطئًا عن ضلال طريقه قد خلّص نفسًا من الموت وستر جمًّا من الخطايا" (يعقوب 5: 20).

 

إرشاد مضطرب القلب: "السلام أستودعكم سلامي أعطيكم... لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع" (يوحنّا 14: 27).

 

تعزية الحزين: "تعالوا إليّ يا جميع المُتعَبين وثقيليّ الأحمال، وأنا أريحكم" (متّى 11: 28).

 

تحمّل الظلم بصبر: "أحبّوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، باركوا لاعنيكم" (لوقا 6: 27-28).

 

غفران جميع الإساءات والأذى: "واغفر لنا ذنوبنا كما نحن نغفر لمن أساء إلينا" (متّى 6: 12 ولوقا 6: 28).

 

الصلاة لأجل الأحياء والأموات: "أريد قبل كلّ شيء أن تُرفَع صلوات وابتهالات وتضرّعات وتشكّرات من أجل جميع الناس..." (تيموثاوس الأولى 2: 1-2).

 

أعمال الرحمة سالفة الذكر قد تُبيّن لنا أنّ الرحمة تتوافق بأشكال مختلفة مع الصدقة، ولكن هذا ليس بصحيح. وليس هذا ما تُفسَّر به الرحمة، لأن الرحمة تجاه القريب هي أن نفعل له ما نريده أن يفعل من أجلنا، كما علّمنا السيّد المسيح، ونبّهنا أنّ من لا يقوم بأعمال الرحمة تجاه القريب، لن ينال ملكوت السماوات، إذ ليس من يقول "يا ربّ يا ربّ يدخل ملكوت السماوات بل من يعمل مشيئة الرب".

 

وبواقعيّة مؤثرة أظهر القديس يعقوب الصغير أوّل اساقفة القدس أنّ الكلام اللطيف لا يكفي بل عمل الخير والرحمة والإحسان (5: 14-17): "هل فيكم مريض؟ فليدعُ شيوخ الكنيسة، وليصلّوا عليه بعد أن يمسحوه بالزيت باسم الربّ. إنّ صلاة الإيمان تُخلّص المريض، والربّ يُعافيه. وإذا كان قد ارتكب بعض الخطايا غُفرت له. فليعترف بعضكم لبعض بخطاياه، وليُصلِّ بعضكم لبعض كي تُشفَوا. صلاة البارّ تعمل بقوّة عظيمة".

 

 

خاتمة

 

يسمح الله بالألم لأنّ الألم يجعلنا نُدرك أنّ الله كلّيّ القُدرة، ويقودنا لنتيقّن ونختبر أنّ الله صاحب السّلطان. والألم يساعدنا أن نكتشف إن كانت محبّتنا لله ستظلُّ ثابتة وراسخة (باستعدادنا لتحمُّل الآلام التي يسمح لنا بها)، أم أنّ محبّتنا موجودة فقط حين يُنعم ويُحسن علينا من فيض خيراته وعطاياه!