موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الجمعة، ٢٧ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٤
المسيحيون والمواطنة في البلاد العربية بين الحقوق والواجبات: الأردن نموذجًا
كتاب "المسيحيون والمواطنة في البلاد العربية بين الحقوق والواجبات: الأردن نموذجًا"

كتاب "المسيحيون والمواطنة في البلاد العربية بين الحقوق والواجبات: الأردن نموذجًا"

عرض ومراجعة إبراهيم غرايبة :

 

يقدّم المؤلف الأرشمندريت الدكتور بسام شحاتيت، وهو رئيس محكمة الروم الكاثوليك في عمّان، في هذا الكتاب، حقوق المسيحيين وواجباتهم في منظور مسيحي لاهوتي، وفي ظل القانون الإسلامي للأحوال الشخصية ودساتير الأردن والدول العربية الأخرى.

 

يقسم الكتاب إلى خمسة فصول

 

1- حقوق الإنسان وواجباته بحسب المجمع الفاتيكاني الثاني وبيان «كرامة الإنسان».

 

2- حقوق المؤمنين بالمسيح وواجباتهم في مجموعة الحق القانوني ومجموعة القوانين للكنيسة الشرقية.

 

3- تاريخ المسيحية في الأردن والحوار مع المسلمين.

 

4- حقوق المسيحيين وواجباتهم في الأردن.

 

5- لمحة تاريخية وقانونية عن حقوق المسيحيين وواجباتهم في البلاد العربية.

 

يرى المؤلف أن الحرية الدينية ليست حرية الكنيسة فحسب، إنما تجيء على قدم المساواة في جميع المعتقدات الدينية المختلفة، ويدافع المسيحيون عن حقوقهم في الحرية الدينية.

 

يعتبر المؤلف أن اتفاق الرسول مع أهل أيله واسقفها يوحنا بن روبة ثم العهدة العمرية أصبحا حجر الزاوية في العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في أغلب الدول العربية، ويعتبر الفرمان العثماني الهمايوني (1856) الذي أصدره السلطان العثماني عبد المجيد الأول مؤسسا للتنظيم الحديث للمواطنة وعلاقات المواطنين بالدولة، فقد نص الخط الهمايوني على المساواة بين جميع مواطني الدولة العثمانية في الحقوق والواجبات مهما كانت أديانهم ومذاهبهم، وعدم إجبار أي شخص على ترك دينه، وإعفاء الكنائس من الضرائب. وبعد حصول دول الشرق الأوسط على استقلالها وضعت حكوماتها دساتير وقوانين تنظم العلاقات والحقوق والواجبات، كما وضعت الكنائس قوانينها ومحاكمها الخاصة وفقا للصلاحيات التي وضعتها السلطات في الدول العربية.

 

في مجال الحوار المحلي (أردنيا) بين المسلمين والمسيحيين يشير المؤلف إلى جهود اللجنة الكنسية المحلية في الحوار مع المسلمين في مجالات الحياة اليومية. وقد لوحظ أنه ومنذ العام 2010 جرت محاولات ومبادرات لنشر الحوار بين طلبة المدارس والجامعات في القرى والمحافظات. ويقدم المؤلف لمحة عن اهم المؤتمرات التي عقدت في دول عربية للحوار في خلال أربعة عقود. وهي جهود إيجابية للارتقاء بالعلاقات المسيحية الإسلامية لتكون ليس على مستوى التعايش فقط بل للعيش معا، ويقول: هناك حاجة لتعزيز الحوار المبنى على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين مختلف مكونات المجتمع في الشرق الأوسط من أجل الوصول إلى مجتمع عادل.

 

ويقترح القيم الأساسية والثوابت التي يجب العمل على تحقيقها:

 

1- الحق في أن يتعامل الناس مع بعضهم البعض على أساس المساواة.

 

2- الحق في الحرية الدينية لجميع المواطنين

 

3- الحق في حرية الضمير

 

4- حق الاحترام المتبادل

 

5- الحق في البحث عن الحقيقة أيا كان مصدرها.

 

ومن أجل تطوير آليات الحوار يقترح المؤلف:

 

1- عدم المس بمشاعر أي أحد أو التشكيك بإيمانه وشعائره وحقوقه ومناسباته الدينية وحذف أي نصوص فيها إساء للآخر.

 

2- تعليم مبادئ الحوار في جميع المراحل الدراسية لتجنب التطرف ولفتح الأذهان عل المعرفة الحقيقية بديانة الآخر

 

3- التحلي بالشجاعة للدفاع عن الحقيقة والعدالة.

 

4- تشكل مريم العذراء ركنا أساسيا للتلاقي الإسلامي المسيحي، ذلك أنها موضع إجلال في القرآن الكريم.

 

6- أن تكون التربية في الأسرة على أساس قبول الآخر لأنها الحجر الأساسي الذي يشكل عقل الطفل وشخصيته.

 

ويقول: "من واجب العرب المسيحيين والمسلمين الحوار والتعاون لتبادل الأفكار وإيجاد النقاط المشتركة والبناء عليها لتتحقق المساواة المنشودة ويتمتع الجميع بحق المواطنة الكاملة. حسب الدستور الأردني فإن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، ويعطي القانون الحق للمسيحيين في تشكيل محاكم كنسية تهتم بشؤون الأحوال الشخصية مثل الزواج والنفقة".

 

يؤكد المؤلف أن المسيحيين ملتزمون باحترام تقاليد وأنظمة الدول التي يعيشون فيها، والمسيحيون العرب هم عرب أصيلون متجذرون في الأرض العربية، وهم مكون أساسي لا يمكن فصله عن مكونات المجتمعات العربية الأخرى. وهم عناصر فاعلة حيوية في مجتمعاتهم ودولهم، يقومون بخدمة تلك المجتمعات.

 

أقرت الحكومة الأردنية في عام 1996 إدراج مادة التربية المسيحية في المنهاج التعليمي للطلبة المسيحيين، لكن نتيجة لانخفاض نسبة الطلاب المسيحيين في المدارس الحكومية أصبح تطبيق القرار شبه متعذر، وسمحت الحكومة لجميع الطلاب المسيحيين من مختلف المدارس الحكومية في منطقة جغرافية معينة بتلقي التعليم المسيحي يوم السبت وهو يوم عطلة رسمية للمدارس الحكومية، على أيدي معلمي التربية المسيحية في المدارس الخاصة المسيحية مقابل اجر تدفعه الحكومة لهم. يشير المؤلف إلى أنه لم يكن قبل عام 2011 جامعة تتبع المؤسسات الكنسية، وقد وضع البابا بندكتس السادس عشر حجر الأساس للجامعة الأمريكية في مادبا والتي تتبع إداريا للبطريركية اللاتينية في الأراضي المقدسة. وهناك هيئة ثقافية إنجيلية في عمان معترف بها من الحكومة تدرس اللاهوت والكتاب المقدس، ومعترف بها كجامعة أمريكية تمنح البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. لكن يؤكد المؤلف على أن المسيحيين يحصلون على فرص التعليم في الجامعات والحصول على أعلى الشهادات العلمية.

 

ويسمح للمسيحيين العاملين في الوزارات والدوائر الحكومية والهيئات العامة بأن يتأخروا عن عملهم ساعتين صباح الأحد لتأدية شعائرهم الدينية. ويسمح للمسيحيين بالعطلة في الأعياد المسيحية، واعتبر يوما 25 كانون الأول واليوم الأول من العام عطلتان رسميتان للوزارات والدوائر الحكومية والعامة. ويطالب رؤساء الكنائس والمواطنون المسيحيون أن تكون أيام عيد الفصح عطلة رسمية في المدارس والجامعات، لكن الحكومة اكتفت بالإيعاز للمدارس والجامعات ألا تحدد مواعيد للامتحانات في الأعياد المسيحية. ويمنح القانون تسعة مقاعد للمسيحيين في مجلس النواب، وجرت العادة أن يكون لهم أربعة أعضاء في مجلس الأعيان.

 

يسمح القانون الأردني للمسلم بالزواج من مسيحية لكن لا يسمح للمسلمة أن تتزوج مسيحيا، ويتبع الأبناء دين آبائهم في الديانة والجنسية ويحملون أسماءهم. ويطبق في الأردن قانون الشريعة الإسلامية في الميراث على المسيحيين والمسلمين، ووفقا للشريعة الإسلامية لا يحق لغير المسلم أن يرث المسلم، لكن يحق للمسلم أن يرث غير المسلم. هكذا فإن الزواج المختلط مصدر لكثير من المشاكل الاجتماعية والقانونية. ولا تسمح القوانين استنادا إلى الشريعة الإسلامية بالتبني.

 

لا يسمح للمسلم بترك الإسلام، إذ يعتبر في هذه الحالة مرتدا، لكن يسمح لغير المسلم أن يعتنق الإسلام، ولا يسمح القانون بإجبار أحد على تغيير دينه او اعتناق دين. وليس في مقدور من يعتنق المسيحية تغيير مسمى ديانته في سجلات الأحوال المدنية. وإذا اعتنق مسيحي الإسلام فإن أولاده القصر يعتبرون تلقائيا مسلمين. وأما البالغون فيخيرون بين الإسلام أو المسيحية.

 

ويسمح قانون الطوائف الدينية لكل طائفة تعترف بها الحكومة أن تنشئ مجلسا ومحكمة لتنظيم شؤون أتباع الطائفة، ويصادق على تنسيبات السلطة العليا لكل هيئة كنسية بتشكيل المجالس والمحاكم الكنسية بمرسوم ملكي، وتنظر هذه المحاكم في الأحوال الشخصية والأمور الوقفية. وهي المواد نفسها التي تتخصص بها المحاكم الشرعية الإسلامية التي تنظم شؤون المسلمين في الأحوال الشخصية والميراث.

 

يخلص المؤلف في نهاية الكتاب إلى مجموعة من الاقتراحات والأفكار، تلخصها عبارة «الدول المدنية هي الحل» النقاط الرئيسية المتعلقة بحقوق المسيحيين وواجباتهم مرتبطة بالمساواة والحرية الدينية، حرية المعتقد، والحل النهائي في دول مدنية حديثة يعامل فيها جميع المواطنين بالمساواة في الحقوق والواجبات دون تمييز.

 

تعقيب

 

ركز المؤلف على حقوق المسيحيين وواجباتهم ضمن الواقع القائم، وكانت هي مدار الكتاب وغايته الأساسية. مؤكدًا أنها مسألة جوهرية ومهمة ومستعجلة أيضًا، إذ أنه لم يعد مقبولا أن يكون مواطن واحد فضلا عن فئة أو طائفة من المواطنين لا تحظى بالمساواة التامة في التشريعات والأنظمة المطبقة، ويجب أن تبادر جميع الدول العربية والإسلامية إلى إنهاء أي تمييز بين المسيحيين والمسلمين وكذلك أي تمييز ضد أحد من المواطنين بسبب دينه أو عرقه أو لغته أو لونه أو ثقافته أو معتقداته وحياته الشخصية.

 

لكن الحقوق والواجبات والمواطنة والحريات تتصل بالمبادئ العامة للدول والمجتمعات وتشمل جميع المواطنين دون استثناء. ولذلك فإن الحل الأساسي لمسألة الحقوق والواجبات للمسيحيين كما المسلمين وغيرهم أيضا في دولة مدنية ديمقراطية يتمتع جميع مواطنيها بالحريات والمشاركة والمساواة.

 

ليست جميع قضايا حقوق المسيحيين وواجباتهم متصلة بالقوانين والأحوال السائدة، لكن هناك مسائل في التعاليم والقوانين الكنسية المتبعة تثير إشكاليات في حقوق المسيحيين وواجباتهم، مثل التعددية الطائفية والاختلافات بين الطوائف، وقوانين الزواج والطلاق المسيحية.

 

أخيرا فإن البيئة الاجتماعية والثقافية تؤدي إلى حلول مهمة كما يمكن أن تؤدي إلى مشكلات وأزمات في الحقوق والعلاقات والحريات مثل التعصب الديني والاجتماعي والثقافي، وهذه حالة تشمل جميع فئات المجتمع والمواطنين، وقد وصلت إلى أعمال قتل ونزاعات وخلافات كان ضحيتها المسلمون والمسيحيون على السواء. والحل أن يبادر المسلمون والمسيحيون معا إلى بناء ثقافة اجتماعية قائمة على التقبل والمشاركة.