موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الثلاثاء، ١٣ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠
المطران يوركوفيتش: عقوبة الموت تحمل في طياتها بعدًا وحشيًا غالبًا ما يكون مخفيًا
عقوبة الإعدام هي أحد أعراض ظاهرة العنف، وليست حلاً لها.

فاتيكان نيوز وأبونا :

 

قال مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى مكاتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف، رئيس الأساقفة إيفان يوركوفيتش، إنّ مسألة التأكيد على رفض حكم الإعدام ليست حديثة بل قديمة العهد، وهذه القناعة وُجدت دومًا. لكن الاحتفال باليوم العالمي ضد عقوبة الإعدام، والذي يتم منذ العام 2003، يعكس وجود وعي وإدراك جديدين. ولفت إلى أن لهذا الموضوع بعدَين: الأول خلقي والثاني قانوني. وهذان البعدان مترابطان مع بعضهما، لكن الدول تميل غالبًا إلى فصل الناحية الخلقية عن تلك القانونية.

 

وشدد الدبلوماسي الفاتيكاني، في مقابلة مع موقع ’فاتيكان نيوز‘ الإلكتروني، على ضرورة أن تكون العدالة مرفقة بالرحمة، حتى إذا كان هذا الأمر غائبًا عن البعد القانوني والتشريعي. ولفت إلى أن الكثيرين، خصوصًا الأجيال الفتية، يعتبرون أن قتل إنسان ما أمر غير مقبول من الناحية الخلقية، وذلك بغض النظر عن الفعل الذي ارتكبه، لاسيما لأن الموت لا يعطي المذنب إمكانية التوبة والعودة عن الخطأ الذي ارتكبه.

 

وتحدث يوركوفيتش عن وجود ثلاثة مستويات للمعرفة، أولاً المستوى العقلي: أي أن يطّلع الإنسان على الأرقام والمعطيات والروايات، ليفهم المسألة. ثانيًا المستوى المرئي: أي عندما نرى صورة فوتوغرافية على سبيل المثال، لافتًا في هذا السياق إلى صورة الطفل الذي مات غرقًا، وهذا الأمر يحرك الضمائر أمام المآسي الواقعية. أما المستوى الثالث، والذي يتحدث عنه البابا فرنسيس غالبًا، فهو الالتقاء بالأشخاص، وهنا يتغيّر كل شيء. فتنهار كل القناعات السابقة، عندما ترى شخصًا يتألم ويعيش في ظروف لا يمكن القبول بها. وعبّر يوركوفيتش عن اعتقاده بأن عقوبة الموت تحمل في طياتها بعدًا وحشيًا غالبًا ما يكون مخفيًا. إنها ممارسة موجودة بيننا في عالم اليوم، وثمة تشريعات بشأنها، لكن رؤيتها مسألة مؤلمة جدًا. واعتبر أنه لهذا السبب لا تحظى هذه الممارسة على الحكم السلبي الذي تستأهله.

 

وتوقف رئيس الأساقفة يوركوفيتش عند المسؤولية الملقاة على عاتق الدول الكبيرة، مشيرًا إلى أن سلوك هذه الدول بالغ الأهمية لأنه يحظى باحترام كبير وسط معزوفة الأمم. وقال إن هذه المسوؤلية هي أكبر عندما تتمتع الدولةُ بحق النقض أو الفيتو داخل مجلس الأمن الدولي، وذلك في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، الصين، فرنسا وبريطانيا. وذكّر بأن السلطة السياسية هي غالبًا ثمرةٌ للعملية الانتخابية، وهذا يعني في نهاية المطاف أن مسؤولية مناهضة عقوبة الإعدام تقع على عاتق الجميع. وندد بالتعرض لمبدأ الحق في الحياة والنيل من كرامة الإنسان بحجة الدفاع عن الأمن القومي أو النظام العام.

 

ولم تخلُ كلمة سيادته من الإشارة إلى الدور الذي تلعبه الكنيسة في هذا السياق، بالإضافة إلى جميع الرجال والنساء ذوي الإرادة الصالحة، والذي يتمثل في تربية الأشخاص. وسلط الضوء ختامًا على ضرورة معالجة الضمير البشري مذكرًا بأن الأمور يمكن أن تتغيّر، ومعبّرًا عن قناعته بأن خطوات إلى الأمام ستتحقق بفضل نضوج ضمائر الناس ونمو المسؤولية العامة، تشجعنا أيضًا الرسالة العامة الأخيرة للبابا فرنسيس.


 

قتل إنسان هو دومًا جريمة

 

وكان البابا فرنسيس قد تطرّق في رسالته العامة الأخيرة "جميعنا أخوة" (Fratelli tutti) إلى عقوبة الموت، وقال إنّها لا تحل المشاكل القائمة. واستشهد بتصريح سلفه البابا القديس يوحنا بولس الثاني، الواضح والحازم، بأنّ هذه العقوبة هي غير ملائمة على المستوى الخُلقي ولم تعد ضروريّة على المستوى الجنائي. بالتالي، أكد بيرغوليو على أنّ عقوبة الإعدام غير مقبولة، والكنيسة تعمل بعزم على طرح إلغائها في جميع أنحاء العالم.

 

وتساءل الحبر الأعظم: من المستحيل أن نتخيّل ألّا يكون لدى الدول اليوم أيّ وسيلة أخرى غير عقوبة الإعدام للدفاع عن أرواح الضحايا مِن المعتدي الظالم؟، موضحًا بأنّ الحجج التي تعارض عقوبة الإعدام هي كثيرة ومعروفة. وقد سلّطت الكنيسة الضوء بشكل مناسب على بعضها، مثل إمكانية وجود خطأ قضائي، أو تطبيقها من قبل الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، التي تستخدمها كأداة لقمع المعارضة السياسية أو اضطهاد الأقليّات الدينية والثقافية، التي هي جميعها ضحايا، والتي هي "مجرمة" وفقًا لقوانينهم.

 

ودعا البابا فرنسيس في رسالته العامّة، كلّ المسيحيين وذوي الإرادة الصالحة، "إلى الكفاح، ليس فقط من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، سواء كانت قانونية أو غير قانونية، وفي جميع أشكالها، ولكن أيضًا من أجل تحسين ظروف السَجن، احترامًا للكرامة الإنسانية للأشخاص المحرومين من حرّيتهم"، رابطًا إياه بالسجن المؤبّد الذي وصفه بأنّه "عقوبة إعدام مستترة".


 

عقوبة لا رجعة عنها!

 

وكانت منظمة الأمم المتحدة قد أعلنت يوم 10 اكتوبر تشرين الأول يومًا عالميًا لمناهضة عقوبة الإعدام.

 

وما تزال أطراف كثيرة تبذل جهودًا حثيثة من أجل الحد من هذه الظاهرة وصولاً إلى إلغاء حكم الإعدام في أنحاء العالم كافة. ومن بين الجهات المناهضة لعقوبة الموت منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشونال) التي أشارت إلى تراجع في عمليات الإعدام.

 

ففي عام 2019، سجّلت منظمة العفو الدولية ما لا يقل عن 657 عملية إعدام في 20 بلدًا، أي أقل بنسبة 5 في المائة من 2018 (690 عملية إعدام على الأقل)، وهذا أدنى عدد من عمليات الإعدام توثقه منظمة العفو الدولية منذ عقد على الأقل. وقد نُفّذت معظم عمليات الإعدام المعروفة في الصين وإيران والمملكة العربية السعودية والعراق ومصر – على هذا الترتيب.


 

لماذا ينبغي إلغاء عقوبة الإعدام؟

 

تُعتبر عقوبة لا رجعة فيها وقد تقع أخطاء في الأحكام. فالإعدام نهائي ولا يمكن تداركه: فلا يمكن أبدًا استبعاد خطر إعدام شخص بريء. فمنذ عام 1973، على سبيل المثال، كان هناك أكثر من 160 سجينًا في انتظار تنفيذ حكم الإعدام في الولايات المتحدة؛ وفي وقت لاحق، تمت تبرئتهم، أو أفرج عنهم، استنادًا إلى ثبوت براءتهم. وأعدم آخرون على الرغم من وجود شكوك حول إدانتهم.

 

وعقوبة الإعدام لا تردع الجريمة. فالبلدان التي تنفذ عقوبة الإعدام تنظر إليها على أنها وسيلة لردع الناس عن ارتكاب الجرائم. وقد تم دحض هذا الادعاء مررًا وتكرارًا، وليس هناك أي دليل على أن عقوبة الإعدام أشد ردعًا في الحد من الجريمة أكثر من السجن مدى الحياة.

 

وغالبًا ما تستخدم عقوبة الإعدام في إطار أنظمة العدالة المنحرفة. ففي العديد من الحالات التي سجلتها منظمة العفو الدولية، تم إعدام أشخاص بعد إدانتهم في محاكمات بالغة الجور، استنادًا على أدلة مشوبة بالتعذيب، وعدم التمثيل القانوني المناسب. وفي بعض البلدان، تُفرض أحكام الإعدام باعتبارها عقوبة إلزامية بالنسبة لجرائم معينة، مما يعني أن القضاة غير قادرين على النظر في ظروف ارتكاب الجريمة أو ظروف المدعى عليه قبل إصدار الحكم.

 

وهي عقوبة تنطوي على التمييز. فهؤلاء الذين ينحدرون من أصول اجتماعية أو اقتصادية أشد حرمانًا، أو ينتمون إلى أقليات عنصرية أو عِرقية أو دينية، هم أكثر من تُفرض عليهم عقوبة الإعدام بشكل غير متناسب. ومن مظاهر هذا التمييز افتقار هؤلاء إلى سبل الحصول على تمثيل قانوني، على سبيل المثال، أو تضرُّرهم [تعرُّضهم للضرر] بصورة أكبر في تعاملهم مع نظام القضاء الجنائي.

 

وعادة ما يتم استخدام عقوبة الإعدام كأداة سياسية لمعاقبة المعارضين السياسيين.