موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أعلن الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا، حكمت الهجري، رفضه باسم الطائفة للإعلان الدستوري الجديد متهمًا رئيس الإدارة السورية الانتقالية احمد الشرع بمحاولة التأسيس لديكتاتورية جديدة، وطالب الهجري بإعادة صياغة الإعلان يؤسس لنظام ديمقراطي تشاركي، يأتي هذا بعد الإجماع الكردي أيضًا على رفض الإعلان الدستوري، مما ينبأ ببوادر أزمة سياسية داخلية.
وقال الهجري في بيان له إن على الدستور أن يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية التاريخية والثقافية للبلاد، بما يضمن استقلالية وفصل السلطات، وتوسيع صلاحيات الإدارات المحلية، والحد من صلاحيات رئيس الجمهورية. وندد الهجري في بيانه بسياسة الإقصاء التي انتهجها الدستور الجديد، بما يفرضه من "ضبابية وغموض وفرض لسياسة الأمر الواقع بلون واحد".
كما لوح الهجري في بيانه إلى أن الشرع إنما يؤسس من خلال إعلانه الجديد إلى ديكتاتورية جديدة، إذ انتظرت الطائفة السورية كغيرها من مكونات الشعب السوري لتأسيس دولة ديمقراطية وجامعة بعد "سقوط رأس الفساد" متمثلاً بنظام بشار الأسد، "لكن الواقع جاء مخالفًا لكل الوعود... والوعود المقدمة مجرد تطمينات وهمية لا تمت للواقع بصلة"، على حد تعبيره.
وشدد الهجري على رفض الإعلان الدستوري الذي "صدر بيد لجنة من لون واحد وكأنه استمرار لنظام الاستبداد إذ يمنح الصلاحيات المطلقة لشخص واحد، مما يؤسس لسلطة دكتاتورية جديدة"، وفقاً لما جاء في البيان.
وعلى اعتبار أن الهجري هو الرئيس الروحي للطائفة الدرزية وأحد شيوخ العقل القائمين عليها، فإن رفضه يمثل رأي أغلبية الطائفة الدرزية التي كانت بالفعل وقبل تصريحات الهجري، خرجت في مظاهرات حاشدة رفضًا للإعلان الدستوري الذي يهمش حقوق الأقليات وتمثيلها وواجباتها في سوريا الجديدة.
ويرى الدروز أنهم بينما يناضلون من أجل الحفاظ على لحمة ووحدة النسيج السوري في ظل التحديات الراهنة، إلا أن الشرع من جهة أخرى يحاول إقصائهم بما أوتي من قوة وصلاحيات قام بتوسيعها ومنحها لنفسه، بدستور صاغه بنفسه ومن حوله ثلة من "لون واحد"، كما وصفها الهجري.
ويواجه الدروز تحديات متعلقة بالأمن القومي والهوية الوطنية، لا سيما بعد تصريحات الساسة الإسرائيليين المتكررة التي تلعب على وتر الأقليات في سوريا، حيث تلوح الحكومة الإسرائيلية بتدخل عسكري لحماية الأقلية الدرزية في سوريا، لا سيما بعد أحداث الساحل الدامية التي استهدفت الأقلية العلوية وراح ضحيتها نحو 1400 سوريًا أغلبيتهم من الطائفة العلوية.
وزاد من حدة وخطورة الموقف، لدى القاعدة السورية الشعبية على الأقل، الزيارة الدينية التي قام بها وفد درزي لمقام النبي شعيب في الأراضي الإسرائيلية في مرتفعات الجولان، حيث تم استقبالهم من قبل وفد إسرائيلي درزي، كما تناولت التقارير قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستقبال أحد مرجعيات الدروز المرافق للوفد السوريين "استقبالاً حاراً".
ولوح الشيخ الهجري إلى أن المكون الدرزي قد يقابل الدستور بالعصيان، وأضاف قائلاً "لن ننفذ أي بند في أي دستور أو إعلان لا يتوافق مع إرادة الشعب وحقوقه". وختم الشيخ الهجري بيانه بالتأكيد على أن "الشعب السوري لن يقبل بالذل أو الاستهانة بإرادته، وهو قادر على تحقيق الاستقرار بنفسه، بعيدًا عن أي فرض أو استئثار أو قرارات ملثّمة".
وقبل الدروز، جاءت أولى ردود الفعل الرافضة للإعلان الدستوري من المكون الكردي، فبعد أجواء تفاؤلية أعقبت توقيع الاتفاق بين رئيس الإدارة الانتقالية لسوريا أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي، جاء الإعلان الدستوري بمثابة صدمة في الأوساط الكردية، حيث رفضته المظلة السياسية الكردية جملة وتفصيلاً، ورأت بدورها إنه يعيد إنتاج النظام الاستبددي في سوريا.
في المقابل، لم يكتف الهجري بالإدانة وكيل الاتهمات لحكومة دمشق، ولكنه عرض خطة طريق للخروج من مأزق قد يشل المسار الانتقالي السلمي في البلاد. ودعا شيخ العقل الرئيس الانتقالي أحمد الشرع لتصحيح المسار من خلال إعادة صياغة الدستور، وإعادة تنظيم إعلان دستوري تشاركي بمشاركة مختصين "وطنيين" من جميع المحافظات وممثلين بجميع الأقليات.
وبغياب تعليق رسمي أو تفاعل من قبل الشرع يستجيب للبيانات والأصوات المستنكرة للإعلان الدستوري، يبقى السؤال هل يستجيب الشرع للأصوات الداخلية في بلاده؟ أو سيستمر في ممارسة "سياسة الأمر الواقع" خاصة وأن المؤشرات تدل على انفراجة دولية لا سيما بعد مؤتمر المانحيين الأوربيين الأخير، في التعاطي مع الشرع ورسم العلاقات الدبلوماسية مع إدارته الانتقالية الذي ستشغل السنوات الخمس القادمة.