موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
احتفل المطران إياد أكرم الطوال، النائب البطريركي للاتين في الأردن، مساء السبت 1 آذار 2025، بقداسه الحبريّ الأوّل من بعد سيامته الأسقفيّة، وذلك في كنيسة قطع رأس يوحنا المعمدان، في مادبا، وهي الرعيّة التي نال فيها أسرار التنشئة المسيحيّة وسرّ الكهنوت المقدّس.
وقبيل القداس، وعلى أنغام الفرق الكشفيّة والزغاريد، جرى لسيادته استقبال رسميّ.
وكان في مقدمة مستقبليه البطريرك فؤاد الطوال، والنواب البطريركيون في القدس المطران وليم شوملي، والناصرة المطران رفيق نهرا، وقبرص المطران برونو فاريينو، والنائب الرسولي في دمشق المطران حنا جلوف، وأسقف جيبوتي المطران جمال خضر، والمطران بولس ماركوتسو والمطران مارون لحّام.
كما شارك في الاستقبال كاهن الرعيّة الأب طارق أبوحنا، ونائب حارس الأراضي المقدّسة الأب إبراهيم فلتس، ولفيف من كهنة البطريركيّة اللاتينيّة ومن الكنائس الكاثوليكيّة والشقيقة، ورهبان وراهبات من جمعيات راهبانيّة متعدّدة، وشخصيات رسميّة ووجهاء، وفعاليات رعويّة وكنسيّة، وحشد من المؤمنين من مدينة الفسيفساء ومن رعايا من مختلف أنحاء المملكة وخارجها.
في مستهلّ القداس، رحّب الأب طارق أبوحنا، باسم أبناء الرعيّة، بالمطران الطوال وبالمشاركين في هذا القداس "للصلاة معًا ولشكر الله على نعمة ملىء الكهنوت"، داعيًا السيّد المسيح، الراعي الصالح، ومريم العذراء، أم الكنيسة، أن يقفا إلى جانب الأسقف الجديد، ومعه، في خطواته القادمة، السهلة منها والمتعرجة، لكي يشعل في المؤمنين نار الإيمان والمحبّة.
وبعد سرد لمراحل حياة المطران الطوال وتنشئته الكهنوتيّة وخبراته الرعوية والتعليميّة والإداريّة، أوضح بأنّ هذه الأعوام لم تكن "سنوات عبث، وإنما كان روح الله يرفرف على وجهها، لتخلق فيه ما نراه اليوم، وما نريده أن يكون لخير الكنيسة في الأردن والأبرشيّة، ولتقوده، ونحن معه، إلى استمرار ما بدأت به البطريركيّة اللاتينيّة، ببطاركتها وأساقفتها، منذ أكثر من 170 عامًا، حاملة تلك الرؤية التي لم تنطفىء، في خدمة الناس والإكليروس، ولتصل رسالة المسيح الراعي الحنون إلى القلوب".
وخاطب المطران الجديد بالقول: "وفقًا لما جاء في شعارك الأسقفيّ، الذي تقول به مع بولس الرسول: ’حسبي أن أشهد لبشارة نعمة الله‘، فإنّنا نصلي من أجلك لكي تتمّ شوطك وخدمتك وشهادتك التي تلقيتها من الرّب يسوع. لكن، لا نريدُ أن تقول لنا كما قال بولس في نفس المكان الذي أخذت منه الشعار: ’أنا أعلم أنكم لن تروا وجهي أبدًا‘. نريد منك أن تزورنا، وتدعمنا بصلاتك وحبّك وعطائك. فقد وعدتنا يوم أمس أن تستمع لنا، وتهتم بما نهتم، وتسير مع المؤمنين في رحلتهم الإيمانيّة".
وقدّم الأب طارق، باسم أبناء الرعيّة، عصا الرعاية الاسقفيّة، لكي ترافق المطران الطوال في خدمته.
وبعد إعلان الإنجيل المقدّس، ألقى الأب عماد الطوال، اشبين المطران الجديد، عظة القداس أوضح فيها بأنّ الرسامة الأسقفيّة تمثّل "نعمة عظيمة يمنحها الله للكنيسة، ولحظة فرح روحيّ تتزامن مع سنة اليوبيل ’حجّاج الرجاء‘. إذ يختار الرّب لنا راعيًّا جديدًا، أسقفًا يسهر على خلاص النفوس، ويقود القطيع نحو طريق الملكوت، على مثال السيّد المسيح، الراعي الصالح الذي يبذل نفسه في سبيل الخراف".
وأشار إلى أنّ "الأسقف مدعو ليكون خادمًا مضحيًّا ومجاهدًا في سبيل كلمة الله". ورفع الدعاء لكي يملىء المطران الطوال بالحكمة والقوّة، لكي يقود الكنيسة اللاتينيّة في الأردن بروح الشركة والوحدة، مع أسرة البطريركيّة اللاتينيّة، مع غبطة البطريرك والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين، ولكي تثمر خدمته الرعوية في نشر نور الإيمان وتعزيز روح المحبة والسلام.
واجبات الأسقف أمام التحدّيات
ولفت الأب الطوال إلى أنّ المطران الجديد أمام "تحدٍّ كبير؛ مجتمع متغيّر وكنيسة متجدّدة"، وأنّه سيواجه "تحدّيات إيمانيّة عميقة تتعلّق بالحضور المسيحي والهُويّة، وشباب اليوم في عصر التطور التكنولوجيّ حيث يفرض الواقع الرقميّ والمفاهيم الحديثة تحدّيات غير مسبوقة".
وكما أنّه أمام "تحدّيات تربويّة مهمّة، من بينها أزمة العائلة اليوم، وتأثير مفهوم النسبيّة على القيم والأخلاق، ومستقبل المدارس المسيحيّة، والكاثوليكيّة بصورة خاصة، مع التركيز على نموها النوعيّ قبل الكميّ، وتعزيز المواطنة الصالحة، ودور المسيحيين في المجتمع"، بالإضافة إلى تحديات متعلقة "بواقع الوحدة المسيحيّة بكلّ أبعادها، سواء من الناحية اللاهوتيّة أو الإنسانيّة، إلى جانب ضرورة إقامة علاقات متينة مع الآخر، في إطار الحوار والمحبة المسيحيّة".
وأمام جميع هذه التحدّيات، أوضح الأب الطوال بأنّ الأسقف، وكما تعلّم الكنيسة الكاثوليكيّة، فهو مدعو ليكون "راعيًا قريبًا من شعبه، خادمًا وليس سيدًا، قائدًا وليس إداريًّا، شاهدًا للإنجيل بتواضع ورحمة"، داعيًا المطران الجديد لأن يكون "قريبًا من الله ومن شعبه، وأن يشمّ رائحة القطيع، كما يقول قداسة البابا فرنسيس، وأن يبني الجسور بدلاً من الجدران والمشاريع.
واجبات الرعيّة للنهضة الكنسيّة
ولفت إلى أنّ شعار المطران الطوال الأسقفي "حسبي أن أشهد لبشارة نعمة الله"، يذكّر الجميع أنّ "النهضة الكنسيّة لا تتحقّق بين ليلة وضحاها، لكنها تبدأ بالشركة والعمل المشترك والنظر إلى المستقبل برجاء وإيمان". وقال: "معًا يمكننا أن نصنع التغيير، ونحقّق حلم الكنيسة التي تخدم الإنسان وتحقّق مشيئة الله".
ومتوجهًا إلى المؤمنين، أوضح بأنّ "مهمّة الأسقف ليست سهلة، فهو مدعو ليكون مثالاً حيًّا للقداسة، يبذل حياته من أجل خلاص النفوس، بقلب ممتلىء بالمحبّة، وصبر على التحدّيات، وثقة عميقة بعمل الروح القدس. وكما أنّ الراعي يهتم بقطيعه، فإن الرعيّة مدعوّة أيضًا لدعم راعيها ومساندته حتى تثمر خدمته لمجد الله". بالتالي، دعا المؤمنين إلى "الصلاة الدائمة من أجل أسقفهم، وأن يكونوا سندًا وعونًا له في الخدمة، والمحافظة على وحدتهم وطاعتهم للكنيسة، وتشجيعه بمحبتهم وكلماتهم الصالحة".
وألقى المطران الطوال كلمة عفويّة شكر فيها جميع من حضر وحضّر لقداسه الأسقفيّ الأوّل.
وعرض سيادته صليبًا مصنوعًا من حجارة الفسيفساء، وهو نسخة مصغّرة عن صليب يرجع إلى أواخر القرن الرابع أو أوائل القرن الخامس، يزّين أرضيّة فسيفساء في كنيسة جبل نيبو في مادبا، مشيرًا إلى أنّ الصليب يمثّل اللابداية واللانهاية.
وأوضح بأنّ الصليب يجسّد أنّ المسيحيين متجذرون في هذه المدينة، وفي هذا الوطن، وبأنّ هذا الصليب كان شاهدًا على مدار قرون طويلة بأنّ مادبا "محبّة المسيح"، وبأنّ نعمة الكهنوت والأسقفية، المستمرة حتّى اليوم، تعكس محبّة هذه المدينة العظيمة للسيّد المسيح.
ولفت المطران الطوال إلى إنّها لمسؤوليّة على اكتاف الجميع أنّ نستمرّ محبين للسيّد المسيح، وأن نبقى شهودًا لإيماننا المسيحيّ في الأردن الحبيب والغالي، مع الفخر والاعتزاز بهُويّتنا الأردنيّة تحت قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله.